مقالات

السَّعوديَّة: أقاويل عن انتقال المُلك والتَّطبيع الاقتصادي مع إسرائيل

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

أثارت الحالة الصِّحيَّة للعاهل السَّعودي، المَلك سلمان بن عبد العزيز، تكهُّنات، في الأوساط السِّياسيَّة قبل الإعلاميَّة، حول مستقبل حُكم المملكة العربيَّة السَّعوديَّة في حالة وفاته. فقد دخل المَلك سلمان (86 عامًا) المستشفى في مدينة جدَّة السَّعوديَّة في 8 مايو الجاري لإجراء منظار للقولون، وهي ثاني مرَّة يدخل فيها العاهل المسنّ المستشفى لإجراء فحوصات طبيَّة في أقلِّ من شهرين، حيث دخل المستشفى في مارس الماضي لتغيير بطاريَّة منظِّم ضربات القلب؛ ممَّا أثار الأقاويل عن مسار انتقال السُّلطة لوليِّ عهده الشَّاب، الأمير محمَّد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، كما يصفه الإعلام الغربي. غير أنَّ خروج العاهل السَّعودي من المستشفى بعد 8 أيَّام من الرِّعاية والنَّقاهة ينفي ما تردَّد عن تراجُع صحَّته واحتمال إعلان وفاته في الفترة المقبلة. فقد أعلنت وكالة الأنباء السَّعوديَّة (واس) في 16 مايو خروج المَلك سلمان من المستشفى سليمًا، ونشرت مقطعًا للمَلك وهو يسير على قدميه برفقة بعض الأمراء. ومع ذلك، فسلامة الفحوصات الطِّبيَّة للعاهل السَّعودي ليس من المتوقَّع أن تحسم الجدال بشأن قُرب انتقال المُلك للوليِّ العهد (36 عامًا) ومدى سلاسة الأمر، في ظلِّ توتُّر العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة، وتلميح إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى احتمال عدم اعتراف الولايات المتَّحدة بوليِّ العهد ملكًا. ترقُّب دولي لصحَّة العاهل السَّعودي وقلق من نزاع على الحُكم سارَع زعماء مختلف دول العالم بإرسال التَّهاني إلى العاهل السَّعودي لنجاحه منظار القولون الَّذي أجراه، في تأكيد على سلامته الصِّحيَّة واستكماله مباشَرة مسؤوليَّاته. غير أنَّ الرُّواية الَّتي نشرها الإعلام السَّعودي الرَّسمي لم تقنع كثيرين، من بينهم خالد الجبري، وهو طبيب وكاتب سعودي معارض يعيش بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وهو نجل المسؤول الأمني سعد الجبري، المنشق عن النِّظام الحاكم ووثيق الصِّلة بالاستخبارات الأمريكيَّة، منذ أن كان مساعدًا لوليِّ العهد السَّابق، الأمير محمَّد بن نايف. فقد أوضح خالد الجبري أنَّ منظار القولون لا يُجرى لمن هم فوق الـ 80 من العمر، مرجَّحًا أنَّ ما أُجري للعاهل المسنّ هو علاج لنزيف الجهاز الهضمي السُفلي. من جهة أخرى، نشَر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، التَّابع لجامعة تل أبيب، مقالًا في 9 مايو الجاري تحت عنوان “King Salman in the Hospital: Concerns and Speculations in Saudi Arabia “، أو المَلك سلمان في المستشفى: قلق وتكهُّنات في السَّعوديَّة، أثار فيه مسألة انتقال السُّلطة في المملكة، في حالة وفاة المَلك الحالي، متوقِّعًا حدوث “أزمة في القيادة عن وفاة سلمان”. أمَّا عن التَّحدِّي الأكبر الَّذي يواجه وليَّ العهد السَّعودي الشَّاب فهو توتُّر علاقات بلاده بالولايات المتَّحدة، وعدم رضا شخصيَّات بارزة في البيت الأبيض عن حُكمه. لم تعد واشنطن تعتبر المملكة الخليجيَّة حليفًا استراتيجيًّا، لا سيِّما بعد اتِّجاه الأمير محمَّد بن سلمان إلى التَّحالف مع الصِّين وروسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا. ويُضاف إلى ذلك حراجة العلاقات السَّعوديَّة بإيران، وتعرُّض المملكة لتهديد متواصل على يد ميليشيات الحوثي الشِّيعيَّة المدعومة إيرانيًّا. ويوضح مقال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنَّ دولة الاحتلال حريصة على تحسُّن العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة وعودة المملكة إلى المعسكر الموالي للغرب، وكذلك على استقرار الحُكم في المملكة وعدم حدوث نزاع على السُّلطة. ويبدو أنَّ المركز البحثي الإسرائيلي يتوقَّع حدوث نزاع بين أمراء البيت الحاكم في السَّعوديَّة عند إعلان وفاة العاهل المسنّ، لكنَّ يرى أن القيادة المركزيَّة والسَّيطرة على الأجهزة الأمنيَّة بالمملكة سيدعمان “المَلك محمَّد بن سلمان” في قمْع المعارضين. حقيقة تهديد مدير الاستخبارات الأمريكيَّة لوليِّ العهد السَّعودي برغم عدم الإعلان الرَّسمي عن لقاء وليِّ العهد السَّعودي بأيِّ مسؤول أمريكي في الفترة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام الغربيَّة، نقلاً عن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة، أقاويل عن زيارة ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة، السَّعوديَّة منتصف أبريل الماضي، والتقائه بالأمير محمد بن سلمان في مدينة جدَّة، بعد إلغاء زيارة وزير الخارجيَّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، الَّتي كانت مقرَّرة في مارس الماضي. وكما أوضحت وول ستريت جورنال، استهدفت تلك الزِّيارة تحسين العلاقات التَّاريخيَّة بين المملكة الخليجيَّة والولايات المتَّحدة، ولكن يبدو أنَّ سوء التَّفاهم لم يُنهى؛ بسبب إصرار وليِّ العهد الشَّاب على رفْضه زيادة إنتاج النَّفط لخفض سعره، استجابةً لطلب إدارة بايدن. وقد نشَر موقع The Intercept الأمريكي في 13 مايو الجاري مقالًا تحت عنوان ” Inside the Secret Meeting Between the CIA Director and Saudi Crown Prince”، أو داخل الاجتماع السِّرِّي بين مدير وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة ووليِّ العهد السَّعودي، أنَّ بيرنز طلب إلى الأمير محمَّد بن سلمان إعادة النَّظر في تقاربه من الصِّين وروسيا، وعزمه إبرام صفقات تسليح مع الصِّين، ودراسته بيع النَّفط بالعملة الصِّينيَّة بدلًا من الدُّولار الأمريكي، بالإضافة إلى مطالبته بالإفراج عن وليِّ العهد السَّابق، الأمير محمَّد بن نايف، الَّذي ينفى مسؤولون سعوديون رسميون احتجازه من الأصل. ومن الواضح أنَّ لقاء ويليام بيرنز بالأمير محمَّد بن سلمان لم يثمر عن تقدُّم في مسار تحسين العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة؛ ما دفع البعض إلى التَّكهُّن بأنَّ بيرنز هدَّد وليَّ العهد السَّعودي برد أمريكي حاسم، إن أصرَّ على موقفه. تطبيع سعودي اقتصادي مع إسرائيل في مجال التِّقنيات الحديثة في مقابل الانتقاد والتَّهديد وسوء العلاقات مع إدارة جو بايدن، يحتفظ الأمير محمَّد بن سلمان بحسن علاقاته بسؤولي إدارة الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، وعلى رأسهم اليهودي جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره. وبعدما تردَّد عن اعتزام ابن سلمان استثمار ملياري دولار في شركة جديدة يؤسِّسها كوشنر، قيل إنَّها موجَّهة في الأصل لدعم الحملة الانتخابيَّة لترامب في مواجهة بايدن عام 2024م، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال ما يفيد بإقدام كوشنر على استثمار المبلغ الَّذي حصل عليه من ابن سلمان في شركات تقنيَّة إسرائيليَّة، في خطوة اعتُبرت تمهيديَّة في مسار تطبيع العلاقات بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال الصُّهيوني. لن ننسى أنَّ كوشنر لعب الدَّور الأكبر في إبرام يسمى بـ “اتِّفاقيَّات أبراهام”، الَّتي تردَّد عن اعتزام السَّعوديَّة الانضمام إليها، وقيل إنَّ سبب عدم التَّنفيذ هو معارضة العاهل السَّعودي الحالي، المَلك سلمان، للأمر، في إيحاء بأنَّ انتقال المُلك لوليِّ العهد الشَّاب سيزيل سبب عدم انضمام المملكة لاتِّفاقيَّات التَّطبيع. ونتساءل: هل تنتقم إدارة بايدن من محمَّد بن سلمان بتفعيل قانوني جاستا ونوبك بالاستيلاء على استثمارات السَّعوديَّة في الولايات المتَّحدة البالغة قيمتها 800 مليار دولار؟ ولماذا يُفتح ملفِّ انتقال السُّلطة في المملكة واعتقال وليِّ العهد السَّابق، طالما يؤكِّد الإعلام السَّعودي الرَّسمي أنَّ المَلك يتمتَّع بصحَّة جيِّدة؟ وهل خروج المَلك من المشهد هو الحافز الأساسي لانضمام بلاد الرحمين لاتِّفاقيَّات التَّطبيع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى