دين ودنيا

الترحم على غير المسلم مسألة فقهية أدرجت في الولاء والبراء

أ.د. عمار بن عبد الله ناصح علوان

مدير المركز الكندي للبحوث التطبيقية واستشراف المستقبل
عرض مقالات الكاتب

تردد ت كثيرا في الكتابةحول الموضوع حتى تتضح لي المسألة من جميع أدلتها ، مع بيان أوجه استباطاتها ، واشكالاتها بأدلة أخرى. والمسألة أضحت تثار كثيرا بين جذب وشد مما يستوجب على الباحثين تحقيقها ، فكلما توفى أحد من المشاهير غير المسلمين الذين لهم منزلة في أعمالهم الانسانية أثيرت مسألة الترحم عليه بين مانع ومجيز.
هل هناك نص قاطع في النهي يخص النهي عن الترحم لغير المسلمين؟
إذا استقرأنا أدلة من حرم الترحم على غير المسلم من خلال الفتاوى المنتشرة على الشبكة العنكبوتية مثل موقع اسلام ويب ، وموقع الشيخين ابن باز والعثمين-رحمهما الله- والكثير من المواقع –عدا- موقع دار الافتاء المصرية يستدلون على منعهم من الترحم على غير المسلم من قوله تعالى ” مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم”.سورة الأعراف 113
فالآية واضحة البيان في النهي عن الاستغفار لهم ، والترحم غير الاستغفار حتى العامي في عصرنا يفرق بينهما . فترى الجاني أو المحامي يطلب الرحمة من القضاة في تخفيف الحكم عليه بخلاف طلب الغقران له بالصفح عنه ، وعدم إنزال أي عقوبة في حقه.
بعضهم قد يستدل بهذا الأثر”أنه جيء بسبي للرسول صلى الله عليه و سلم، و كان من بين السبي سفانة بنت حاتم الطائي ، فاستعطفت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :يا محمد هلك الوالد و غاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني، و يقتل الجاني، و يحفظ الجار، و يحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، و يطعم الطعام، و يفشي السلام، و يحمل الكل، و يعين على نوائب الدهر و ما أتاه أحد فرده خائبا ، أنا بنت حاتم الطائي.فقال النبي صلى الله عليه وسلم :يا جاربة هذه صفات المؤمنين حقا ، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه ، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق”

هذا الأثر قد حكم عليه البعض بالوضع ، لأن فيه ضرار بن صرد وهو متهم بالكذب والوضع.
حجة المجيزين : استدل من أجاز الرحمة على غير المسلم بقوله تعالى “وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”.سورة الأعراف 156
يؤخذ على من استدل بهذه الآية أنه لم يردوا على استدراك المانعين في تكملة الآية التي استدلوا بها “..فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”. فقد قصروا الرحمة على المسلمين فقط!!ففي هذا البحث سوف أعمل على إزالة إشكالهم. أقول مستمدا من الله تعالى العون ، و التوفيق أن قصر رحمة الله تعالى على المسلمين فقط يخالف امفهوم الآية نفسها ، ويناقضها إذا عذاب الله تعالى يصيب به بعض عباده بخلاف رحمته التي وسعت كل شئ من خلقه ، وهذه هي الرحمة العامة –كما ستبين ذلك في الحديث الصحيح- أما قوله تعالى “.. فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”. فهي رحمته الخاصة بهم دون سواهم مصداقا لقوله تعالى ” هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا”.سورة الأحزاب 43. وهذا ما يقتضيه سياق الآية إذ الصلاة من الله تعالى ، وملائكته خصت بهم ، وأيضا الرحمة التي خصوا بها ، وكتبت لهم دون بقية خلقه. هذا ما بينته السنة الشريفة باعتبارها شارحة ، ومبينة له.

جاء في الحديث الصحيح: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) رواه البخاري. وفي رواية له: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار). تأمل معي-رحمك الله –لفظة ” كلهم” ، وتأمل-أيضا- الجزء الأخير من الحديث”. فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة”.فرحمة الله تعالى ليس لها حدود ، فرحمة الله وسعت كل شئ.

وأرى قوله تعالى ” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.سورة الإسراءآية 24
دليلا على جواز الترحم على غير المسلم. فالآية أمرت الأبناء على وجه العموم بالدعاء بالرحمة للوالدين ، ولم يقيدهما بالإسلام ، أو عدمه ، بل ربط أمر الدعاء لهما بالرحمة لتربيتهما اياه منذ الصغر-وهذا الأمر يحسنه كل أب مسلما كان أو كافرا- وليس بسبب تنشئتهما له على الايمان ، مع التنبيه أن وقت نزول الآية كان هناك الكثير من الصحابة لم يدخل آباؤهم في الإسلام. والقاعدة الأصولية الشهيرة تقول : لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
الخلاصة: أرى جواز الترحم على غير المسلم بطلب الرحمة العامة له من الله تعالى ، فمعاني الرحمة مختلفة عن معاني الاستغفار ، ولا تدخل تحت النصوص التي جاءت بالنهي عن الاستغفار ، وليس هناك نصوص شرعيةصحيحة السند ، و مستقيمة الاستنباط تمنع –الترحم عليهم -والله تعالى أعلم-.

.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. سورة الأعراف. الجواب من نص الآية وليس من حكيم عقل الناس. لو أكملت الآية التي تليها أعلنت أن استنتاجك غير صحيح. فقد كتب الله رحمته للذين يتبعون الرسول الأمي بنص الآية!!

    وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)

  2. الحديث الذي يذكر ان لله 100رحمة وانه احتفظ منها بـ 99 (جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)لاعلاقة له بمسالة الترحم على الكافر اذا مات هل تجوز ام لاتجوز : 1 = فرحمة كل انسان وكل حيوان فطرية كما جاء في الحديث انها من اثارها رفق الدابة بمولودها 2 = وهي ايضا رحمة شرعها الله في الدنيا حتى عند ذبح الشاة فقد قال (ص) اريحوا ذبائحكم وقال في كل ذات كبد رطبة اجر
    3 = ومن هذا المنطلق رحمة البشر في الدنيا مامور بها في السلم والحرب حتى ان الاسلام حرم تعذيب الاسرى او حرقهم بالنار عند اختيار قتلهم هذا فضلا عن الدعوة الى البر بالمسالمين من الكفار اما كون رحمة الله وسعت كل شيء وانه تعالى احتفظ منها بـ 99 جزءا فمشروطة بالايمان والاسلام والاخلاص وهي على سعتها ونسبتها 99لاحظ فيها لاهل الكفر فانها رحمة الاخرة لذا لايطلع عليها الخلق الا في الاخرة ولم يحصل لهم طمع في نوالها في الدنيا وانما سيطمعون فيها في الاخرة عندما يرونها تلك الرحمة هي التي نهانا الله ان ندعو بها للكافرين قال القرطبي (… قال بعض المفسرين : طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس ، فقال : أنا شيء ; فقال الله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون فقالت اليهود والنصارى : نحن متقون ; فقال الله تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الآية . فخرجت الآية عن العموم ، والحمد لله…) اما قولك (…قوله تعالى ” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.سورة الإسراءآية 24
    دليلا على جواز الترحم على غير المسلم. فالآية أمرت الأبناء على وجه العموم بالدعاء بالرحمة للوالدين ، ولم يقيدهما بالإسلام ، أو عدمه …) فلا معنى له والا لكان ابراهيم الخليل عليه السلام عاقا لابيه ازر ولكان الله تعالى امرا له بالعقوق لما نهاه عن الترحم له قال تعالى ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)فالترحم على الوالدين مشروط بان يكونا مؤمنين

    1. آية {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} نُسِخت بقول الله الفصل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. من أبجديات علوم الشريعة والفقه، الجمع بين كل النصوص من القرآن والسنة المتناولة للمسألة المبحوث عن حكم الله فيها، وإلا لكان، على سبيل المثال لا الحصر، الخمر حلالا للآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}

  3. الرحمة التي وسعت كل شيء هي رحمة الله العامة التي تشمل كل المخلوقات في الحياة الدنيا، تشمل الانسان كافرا ومسلما، وتشمل الحيوانات والنبات والحجر والماء الخ، والحديث الذي ساقه الكاتب يتكلم عن الرحمة في الدنيا. أما الرحمة يوم القيامة، فهي خاصة بمن آمن بالله إلها ومحمد رسولا، وهذا جلي واضح في الآية {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}. وفي نفس سورة الأعراف، يقول الله سبحانه في آية قبل آية (رحمتي وسعت كل شيء): {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، أي أن طيبات الحياة الدنيا هي للكل، للكافر وللمسلم، لكنها تكون خالصة وخاصة بالمؤمنين يوم القيامة.
    الترحم على الكافر والاستغفار له لا يجوز بنصوص قطعية من القرآن والسنة، ومنها الآيات التي سردها الكاتب وحرف معانيها كما يلو له.

  4. الرحمة العامة رحمة الدنيا وهي التي بينتها في الارقام 1 و 2 و 3 ويمكن ان يضاف اليها رابعا امهال الله للكافرين وعدم معاجلتهم في الدنيا بالمؤاخذة وهي كذلك تسخير الكون لهم كسائر الخلق واسباغه النعم الظاهرة والباطنة عليهم الخ…هذه فعلا رحمة عامة مجانية وهي على اهميتها لاتساوي عند الله جناح بعوضة . اما الرحمة الخاصة الرحمة العظمى التي احتفظ بها لنفسه ونسبتها 99 من 100رحمة فتلك لن يتعرف عليها الخلق الا في الاخرة وقد كتبها فقط لمن ذكروا في الاية وهم المؤمنون فلا يجوز الدعاء بها لغيرهم . اخيرا من الصحابة من قتل اباه الكافر او اذل اباه المنافق فهل هم عقوا اباءهم وخالفوا قوله تعالى وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ؟

اترك رداً على محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى