مقالات

الغربة في الوطن وخارجه!

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

ينسب إلى الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه. قال :
( ما ترك لك الحق صاحبًا ياعمر ) كما أذكر قولا لأحدهم عن الحق بقوله :
( الحق وعر ، أو طريق الحق وعر ) وما سوف يخطه يراعي في هذه الكلمة سوف لا تعجب الكثيرين ، كما لم يعجبهم ما كتبته في كتب ذكرياتي التي نشرت منذ أشهر ، وهذه هي مشكلتي في حياتي التي امتدت لاكثر من تسعين عامًا ، قضيت منها الثمانين في دمشق الشام ، التي حرمتها بسبب سلوكي في الجهر بالحق والدفاع عنه منذ نعومة أظفاري ، لابل كنت في معشوقتي
دمشق الشام محاصرًا ، ليس فقط من عصابة ، من كان يحكم عاصمة العالم التاريخية ، دمشق ، الحضارة والذوق والجمال ، بل ومن العديد من معارفي الذين كانوا يخشون دخول مكتبي، أو منزلي للزيارة إو العمل ، ولذلك استميح من سوف يستاؤون من كلامي ، عذرًا لصراحتي التي لازمتني طيلة حياتي .


بعد أن أسسنا جمعية حقوق الإنسان في سورية ، واستضفتها في مكتبي بأن أضحى مكتبي مقر الجمعية ، التي ضمت في عضويتها جميع مكونات شعبنا في سورية ، وتحملت في سبيل ذلك مصاعب في مواجهة السلطة ومصاعب مالية ، نتجت عن الملاحقات الأمنية والحصار الذي كانت تضربه فروع الأجهزة السرية من حين لآخر لتلقي الرعب في قلوب من يدخل مكتبي
حتى أنني اضطررت في مرحلة ما إلى بيع بعض الكتب الهامة من مكتبتي وهذا أمر لا يعرفه إلا القليل من أصدقائي المقربين ، ومن الحصار الذي كان يمارسه
مواطنون سوريون خوفا من ( عين الرقيب) أن زوجة أحد العاملين في الجمعية حذرت زوجها من الاقتراب مني على اعتبار ( أن مكتبي محرقة ) وقد نقل لي ذلك
الزوج الذي تم تحذيره ، وبعد قيام الثورة المباركة وقبل مغادرتي سورية ، ذهبت بزيارة لأحد معارفي من المشايخ ووجدت عنده بعض زملائه ، وما ان اتخدت مكان مقعدي حتى بدأ يسألني عن الطريق التي سلكتها وكان باديًا عليه الخوف !.


قبل مغادرتي، دعوت أهل زوجتي لإشغال داري التي أسكنها فيما يعرف ( قرى الأسد ) خوفا على أشيائي وأهمها كتبي التي أعتز بها ، وفعلا حضروا إلى الدار ولم يمر على وجودهم شهر حتى جاءتهم ثلاث سيارات ، من المخابرات وأخافوهم حتى تركوا المسكن وتسبب وجودهم بفصل أحد أشقاء زوجتي من عمله وكذلك صهرهم .
أقمت في اسطنبول ثلاث سنين ، وكان يسكن في البناء الذي أسكن فيه سوريون وكان بعضهم يخشى أن يطرق باب الدار التي أسكنها خوفًا من أن يصل الخبر إلى
القابضين على سلطة الأشرار في دمشق الشام ، ولقد تم حصاري خارج سورية من قبل من تصدر واجهة العمل السياسي ،، ولا أريد إن أتحدث في هذا الموضوع ، ولكن
ما دفعني للكتابة في مأساة غربتي بعيدًا عن مدينتي دمشق ، هو خبر سمعته من صديق بعمر أولادي ، ولا أريد ذكر اسمه ، وقد قال لي التالي :
،،تذكر يا أستاذ هيثم حين كنت منذ فترة تكلمني على الهاتف ، وكان بالصدفة لدينا ضيوف من أجل خطبة ابنتي ، فلانه ، وعندما سمع والد الخاطب صوتك
تتحدث معي على المكبر عرفك وسألني ، هل هذا صوت الاستاذ هيثم المالح؟
فأجبته بالإيجاب ، فما كان منه إلا أن أنهى زيارته على أثر هذا الإتصال ، وألغى فكرة الخطبة لإبنه ، وغادر منزلنا !
في دمشق تزوجت شقيقة زوجتي بعد مغادرتنا سورية مع بداية الثورة ، وحين علم الزوج من أنني زوج شقيقة زوجته ، نطق أمام أهلها بكل صراحة ( لوكنت أعرف ذلك لما أقدمت على الزواج من ابنتكم .)
مع هذا المشهد الذي ذكرته ، كان الشيخ الفاضل ، كريم راجح ، شيخ القراء هو الوحيد الذي كان يشرفني بزيارته بين الفينة والأخرى ، ولقد زرته قبل مغادرتي
سورية مع بدء الثوره ، وحين استاذنته للمغادرة حفظه الله ، خاطب زوجتي قائلا لها: ( لا تتركيه يسير وحيدًا ) وقد فعلت بكامل الحرص وحتى الآن .
وأما أنا فأتمثل قول الله عز من قائل ( فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين )
وأتوجه إلى الله عزوجل لأسأله :

اللهم اهد قومي فأنهم لا يعلمون .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما يكتبه الأستاذ الكبير (هيثم المالح) فرصة طيبة لأن نتعلم منه ، فبارك الله فيه و جزاه خير الجزاء .
    تعقيبي المتواضع : حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ((الصحيح)) الذي أخرجه أحمد والترمذي (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) فهذا القول ” من الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ” فيه إعلان للأمة أنه في حال حصول فساد لأهل الشام بالذات فالنتيجة ستكون زوال الخيرية من مجموع الأمة و هذا مشاهد محسوس في أيامنا هذه .
    سار شرار الخلق “الحاقدون على أمتنا و دينها ” في حملة محمومة لإفساد أهل الشام مدة قرنين من الزمان و ازدادت شراسة الحملة منذ 8 آذار /مارس 1963 المشئوم عندما سيطر الاستعمار الفرعوني على سوريا و جعل التحكم فيها لطائفة أقلية أعطاها الصلاحية المفتوحة لإرهاب الشعب بنفسها و من خلال أدوات رخيصة لها ” من كافة الطوائف ” و سادت في البلاد القبضة الوحشية لأجهزة المخابرات المتعددة . كان مقصوداً – طيلة الوقت – نشر أجواء من الخوف و الهمَ و الغمَ و العجز و القهر و النكد و إفقار الناس و إذلالهم ثم إن العصابة المتحكمة شنَت على ثورة الشعب بعد 2011 حرباً همجية زادت خلالها العيار تقتيلاً و تدميراً و تخريباً و نهب ثروات و مقدَرات و تهجيراً و إفراغاً من الأغلبية السكانية المسلمة وسط تواطؤ دولي و إقليمي و كيد و مكر رهيب سمح بدخول قوات المرتزقة الأجانب لسورية .
    ما كان ابن سوريا غريباً قبل ستينات القرن الماضي ، فصار في بلده و بلاد الآخرين غريباً أو عابر سبيل حوالي 60 عاماً . غربة المؤمن في هذه الدنيا تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على شرع الله ، حتى وإن فسد الناس ، أو حادوا عن طريق الحقَ ، فصاحب الاستقامة له هدف نبيل يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة. مما يساعد على تجاوز محنة الغربة و بأساءها ، ذلك الدعاء الذي كان يكثر منه رسول الله صلى الله عليه و سلَم ليلاً و نهاراً (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ) . حقيقة الأمر أن الاستعاذة من هذه الشياطين الثمانية و من بينها ” الْجُبْن ” سيجلب الخير للداعي عند المداومة عليها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى