تقارير

اليمن ومعوقات تحقيق السلام المنشود

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

في اليمن هناك أخبار سارة وأخرى غير سارة، الأخبار السارة هي الهدنة التي توافقت عليها أطراف الصراع المتحاربة، وبدأ سريانها منذ أول يوم من شهر رمضان 1443هـ وتستمر لمدة شهرين مع رفع جزئي للحصار، وهو ما يعني تخفيفا لمعاناة الشعب، وكون هذه الهدنة يصعب أن تصمد طويلا، فضلا عن أن تتطور إلى اتفاقية سلام وتسوية شاملة فتلك هى الأخبار غير السارة.. ففي اليمن ثمة أمران باتا محل شك الأمر الأول أن ينعم اليمنيون بالسلام بشكل دائم، والثاني أن يعود اليمن كما كان دولة واحدة، وعلى الأرجح سنجد أنفسنا في السنوات المقبلة أمام أكثر من يمن وليس يمن واحد.
المؤشرات الحالية تقول أن فرص تحقق السلام صعبة جدا، ببساطة كل الأطراف المتحاربة لم تحقق أهدافها بعد، ولم تفقد القدرة لتحقيق هذه الأهداف باستخدام القوة العسكرية.. هناك أكثر من حرب في اليمن، ولكننا نكتفي بالحديث عن الصراع الرئيسي بين الحوثي وأعدائه، وللتذكرة فإن قوات التحالف بقيادة السعودية حين شنت حربها على جماعة الحوثى في 26/ مارس/ 2015، كانت للعملية ثلاثة أهداف محددة ومعلنة؛ أولها هزيمة جماعة الحوثي وحلفائها، وثانيها إعادة الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وثالثها قطع الطريق على تمدد النفوذ الإيراني في اليمن والجزيرة العربية، وكان المتصور أن هذه الحرب ستكون سريعة وخاطفة، ولذلك سموها بعاصفة الحزم.. لكن هذه الحرب استغرقت أكثر من سبع سنوات، بل وازدادت قوة وشراسة بمرور الوقت، ولم تنجح قوات التحالف حتى هذه اللحظة فى تحقيق أهدافها المعلنة.. العلاقات بين إيران والحوثي صارت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل 2015، إيران هي الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة الحوثى في صنعاء وبينهما تبادل سفراء بدأ من 2019، الحرب تزداد شراسة وضراوة لأن كل طرف يسعى إلى حسم هذه الحرب لصالحه.. في 2021 تصور الحوثي أنه قد حسم الصراع على الأقل في اليمن الشمالية، ولكن تواجهه مجموعة من المشاكل أبرزها أن يجد مصادر للتمويل ومصادر للطاقة حتى تكون الحياة الاجتماعية مقبولة في المناطق التى تقع تحت سيطرته، ومصادر الطاقة توجد في ثلاث مناطق مأرب وشبوة وحضرموت، ففكر الحوثي في أن يبدأ بالسيطرة على مأرب وشبوة وينتزعهما من قوات الحكومة الشرعية، وبدأ هجوما على مأرب في فبراير/ 2021 ونجح في البداية في تحقيق بعض المكاسب، حينها أدركت قوات التحالف خطورة ما يجري وأن الحوثي لو تمكن من الاستيلاء على مأرب وشبوة، وتمكن من تأمين مصادر التمويل والطاقة فهذا يعني أنه قد حسم الحرب، وهنا كثفت قوات التحالف من مواجهة الحوثي وأعادت ترتيب صفوفها وألحقت به خسائر في أواخر ديسمبر/ 2021 ويناير /2022.

“الحوثي ينقل المعركة إلى أرض العدو”.
مع الهجمات المكثفة على الحوثي، قرر أن يخفف من حدة الهجوم عليه، بنقل الحرب إلى خارج اليمن فكثف من هجماته الصاروخية وعبر المسيرات داخل العمق السعودي والإماراتي، لبعث رسالة واضحة مفادها: إذا كنا لا نستطيع ان نوقف هجماتكم، ونرفع الحصار الذي فرضتموه علينا، فإننا نستطيع أن نجعل ثمن ذلك مكلفاً جدا لكم، وقد نجح الحوثي في استراتيجيته.. وفي هذا الإطار فكرتا السعودية والإمارات في اتباع نهج جديد، وشرعت في تنفيذه من خلال عقد مؤتمر مشاورات الرياض والذي بدأ في أخر مارس واستمر لأيام في أبريل من هذا العام، ودعت السعودية كل الأطراف المتحاربة للحضور إلى المؤتمر في الرياض، فحضر الجميع باستثناء جماعة الحوثي التي رفضت الاعتراف مسبقا بمخرجات هذا المؤتمر، واعتبرت المشاركين مجموعة من المرتزقة الخاضعين لاملاءات السعودية والإمارات.. وفي هذا المؤتمر قرر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتنازل عن كل صلاحياته، كما قرر إعفاء نائبه الجنرال علي محسن الأحمر من منصبه وتخلى عن صلاحياتة إلى مجلس رئاسي مكون من ثماني أشخاص، هذا المجلس عُهِد إليه بإدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية لم تُحدَد مدتها، كما عهد للمجلس بالتعامل مع جماعة الحوثي إما بالتفاوض والوصول لتسوية شاملة، وإما بالمواجهة العسكرية.

“هل يمكن أن تؤدي التغيرات الأخيرة إلى تحقق السلام مع الحوثي؟”.
في تقديري أن الأقرب إلى ما يمكن أن يحدث- وأتمنى أن أكون مخطئا- أن هذه التطورات الأخيرة سوف تؤدي إلى تجدد المواجهات لسبب بسيط وهو أن المفاوضات تنجح حين تكون المتناقضات ثانوية، وحين يكون هناك أمور يمكن التفاوض عليها ويقدم كل طرف نوعا من التنازلات، في حين تفشل المفاوضات بل لا تبدأ أصلا إذا كانت المتناقضات جوهرية وكبيرة.. الموقف الآن نحن أمام معادلة صفرية الحل فيها أحد أمرين: اما أن تتنازل قوات التحالف، أو يتنازل الحوثي وهذا أمر مستبعد، خاصة وأن كلا الطرفين لدية فائض قوة على مواصلة القتال، وبالتالي فالسيناريوهات الأقرب للتحقق، مواصلة القتال وليس تحقيق السلام في المدى المنظور.
السيناريو الكارثي: اليمن فعليا عرضة للتفتت وأي بلد تتفكك تشهد مزيدا من حدة الصراع، وعلى أرض الواقع نحن الآن لسنا أمام يمن جنوبي وشمالي فحسب، بل أمام أكثر من يمن بالفعل.. نحن أمام سلطات متعددة كل سلطة تتحكم في منطقة، والقاسم المشترك لهذه القوى هو عداؤهم للحوثي، وما أن تنتهي الحرب معه أو حتي يتم التسليم بوجود الحوثي بالمناطق التي يسيطر عليها، سوف تشتعل الحروب بين هذه القوى المتصارعة والتي يرغب كل منها في السيطرة على المنطقة التي يحكمها، ومع تعدد السلطات يضعف شعور اليمنيين بالدولة المركزية، عدة أمثلة لواقع اليمن:
1- ساحل البحر الأحمر ومدنه تحت سيطرة قوات طارق صالح المدعوم من الإمارات والسعودية.
2- مدن جنوب عدن وجزيرة سقطرة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي.
3- شمال عدن تحت سيطرة قبائل العمالقة المدعومة من الإمارات.
4- مأرب تسيطر عليها قوات حزب الإصلاح بشكل رئيسي.
5- حضر موت مقسمة ما بين قوات النخبة الحضرمية على الساحل المدعومة من الإمارات وبين قوات حزب الإصلاح التي تسيطر على الداخل والمكروهة من الإمارات ما يعني أن فرص الصراع بينهما قائمة.
6- منطقة المهرة بعضها يخضع للنفوذ السعودي، وبعضها يخضع لنفوذ سلطنة عمان التي تعتبرها منطقة نفوذ تقليدية لها، وتشعر بالقلق من وجود قوات سعودية كثيفة في هذه المنطقة، علما أن المنطقة تعد استراتيجية للسعودية لأنها يمكن أن تكون ممراً لأنابيب البترول والغاز لاحقا بعيدا عن الخليج العربي وبعيدا عن النفوذ الإيراني والإضرابات الموجودة في مضيق هرمز.

الخلاصة؛ أننا أمام يمن تتفكك بالفعل، وكلما طال أمد الصراع كلما زاد تفككك اليمن، ليس إلى يمن شمالي ويمن جنوبي فحسب، ولكن إلى أكثر من يمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى