مقالات

أولى ذرائع أمريكا لمعاقبة السَّعوديَّة: فتْح ملفَّات 11 سبتمبر!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


تزداد العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة توتُّرًا، برغم متانتها وعمقها التَّاريخي؛ وتظهر خلافات جديدة بين الحين والآخر تنذر بمواجهة حاسمة، قد يفقد الجانب الأضعف فيها جانبًا من قدرته على الصُّمود والاحتفاظ بمكانته السَّابقة. كما هو معروف، صرَّح الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، خلال حملته الانتخابيَّة أواخر عام 2020م بأنَّه سيجعل من المملكة العربيَّة السَّعوديَّة “جزيرة منبوذة”، وكان ملف انتهاكات نظامها الحاكم، بقيادة وليِّ العهد السَّعودي، الأمير محمَّد بن سلمان، لحقوق الإنسان، لا سيِّما حادث مقتل الصُّحافي السَّعودي جمال خاشقجي الَّذي يمثِّل قمْع السَّعوديَّة لحريَّة الرَّأي، هو الذَّريعة الأكبر حينها في انتقاد المملكة النَّفطيَّة. وبعد أزمة النَّفط العالميَّة الَّتي خلَّفتها الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة منذ أواخر فبراير الماضي، ورفْض وليِّ العهد السَّعودي الشَّاب طلْب بايدن زيادة إنتاج النَّفط لتخفيض أسعار البرميل، ولجوء ابن سلمان إلى المعسكر الشَّرقي، بتحالفه مع روسيا والصِّين بما يضرُّ بالمصالح الأمريكيَّة، وصلت العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة إلى “شفير الانهيار”، كما يشير مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة قبل أيَّام، ولم يعد من الممكن رأْب الصَّدع، وإن تدخُّل وسطاء، على رأسهم رئيس الوزراء البريطاني وسياسيون إسرائيليون، لتقريب وجهات النَّظر بين الطَّرفين.
إعادة الحديث عن دور السَّعوديَّة في هجمات 11 سبتمبر
ممَّا لا يدع مجالًا للشَّك في نيَّة الرَّئيس الأمريكي المسنِّ الاستجابة للأصوات الَّتي تنادي بتأديب السَّعوديَّة على تحدِّيها الإرادة الأمريكيَّة، إعادة فتْح ملفِّ هجمات 11 سبتمبر 2001م المدوِّية والحديث عن تورُّط المملكة في تدبيرها، في محالة ابتزازيَّة للاستيلاء على الأصول الماليَّة السَّعوديَّة في الولايات المتَّحدة، الَّتي تُقدَّر بـ 800 مليار دولار. مرَّر الكونغرس الأمريكي في سبتمبر 2016م، أي قُبيل مغادرة إدارة باراك أوباما، الَّتي شغل فيها بايدن منصب نائب الرَّئيس، قانون يحمل الاسم المختصر جاستا (JASTA)، أو العدالة ضدَّ رعاة الإرهاب، وهو قانون يسمح لعائلا ضحايا الهجمات بالمطالبة بتعويضات كبيرة قد تتجاوز قيمة الأصول السَّعوديَّة في الولايات المتَّحدة، برغم أنَّ القانون لم يصدر خصيصًّا لضحايا هجمات 11 سبتمبر، كما أنَّه لم يشر إلى المملكة بالاسم باعتبارها متورِّطة في الهجمات بالتَّمويل أو بالتَّستُّر على المتَّهمين بتنفيذ الهجمات. وتكمن مشكلة السَّعوديَّة في أنَّ غالبيَّتهم المتَّهمين بتنفيذ الهجمات كانوا من السَّعوديين (15 سعوديًّا من 19 متَّهمًا)، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الجهادي المسلَّح. وفي خضمِّ الخلافات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة، نشرت قناة CBS News الإخباريَّة الأمريكيَّة في 27 أبريل الماضي تقريرًا يشير إلى امتلاك وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة معلومات تشير إلى تورِّط مسؤولين سعوديين في دعْم منفِّذي هجمات 11 سبتمبر، وهي عبارة عن مقطع مصوَّر يعود لشهر فبراير من عام 2000م، التُقط لعميل المخابرات السَّعودي عمر بيومي، برفقة مهاجمين سعوديين قادا طائرة اصطدمت بالبنتاغون خلال هجمات سبتمبر، ما يثير تساؤلات عن إمكانيَّة تورُّط النِّظام الحاكم في المملكة النَّفطيَّة في تمويل الهجمات.
السَّعوديَّة تحتاط تحسُّبًا للغدر الأمريكي
ما إن وردت أقاويل عام 2016م عن نيَّة الكونغرس الأمريكي طرْح قانون جاستا آنف الذِّكر للتَّصويت، أعلنت المملكة العربيَّة السَّعوديَّة استعدادها حينها لبيع أصولها في الولايات المتَّحدة، والَّتي بلغت قيمتها حينها 750 مليار دولار. فبحسب ما نشر موقع نيويورك تايمز الأمريكي في 15 أبريل 2016م، هدَّد عادل الجبير، وزير الخارجيَّة السَّعودي حينها، الإدارة الأمريكيَّة ببيع أصول المملكة، في حال استُغلَّ قانون جاستا في ابتزاز المملكة. وبحسب ما ذكر الموقع، الَّذي كان له السَّبق في نشْر ذلك التَّهديد، فإنَّ إدارة أوباما حاولت استغلال سلطتها لمنْع تمرير القانون لسنوات، لكنَّ الكونغرس أقرَّه في النِّهاية، قُبيل رحيل أوباما وإدارته؛ ما أعفى الرَّئيس الأمريكي الأسبق من الحرج في تعامله مع آل سعود، أكبر حلفاء أمريكا في منطقة الشَّرق الأوسط حتَّى مجيء بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021م. وتعليقًا على ذلك التَّهديد، شكَّك جيمس بي. سميث، وسفير أمريكا الأسبق لدى السَّعوديَّة، في تصريح لشبكة CNBC الإخباريَّة الأمريكيَّة، في قدرة المملكة على فعْل ذلك؛ لأنَّ اقتصادها القائم على بيع النَّفط يعتمد على الدُّولار الأمريكي.
يجدر التَّذكير بأنَّ دار النَّشر السَّعوديَّة، العبيكان، أصدرت عام 2016م، تزامنًا مع تمرير الكونغرس قانون جاستا، ترجمة عربيَّة لكتاب Extreme Prejudice: The Terrifying Story of the Patriot Act and the Cover Ups of 9/11 and Iraq، الصَّادر عام 2010م، تحت عنوان عندما تُصبح الحقيقة خيانة، وهو من تأليف الأمريكيَّة سوزان لينداور، وهي ضابطة اتصال أمريكيَّة سابقة لدى وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة. تروي لينداور في كتابها شهادتها على هجمات 11 سبتمبر، وتجربتها في الاعتقال بسبب إصرار على كشف حقيقة تورُّط الموساد الإسرائيلي في الهجمات، ووجود معرفة مسبقة للمخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة بحدوث الهجمات، مؤكِّدة أنَّ انهيار برجي مركز التِّجارة العالمي كانت نتيجة تفجير داخلي، وليس اصطدام طائرة مفخَّخة بالبرجين.
انهيار حتمي للعلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة
يبدو أنَّ الأحداث المتلاحقة الَّتي تمرُّ بها العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة ستفضي إلى انهيار مدوٍّ، بعد تحالُف طويل الأمد، بدأ قُبيل انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية عام 1945م، وأثمر عن تعاوُن اقتصادي وتنسيق أمني وتحالُف استراتيجي عالي المستوى بين البلدين. فقد نشَر موقع The National Interest الأمريكي في 27 أبريل الماضي مقالًا تحت عنوان ” America’s Relationship with Saudi Arabia Will Never Be the Same”، أو علاقة أمريكا بالسَّعوديَّة لن تعود كما كانت، يعدِّد المكاسب الَّتي نالتها السَّعوديَّة بفضل تحالُفها مع أمريكا، دون إلقاء اللوم على إدارة بايدن في تهديد المملكة بملفي انتهاك حقوق الإنسان ثمَّ التَّورُّط في هجمات 11 سبتمبر، أو تقاعسها عن حماية المنشآت الحيويَّة السَّعوديَّة في مواجهة الهجمات الحوثيَّة. ويبرِّر كاتب المقال لإدارة بايدن التَّركيز على المصالح الأمريكيَّة باتِّجاه المملكة إلى الصِّين وروسيا بوصفهما حليفها وشريكيها الجديدين في شتَّى المجالات، برغم توتُّر علاقة الولايات المتَّحدة بهما، وبخاصَّة بعد اندلاع الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة الَّتي قد تتطوَّر إلى حرب عالميَّة يكون فيها الصِّين وروسيا قطبي المعسكر المعادي للولايات المتَّحدة وحلفائها من أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو). ومن المثير للانتباه أنَّ نشْر مقال The National Interest تزامَن مع نشْر صحيفة Washington Post الأمريكيَّة مقالًا تحت عنوان ” The U.S. and Saudi Arabia Can’t Remain at Odds Forever”، أو لا يمكن أن تبقى الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة على خلاف دائم، ينصح فيه الكاتب الرَّئيس الأمريكي بمحاولة تلافي أسباب الغضب السَّعودي منه، مطالبًا إيَّاه بمدِّ العون للمملكة في مواجهة الجهات الحوثيَّة، على أن تستجيب المملكة في مقابل ذلك للرَّغبة الأمريكيَّة في زيادة إنتاج النَّفط، معتبرًا أنَّ “في نهاية الحسابات، لا بديل حقيق للعلاقات السَّعوديَّة-الأمريكيَّة”.
ونتساءل: هل فتْح ملفِّ اتِّهام السَّعوديَّة بالتَّورُّط في هجمات سبتمبر الشَّهيرة بعد أكثر من 20 عامًا هدفه ابتزاز المملكة للرُّضوخ للأوامر الأمريكيَّة والتَّراجع عن تحالفها مع الصِّين وروسيا، أم للاستيلاء على أصول المملكة في الولايات المتَّحدة بزعم تعويض أُسر الضَّحايا بعد كلِّ تلك الفترة؟ وكيف سيؤثِّر غياب الدَّعم الأمريكي على مستقبل حُكم السَّعوديَّة عند إعلان انتقال الحُكم إلى وليِّ العهد الشَّاب، الَّذي يتحدَّى إرادة الولايات المتَّحدة ويحالف أعداءها؟ وهل تنجح محاولة المملكة الخليجيَّة في حماية أصولها في الولايات المتَّحدة ببيعها، كما سبق وأن هدَّدت قبل سنوات؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى