مقالات

مابين أهل البيان وأهل الدِّنان ؟

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

إلى من تقمصوا شخصية “مفسر القرآن” وارتدوا قميصاً أكبر من مقاسهم بأشواط، مستغلين جهل العامة من الناس ليدسوا سمومهم المغلفة تارة بغلاف الإعجاز اللغوي، وتارة بغلاف الإعجاز البياني، وطوراً بغلاف الإعجاز العلمي، أقول: – إن من ضوابط التفسير الصحيح عند العلماء أن يفسَّر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة المسندة الصحيحة، ثم بأقوال الصحابة، مع الابتعاد عن الآثار الضعيفة، والموضوعة، والإسرائيليات، ثم بما نُقل عن التابعين، وخاصة مدرسة ابن عباس(حبر الأمة وترجمان القرآن)، ولا بد للمفسر من معرفة اللغة العربية، وقواعدها، وآدابها (النحو، والصرف، والاشتقاق، والبلاغة)قال مجاهد(وهو إمام وفقيه وعالم بالحديث ومن تلاميذ ابن عباس) : “لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالمًا بلغة العرب.” والعلم بلغة العرب لا يقتصر على النطق السليم والإلمام بقواعد النحو وضبط أواخر الكلمات، بل يجب أن يشمل مجموع علوم اللسان العربي، وهي: متن اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، وإدراك استعمال العرب للمتبع من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وتراكيب بُلغائهم. وقد قال مالك (الإمام والفقيه والمحدّث) في هذا السياق : “لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب، يفسر كتاب الله، إلا جعلته نكالًا.”وأضف إلى أنه لا بد للمفسر من معرفة أصول الفقه، ليميز بين النص، والظاهر، والمجمل والمبين، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، والناسخ والمنسوخ. كما لا بد له أيضًا من معرفة أسباب النزول، والفرق بين المكي والمدني، فإن معرفة سبب النزول، يعين على فهم الآية، و العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب…كما لا يمكن استغناء المفسر عن النباهة والفهم الدقيق، والملَكة الطبيعية، التي تؤهله لفهم كلام اللهيقول الطاهر بن عاشور في مقدمة التحرير والتنوير: “… واستمداد علم التفسير للمفسر العربي، والمولد، من المجموع الملتئم من علم العربية، وعلم الآثار، ومن أخبار العرب، وأصول الفقه، وعلم القراءات” إذاً لا يسمّى المفسر مفسرًا ويُعتد بتأويله إن لم تتوفر فيه كل تلك الضوابط والمزايا.هل وصلت الفكرة للسيد كيالي.؟ والكلام موصول أيضاً لجوقة ((المجددين)) الذين يدورون في ذات الفلَك.أم حسبتم أن الدعم الإعلامي المشبوه وفتح المنابر المسيّسة لترويج هرطقات الرويبضة يمكن أن يغني “مفسريكم المعيّنين” عن كل تلك الشروط والضوابط فيخرجوا علينا بزندقتهم المتجددة ليستهدفوا جلّ ما جاء في كتب العلماء الربانيين وما توصلوا إليه من علم ومعرفة وبيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى