مقالات

العاهل الأردني وإيزنهاور وملءفراغ القوة!

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

التاريخ السياسي للمنطقة العربية يعيد نفسه،وذلك من خلال استرجاع مقولات كانت سائدة ارتبطت بالإستعمار التقليدي، وهو التدخل العسكري للمنطقة، ولعل من أبرز هذه المقولات التي تتردد من جديد أن المنطقة العربية تعاني من فراغا في القوة مردّه يرجع إلى غياب الدور المحوري للدولة القائد ،أو الدولة المحورية،وذلك بسبب إنهيار عدد من الجيوش العربية القوية كجيوش العراق،وسوريا،وليبيا،وبانشغال الجيوش الأخرى بمعارك مماثلة بمحاربة الإرهاب “عاصفة حزم” هذا عربيا،أما دوليا وأمريكيا فقيام الأخيرة وقد يممت شطر وجهها نحو شرق آسيا على حساب تواجدها في المنطقة وبروز دول إقليمية تتطلع لملء الفراغ كإيران وروسيا وتركيا وإسرائيل. التصريح الذي أدلى به العاهل الأردني عبدالله الثاني من” أن هناك تصعيدا محتمل الوقوع على حدودنا مع سوريا، جراء الفراغ الذي ستتركه روسيا في سوريا وستملأوه إيران ووكلائها ربما يكون في هذا الاتجاه.فالعاهل الأردني في تصريحه هذا أعاد مبدأ إيزنهاور الرئيس الأمريكي “ملىء فراغ القوة” الذي نادى به وذلك لملء فراغ القوة الذي شكله انسحاب بريطانيا وفرنسا من الشرق الأوسط، وذلك للحلول محلهما في المنطقة.فالعاهل الأردني ربما بدأ يتحسس ما تحسسه أيزنهاور محذرا من الفراغ الذي شكله وسيشكله انسحاب روسيا من بعض المناطق السورية وخاصة في جنوبها، والتي تشكل الحدود الشمالية للأردن،سيما أن الخطر الإيراني القادم الذي يستشعره قد بات قاب قوسين أو أدنى،فما عجل بتصريح ملك الأردن تورط روسيا في المستنقع الأوكراني، الغزو الذي كلف ويكلف روسيا الكثير الكثير، وبدأت مع غزوها هذا حاجتها إلى لملمة قواتها في سوريا والسير بها باتجاه أوكرانيا ما يؤكد هذا قيام المفتي العام في روسيا إلى دعوة المسلمين إلى الوقوف إلى جانب روسيا في حربها مع أوكرانيا واعتبر المفتي الروسي أن من يقتل من المسلمين إلى جانب روسيا اعتبره شهيد!! من هنا بدأت حاجة روسيا إلى عدة وعديد لتمويل وإمداد آلة الحرب في أوكرانيا التي كلفتها الكثير، وقامت بانسجابات من سوريا في أكثر من موقع ما أدى إلى قيام إيران وميليشياتها إلى ملئه في مطار كويرس وغيره من الأمكنة، الأمر الذي دفع العاهل الأردني إلى قيامه بالأمس ليصرح هذا التصريح.جميعنا يتذكر الزيارة التي قام بها العاهل الأردني إلى موسكو منذ زمن ليس ببعيد وكان وجود جيش النظام والميليشيات الإيرانية بالقرب من حدوده المحور الذي تمحورت حوله الزيارة،وقد جرى طمأنة العاهل الأردني حينها أن وجود الجيش الروسي في الجنوب السوري هو الضمانة التي ستبدد مخاوف الأردن من عدم اقتراب الميليشيات الإيرانية من الحدود الشمالية للأردن،وأعقب هذه الزيارة اتصالا هاتفيا جرى بين العاهل الأردني وبشار أسد،تناول الاتصال القضايا التي تؤرق الأردن، والتي ربما قد هدأت من هواجس الأردن ولو قليلا ماتبعه من قيام الأردن بفتح معبر جابر من جانبها معبر نصيب من الجانب السوري، المعبر الذي كان وبالا على الأردن وأصبح معبرا للمخدرات وللكبتاغون للأردن ولدول الخليج العربي، فبمجيىء الغزو الروسي لأوكرانيا جعل من التطمينات الروسية للأردن في مهب الريح بعد أن قامت روسية بسحب قواتها من بعض المناطق في سوريا وإقحامها في أوكرانيا.العاهل الأردني ربما لم يكن يدر في خلده التطورات هذه وقد ظن أن وجود روسيا سيكون دائما لحمايته وحماية حدوده الشماليه ظنا منه أن وجودها كوجوده متمثلا بحماية حدوده مع إسرائيل، وهو أي العاهل الأردني وللحقيقة كان أول من حذّر من الهلال الشيعي التي تريد إيران إقامته ابتداء من إيران،والعراق،وسوريا، ولبنان وصولا إلى الأردن ،ولكن ماقام به من خطوات بدعم النظام وفتح معابره لتجارة المخدرات جعلت من الهلال الذي حذر منه يبدو كبدر في ليلة اكتماله،ولم يقم بأي فعل ليجعل منه عرجونا قديمًا وربما كان بمقدوره أن يجعله كذلك لو أنه وقف إلى جانب الثورة السورية التي ستكون الدرع والطوق للأردن ولجميع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج.تصريحات ملك الأردن لم تأت من فراغ وهي ليست بلسان حاله فقط بل هي أيضا لسان حال كثيرين من الدول العربية الذين يرون ما يراه وربما دُفعَ به ليقول ما يقول ليدق جرس الإنذار الذي تأخر كثيرا بدقه.محاولات إيران حثيثة للوصول إلى الأردن بأهداف ووسائل كثيرة يأتي على رأسها السياحة الدينية فهي ترى أي إيران أن لها في الاردن وفي مؤتة تحديدا مراقد لآل الببت منهم جعفر بن أبي طالب فهي تحاول الوصول إلى الأردن تحت عناوين ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وربما وبالفراغ الذي سيشكله انسحاب روسيا من المناطق الجنوبية لسورية التي كانت ترى فيها الأردن الحجاب الذي يحجب الميليشيات الإيرانية سيجعل من التدخلات الإيرانية تتسارع وتتصاعد الأمر الذي حدا بملك الأردن بأن يقول” تصعيد محتمل سيحصل على حدودنا مع سوريا”لا شك أن تصريح العاهل الأردني يشكل دعوة لملىء فراغ القوة، وبغياب القوة العربية المشتركة وغياب القوة الأردنية التي لا تستطيع أن تملأ فراغا كهذا ،وعلى ضوء هذا فدعواه ورسالته التي أراد إيصالها إلى من يهمه الأمر تُقرأ على أن تقوم بملء هذا الفراغ الذي تريد طهران أن تملأه أي دولة أخرى تمتلك من أسباب القوة ما يحول دون وصول إيران إلى حدودها وربما معهاحدود إسرائيل أيضا فمن ستكون هذه القوة؟

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. أحسنت يا أستاذ جهاد بمقالك و أشكر الله أن ألهمك لاستعمال اسم “أيزنهاور” في عنوان المقال ثم في ثناياه لأن كبيراً في السن مثلي استعاد ذكريات علاقة هذا الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالأردن حيث في عهده جرت محاولة انقلابية جادة للإطاحة بملك الأردن و لإنهاء أسرته من ضباط كانت لهم علاقات مع عملاء أمريكا في المنطقة العربية . بعد فشل المحاولة ، حصل انقلاب ناجح على الملك فيصل و قتلوه و أبيدت عائلته من ضباط على نفس شاكلة ضباط الأردن .
    معلوم أن الاستعمار الفرعوني لديه مشروع قديم ” الفوضى الخلاقة ” الذي مهَد لتحقيق مشروع “الشرق الأوسط الجديد” . إنه مشروع يكون فيه هذا الشرق تحت سيطرة الأقليات و يكاد يخلو من المسلمين ، و من ضمن الأقليات تلك التي تدين بالولاء للكهنوت الفارسي و لذلك فإن الاستعمار الفرعوني قام بنفسه بإدخال إيران إلى العراق مباشرة بعد احتلاله لها و صار العراق محافظة فارسية ثم صار لبنان محافظة فارسية و كذلك اليمن . كان اندلاع ثورة شعب سوريا فرصة ذهبية للاستعمار الفرعوني لإقحام المليشيات الفارسية الطائفية و تحويل ما تسمى “سوريا المفيدة” إلى محافظة فارسية .
    حين صدحت حناجر شعب سوريا بهتاف “خافوا الله يا عرب ، يا عرب خذلتونا” وقع هذا الهتاف على آذان صماء و كان العرب يتفرجون على تقتيل شعب سوريا و تدمير بيوته و تهجيره من أرضه و تغيير التوزيع السكاني على أيدي تحالف الأقليات و بدعم من الاستعمار الفرعوني و وكيله الروسي المجرم ” رتبة الوكيل هذه بسبب أن تدخل جيش روسيا في سوريا كان بناءً على طلب أوباما / كيري من بوتين عام 2015 مع ضمان تمويله من سفهاء الأعراب و ضمان عدم حصول الثوار على أسلحة نوعية ” . لقد هددَ لافروف بكشف الاتفاق المكتوب “بين الاستعمار و الروس” منذ فترة قريبة ، و معلوم أن الروس كشفوا من قبل اتفاقية سايكس – بيكو . من يدري ، قد يكشف الروس ما لديهم قريباً .
    المهم أن العرب الذين خذلوا شعب سوريا و ثورته ، غاب عن بالهم أن القوميين الفرس العنصريين الحاقدين على العرب تآمروا تاريخياً مع كل عدو غريب حاقد على أمة الإسلام ، و في عصرنا الحالي يسعون إلى إحياء الإمبراطورية الفارسية تحت الشعار الكذَاب “تصدير الثورة” الذي هو في الحقيقة ” تصدير الخراب ” و لقد جرى رصد مبلغ 16 مليار دولار سنوياً لهذا الغرض منذ عام 1979 و حتى هذا العام . بالتالي سيدفع العرب ثمناً باهظاً على عدم دعمهم ثورة سوريا و سيندمون أشد الندم ، و في الأردن العزيز علينا أرجو الله أن لا يسمع أهله النشامى هتاف ” يا لثارات جعفر ” – بتسهيل من الاستعمار الفرعوني الذي ليس من أخلاقه الوفاء – كما سمعنا في سوريا الهتاف المخادع “يا لثارات الحسين” مع أن الحسين بن علي بن أبي طالب – عليهما السلام – بريئان ممن يزعمون تبعيتهم لهما ، فما كانا ليرضيان على قتلة و تجار مخدرات و مسوَقي متعة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى