بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله والدفاع عنه في القرآن الكريم 34من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب


الشـَّــــــرح
بسم الله الرحمن الرحيم
~§§ الشرح(مكية)8 §§~
} أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6} فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ{7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{8} صدق الله العظيم.

    في هذه السورة الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها من الشرف والرفعة والخصوصية والتكريم والتفضيل وشرح الصدر ما فيها, وهذا الخطاب المباشر من الله عز وجل إلى عبده ورسوله وحبيبه ما فيه, يبدأ الله عز وجل حديثة مع رسوله بالاستفهام التقريري الذي ليس له جواب إلا كلمة نعم, وأن ما فيه حاصل وواقع ومؤكد ولا يقبل الإنكار.

ـ (ألم نشرح لك صدرك): ألم يكن صدرك ضيقاً حرجاً؟ ألم يكن حملك ثقيلاً؟ ووزنك كبيراً؟ ألم تكن تعاني ما تعاني من قلق نفسي؟ ومن وهن جسدي؟ ومن اضطراب ومعاناة كبيرة؟ ألا تذكر كيف كنت؟ وكيف أصحبت الآن؟.
ألم نشرح صدرك للإيمان؟ ونهدك إلى سواء السبيل؟ بعد أن كنت هائماً على وجهك تائهاً تبحث عن الطريق القويم, والمنهج الصحيح, والفكر السليم, والحل المناسب لكل مشاكل المجتمع, والعلاج الشافي لكل أمراض المجتمع.
إننا كنا نقدر ما أتت فيه من قلق على ما وصل إليه حال مجتمعك المكي, وحال الناس كل الناس (في زمنك) ومن رؤيتك إلى تسيب الأمور, وانهيار المجتمع ووصوله حداً يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذه.
ـ (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقذ ظهرك): فكان أن تدخلنا, وكان أن أزحنا عنك هذا الهم, وشرحنا صدرك للإيمان, وهديناك إلى الحل, وأعطيناك ما تريد, وقدمنا لك ماتبحث عنه, وخففنا عنك حملك الذي أتعب ظهرك, وحملنا معك حملك, وأعناك على حملك, وقوينا لك ظهرك, وشددنا لك أزرك.
(ورفعنا لك ذكرك): ألم نجعلك معروفاً بين الناس؟ وبين القبائل, وبين الحواضر والبوادي؟ ألم يطير ذكرك في الآفاق, وبين الركبان؟ ويبدأ الناس كل الناس من عرب وعجم الحديث عنك, والسعي إليك واللقاء بك, وتقديم الولاء لك, وتسليم القياد إليك, والوقوف إلى جانبك, وشد أزرك ؟؟.
هذا من حيث الشهرة والذكر والأحاديث التي تتداولها الناس والأحداث التي بدأت تتلاحق على الأرض شرقاً وغرباً.
ومن حيث الشعائر الدينية, والمناسك والصلوات والتسابيح وذكر الله وعبادته؛ ألم أقرن أسمي باسمك في الشهادة؛ لا إله إلا الله, محمد رسول الله؟, ألم أجعل اسمك في الأذان يتردد في كل أرجاء المعمورة؛ أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله؟..
في إقامة كل صلاة؟ في كل خطبة من فرائضها أن تذكر فيها ويصلى عليك؟ في التشهد والصلوات الإبراهيمية؟ في القرآن الكريم كله آيات كثيرة, وسور كثيرة, تتحدث عنك وتذكرك وتأمر بذكرك وطاعتك ورضاك وولاء وأتباعك لك..
ألم تصلِّ بالأنبياء كلهم والرسل كلهم في بيت المقدس؟, ألم نرفعك إلى السماء ليعرفك كل أهل السماء, بعد أن عرفك كل أهل الارض؟ ألم نحفظ لك ذكرك بحفظ القرآن الكريم, وحفظ أمة القرآن الكريم, وحفظ لغة القرآن الكريم؟.
ألم نكتب في اللوح المحفوظ لا إله إلا الله محمد رسول الله, ونجعل مفتاح الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله, ونجعلك سيد الدنيا والآخرة؟..
ألم نفعل لك كل هذا, وأكثر من هذا؟.. أبعد هذا النعيم نعيماً؟, هنيئاً لك يا رسول الله يا حبيبي يا محمد, وهنيئاً لنا نحن أحبابك وأتباعك وأبناؤك وجنودك, هذا الشرف الرفيع, والمكانة العالية, والمقام المحمود..

  • (إن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً) هذا الأمر فيه معاناة أخرى, وحمل من نوع آخر, وشدة وكرب, وعسر وصعوبة, ويحتاج إلى الصبر والأناة والتحمل والاجتهاد, والعمل الدؤوب, والجهاد والاجتهاد الفكري والمادي والمعنوي, والسهر والتعب, والجوع والألم, والأذى والشدة والقوة والصلابة, والطعان والقتال..
    ولكن في النهاية سيكون الفوز وتحقيق الأماني, وهزيمة الشر والظلم والجهل والتخلف, والاستبداد والاستعباد والكفر والفسوق والفجور, ليحل محله الإيمان والعدل والحق والخير والأمن والسعادة, والهدوء والطمأنينة والسلام.
    فلا يحزنك ما أنت فيه من عسر وصعوبة, ومعانة ومرارة, وألم وضعف وجوع وحرمان, وشدة من الأعادي وظلم وتجبر وتكبر وإعراض وحرب شعواء بكل وجوهها العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والدينية وغير ذلك..
    أعلم أنت ومن معك ومن تبعك؛ أن الله جعل بعد كل عسر يسراً معه؟ يهونه ويعين عليه, ويسر بعده حيث الفرح والفوز والفتح والنصر والسعادة بكل وجوهها وكل وسائلها وأشكالها وألوانها ومفرداتها, والرخاء كله بكل أشكاله وصوره والفرح والمرح والسرور والبهجة, والأمن والسلام والإسلام, والحمد لله على صدق وعده, ويسر أمره.
    (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب): ألا يستحق من قدم لك كل هذا أن تذكره وتشكره, فإذا فرغت من عملك في نشر الدعوة, والعمل الدؤوب المتواصل, فاذكر ربك والتفت إلى ربك وأعطه حصته من وقتك وجهدك وعملك وعبادتك, فإن له فضلاً عليك, وواجباً وحقاً, وهو ينتظر لقاءك, ويرغب بلقائك ويفرح بلقائك, ويشتاق إلى القائل, فأحرص على أن تكون كذلك, ولا يشغلنك ما أنت فيه من هداية الناس إلى الله, ومد الجسور بينهم وبين ربهم, عن ربك.
    كلما فرغت من عملك, ومن دعوتك, رغب إلى ربك, وتوجه إلى ربك, واتصل بربك بشوق وحماس ورغبة جامحة تساوي رغبتك بالدعوة, واجتهادك فيها, وحماسك لها, لتتوازن المعادلة, وتفوز بالجائزتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى