هندسة الإنسان المقهور
قد يكون أفضل تكثيف لأس نهج عمل الرأسمالية مقول مؤسس علم الاقتصاد السياسي آدم سميث الذي فحواه أن جل عمل منظومة الرأسمالية يهدف إلى خدمة من سماهم حرفياً «المهندسين الأساسيين» للاقتصاد والسياسة والمجتمع، وهو ما عنى بهم الأقوياء الأثرياء المتنفذين على حساب بحر المفقرين المستضعفين الذين لا بد من إقناعهم لاستبطان نظرية «النضح الاقتصادي للأسفل» التلفيقية، والتي ترسم صورة لفيضان من الثروة في خوابي من هم في قمة الهرم الاقتصادي والاجتماعي لتسيل الثروة نظرياً بعد تخمة تلك الخوابي متقاطرة من الأعلى إلى الأسفل، وتؤدي بالتالي إلى تحسين المستوى الاقتصادي لأولئك القابعين في قمة الهرم الاقتصادي.
وفي الواقع فإن الرأسمالية تكرس حيزاً كبيراً من كل سطوتها وقدراتها التفاعلية في المجتمع لتوطيد استبطان «جماهير المظلومين» لتخرصات المقولة السابقة والتسليم بصحتها كما لو أنها من بديهيات الحياة الدنيا، وذلك لرهاب لا يبارح في خلد كل المنتسبين إلى فئة «المهندسين الأساسيين» للاقتصاد والسياسة والمجتمع من مقولة محورية لرائد فلسفة التنوير في أوروبا ديفيد هيوم مفادها أن «السلطة في يد المحكومين وليس الحاكمين»، وإن توقفوا عن رفض هيمنة فئة ما عليهم، فتلك تعني نهاية منظومة الهيمنة والفئة التي ما برحت تنتفع من مفاعيل تلك الهيمنة. وهو ما يعني عملياً تكريس رهط كبير من جهود الرأسمالية لمحاولة ترويض وتدجين عديد من تتغول الفئات المتحكمة بمصادر السلطة و الثروة على حيواتهم، وهي الجهود التي يتم تمظهرها عبر أدوات صناعة الدعاية السوداء «البروباغندا»، وما تنتجه من «صناعة للتخويف والرعب المقيم» من ذلك الذي كان سوف يأتي من «الاتحاد السوفيتي» في حقبة الحرب الباردة، وأصبح بعد ذلك متلبساً بلبوس «البعبع الإرهابي» المنفلت من قمقمه في مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين، أو غيرها من الإصدارات التخويفية على شاكلة «الصواريخ التخيلية العابرة للقارات» التي سوف ينال بها «العراق الجريح المكلوم وشعبه المعذب» من العاصمة لندن في دقائق بحسب أكاذيب الأفاق رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إبان تهشيم العراق الكلياني في العام 2003. وهي حالة الخوف المقيم التي لا مخرج منها بحسب «الرؤى الإخراجية الإيهامية» لصناع الدعاية السوداء إلا باستقالة واستسلام الكل الجمعي أفراد ومنظمات مجتمع مدني إلى «إرادة وعزم المخلصين المنتظرين» الذين لا تخلو جعبة الفئات المهيمنة من الكثير منهم، بعد أن يتم تصنيعهم إعلامياً بقوة وأدوات الدعاية السوداء بهدف توطين وتشريب مسلمة تلفيقية في شرايين و أوردة المجتمع المعرفية عنوانها العريض بأنه ليس سوى أولئك «المصطفين» من مخلصين منقذين من ذلك الهول والرعب، والذي يتلطى في كل ركن وزاوية وينتظر الإطباق على كل حيوات البشر التي يستطيع الوصول إليها. وهو ما يعني من الناحية العملية التراجع عن كل ما يرتبط بحقوق الإنسان الأساسية والحريات المدنية والمكتسبات الاجتماعية في أي مجتمع يعتمل ذلك النموذج من التفاعل الأخير في بنيانه، إذ ليس هناك صوت يعلو فوق صوت حفظ النوع والبقاء على قيد الحياة المهددة سرمدياً بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ولتوطيد مفاعيل صناعة «التخويف والرعب المقيم» عبر تعزيز وتوطيد استقالة وتسليم المحكومين مفاتيح مصائرهم «للمهندسين الأساسيين للاقتصاد والمجتمع» لا بد من استنباط نماذج تعزز ذلك التوازن وتضمن عدم إقلاقه أو التأسيس لاحتمالات الانقلاب عليه ممن قد تسول لهم نفسهم «الأمارة بسوء الانعتاق» التفكر في ذلك حتى لو في لا وعيهم؛ ومن أهم تلك النماذج قد يكون «صناعة المشاهير»، والتي تنطوي في طياتها على رسالة إحباطية مدروسة بعناية مفادها «القبول والتسليم بعجز المقهورين المستضعفين، إذ أن هناك تفارقاً بنيوياً وعضوياً بين قدرات البشر يجعل بعضهم خارقين لما هو اعتيادي، ولا يمكن مجاراة مهاراتهم، ويجعل بعضهم اعتياديين لا خيار لهم سوى بالاستسلام والخنوع والقبول بكل ما يمنحه أولئك الأقوياء لهم إذ أنهم غير قادرين على سوى ذلك». وهي رسالة تلفيقية مهولة في «خبثها الإيهامي» الذي يعمد إلى تخليق حقائق زائفة في وجدان وآلية وعي الفرد بوجوده وعلاقته بمحيطه الاجتماعي والحيوي من حوله.
ويصب في نسق الآليات الإحباطية السالفة الذكر أيضاً صناعة «الإلهاء والفرجة الرياضية» التي تهدف إلى إشاحة بصر المستضعفين عن أس معاناتهم في حيواتهم المعاشة يومياً، و«تفريغ» طاقاتهم البيولوجية الفطرية التي يتحلى بها كل بنو البشر، و المبرمجة عضوياً في أدمغتهم للاتكاء عليها في نسق «التفكير والتحليل والمنطقة والاستنتاج»، و هو ما يتم استبداله باستخدامها في الاشتباك مع معلومات «هامشية» من قبيل أسماء اللاعبين وقدراتهم وفرقهم ومواعيد مبارياتهم وأسباب ربحهم أو خسارتهم في هذه المنازلة أو تلك، وهو ما يعني عملياً عدم استخدام تلك الطاقات في أكثر ما يخشاه «المهندسون الأساسيون للاقتصاد والسياسة والمجتمع» ممثلاً في «التفكير الممنهج، والحشد، والتنظيم الاجتماعي» الذي لا يرى أولئك «المهندسون» خطراً أعظم منه يهدد استقرار هيمنتهم واستئسادهم بمصادر الثروة والسلطة ومفاعيلها في المجتمعات التي يتغولون عليها.
- اللوحة للفنان العالمي أسعد فرزات
طَبِيعَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا – كما خلقها الله سبحانه و تعالى – أنَها لا بُدَّ لِلإِنسَانِ فيها مِن شَيءٍ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ وَالكَدَرِ وَالقَهرِ و “أهمَ” أسباب هذه المنغصات هو وجود شرار الخلق أو شياطين الإنس و الجن الذين يحضَون عباد الله على التَفرِيط في العَبَادَاتِ ، وَالتَقصِير في الطَّاعَاتِ ، وَالتَوَرُّطٌ في المُخَالَفَاتِ ، وَإضاعة الوقت في التُّرَّهَاتِ ، وَشَغلُ الأَوقَاتٍ بَالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، وَالتَقَاعُسٌ عَنِ السَّعيِ فِيمَا يَنفَعُ ، وَاعتِمَاد عَلَى الآخَرِينَ ، بَل وَإِسَاءَة إِلَيهِم وَظُلمهم وَعَدَمُ الإِحسَان للمحتاجين ، وَالشُح وَالبُخل وَمَنع الحُقُوق وَالبُهتَان . يضاف إلى ذلك ما تفضلت بقوله ، يا دكتور مصعب حفظك الله ، أي ((هندسة الإنسان المقهور)) .
تفكَرت بعبارتك مليَاً ، وقمت بعرضها على حياتي و حياة من عرفتهم منذ أن وعيت على الدنيا في خمسينات القرن الماضي و حتى اليوم فوجدت صواب ما قلت من حيث أن هندسة القهر للإنسان يوجد وراءها من هندسوها بسياسة خبيثة و بأساليب دنيئة و باستمرارية حاقدة لا كلل فيها و لا ملل .
حتى يدافع العبد عن نفسه لا بدَ له من الإِيمَانِ بِاللهِ وَدُعَاءٍ صَادِقٍ يَستَعِينُ بِهِ رَبَّهُ وَمَالِكَ فؤاده وَأَسبَابٍ حِسِّيَّةٍ يَتَنَاوَلُهَا تَنَاوُلَ الدَّوَاءِ، مُتَّكِلاً عَلَى اللهِ مُعتَصِمًا بِهِ . متى قام بذلك سيرى بعين اليقين أنه قد استَقَرَّت نَفسُهُ وَاطمَأَنَّ قَلبُهُ ، وَسَكَنَت رُوحُهُ ، وَأَحَسَّ بِرَاحَةٍ وَطمأنينة لذلك قيل و هو قول حق (( يقيني بالله يقيني)) . أما الدعاء ، فهو كان ذلك الذي يكثر منه رسول الله المعصوم صلى الله عليه و سلَم ليلاً و نهاراً (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ). ماذا يمنع أحدنا أن يقول هذا الدعاء مرَة واحدة في الليل و مرَة واحدة في النهار على الأقل و هو لا يستغرق سوى ثواني ؟ يا إخوتي القراء ، جرَبوا ذلك و لن تندموا فالدعاء سلاح المؤمن و هو سلاح في منتهى المضاء لدى من عنده بعض معرفة بطرق الله العجيبة .