منوعات

“مي سكاف” و”شيرين أبو عاقلة” ونزيف في الدماغ!

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

قالت “مي”:
( لا أريد لولدي أن يحكمه حافظ بشار الأسد، سوريا إلنا وما لبيت الأسد).
قالت “شيرين”:
( اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، وليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم).

بين “مي”و”شيرين” مسيرة حياة، ونهاية تكاد تكون متقاربة لكلتا المرأتين:
“مي” امرأة دمشقية عاشت في حي من أحيائها القديمة غالبية أهله من المسلمين، ولم تشعر ذات يوم بأنها بعيدة عنهم بسبب ديانتها المسيحية فقد كانت سوريتهم هي الحاضنة لجميع المواطنين بعيداً عن أي انتماء آخر غير هويتهم السورية.
دخلت “مي” عالم المسرح والفن بعد ان أنهت دراستها الجامعية وهي تحمل شهادة البكالوريوس في الادب الفرنسي، لتعيش تجربة الفن الملتزم في المسرح وعالم الشاشة الصغيرة، فكانت مثالاً للفنانة التي حملت هموم قضية شعبها فكانت من أوائل المنتفضين على حكم الإستبداد، فتعرضت للإعتقال بتهمة الإرهاب مما دفعها للرحيل عن وطنها هاربة من زبانية النظام وجلاّديه برفقة ولدها الوحيد لتعيش في منفاها في “باريس” التي لم تخفف عنها معاناة التهجير القسري لتنتهي حياتها في هذه المدينة إثر نزيف في الدماغ.
ماتت”مي” وهي تقترب من سن الخمسين وحيدة بعد إن فارقت الزوج والوطن.

“شيرين” تركت دراستها الجامعية في كلية الهندسة لتتجه إلى عالم الصحافة والإعلام، ولتنال شهادة البكالوريوس في هذا التخصص، ولتكون بعدها من أوائل إعلاميي قناة “الجزيرة القطرية” ،فقد أمضت فيها معظم حياتها الإعلامية بما يزيد عن 25 عاماً أي ما يقارب نصف عمرها الذي انقضى باستشهادها بطلق ناري من بندقية قناص إسرائيلي استهدفها في مخيم جنين، لينهي حياة امرأة فلسطينية عاشت في “القدس” مسيحية الديانة بين أهلها المسلمين الذين لم تفرق بينهم الديانات بل جمعتهم الأرض والتاريخ والمصير المشترك.
لم تتزوج هذه المرأة وكأنها نذرت نفسها لعالم الإعلام والصحافة لتوصل صوت أبناء شعبه للعالم أجمع كما قالت ذات يوم.
بين “مي” و”شيرين” خطوط مشتركة وقصة حياة وموت متقاربة، فكلتا المرأتين تجسدان لنا حقيقة واحدة مفادها أن الأديان السماوية في بلادنا لم تكن يوماً عامل تفرقة وتنابذ، بل كانت على الدوام عامل تآخي ومحبة وتعايش مشترك وانتماء للوطن الواحد.
نزف دماغي أودى بحياة كلتا المرأتين:
“مي ” على إثر نزف دماغي تأثراً بما يمر به وطنها وشعبها وما يعانون من وطأة ظلم الحاكم المستبد وزبانيته . و”شيرين” بنزف دماغي على إثر طلق ناري من محتل غاصب لأرضها وشعبها.
تعددت الأسباب والموت واحد، والقاتل واحد، حتى ولو اتخذ شكلاً أو مسمى آخر.
رحم الله شهداء الوطن أينما قضوا وفي أي مكان ، وتحت أي مسمى، وعلى أي دين او مذهب كانوا عليه، فمن مات دون أرضه وعرضه ودينه فهو شهيد، والله أعلم بالنفوس وبالنيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى