بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 30 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً }الأحزاب61: اللعن: الطرد والسب والشتم والضرب والإيذاء, فيخرجون من المدينة مطرودين شر طردة, وبأسوأ طريقة, وأبشع حالة, وكل من يراهم يلعنهم ويتعوذ منهم.

وملعونين: جاءت هنا بالمصدرية: حدث بلا زمن, وبلا قيد, فالكل يلعنهم, الله والملائكة والناس, والسماوات والأرض, والحجر والشجر, والبر والبحر, وكل شيء..

       ففي المرة الأولى قال: لعنهم الله, وهذه لعنة خاصة, مفصلة, مرسلة من عند الله القوي العزيز, وما أدراك ما لعنة الله.

       وفي الثانية: لعنة عامة من كل شيء خلقه الله, فهم ملعونين مرتين, لعنة خاصة, ولعنة عامة, لعنة فعلية حدثية متجددة مضطردة متجددة, ولعنة اسمية, ثابتة مستقرة, دائمة ملازمة لهم, أينما حلوا, وحيثما ارتحلوا, وكيفما كانوا..

 (أَيْنَمَا ثُقِفُوا), الثقف: رأس الإبرة, أو ثقبها, فبعد طردهم من المدينة, وبعد انتهاء المهلة المحددة لهم, يحرم عليهم البقاء فيها, أو دخولها ثانية أبداً, لا سراً ولا جهراً, لا ليلاً ولا نهاراً, لا زيارة ولا إقامة, ولا بأي شكل من الأشكال.

         فإذا نمى إلى سمعكم أن أحدهم بقي في المدينة, أو دخلها, فعلى الجميع أن يهب للبحث عنه, ويفتش عنه في كل مكان, وأية زاوية, وفي كل حفرة, وفوق كل شجرة, وتحت أي حجر.

        لماذا نقول هذا؟ لأن كلمة ثقف غير كلمة وجد, فوجد الشيء: حظي به صدفة, وعثر عليه دون تفتيش وبحث, في قارعة الطريق, أما الثقف, فهو التفتيش عن الشيء الدقيق لإ يجاده, والبحث المستمر عنه, في كل مكان, هكذا تقول اللغة العربية, فإذا ثقفوا وألقي القبض على هذا المتسلل المجرم, فماذا يُفعل به؟.

 (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) الأخذ: هو الشد بقوة, وبخسف وبغلظة وبغضب وبذلة ومهانة, ثم ماذا؟ (وقتّلوا تقتيلاً), قالها بالتشديد والتثقيل والتغليظ والمبالغة, أن يقتلوا بأبشع قتلة, والقتل وحده لا يكفي (تقتيلاً), مفعول مطلق مؤكد للفعل, ماذا يعني هذا؟ أن يمثل بهم, وتقطع أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وآذانهم,  وتُفقأ عيونهم, وتبقر بطونهم, ويمزقون تمزيقا, ويفرمون فرما, لماذا؟ حتى يكونوا عبرة لغيرهم, ومثلاً ودرساً بليغا لكل من تسول له نفسه إيذاء رسول الله, وإيذاء الله, وإيذاء المؤمنين والمسلمين, والطعن في أعراضهم.

{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}الأحزاب62, هنا يتوجه الحديث الإلهي إلى الخلق كلهم, والمسلمين عامة, والمؤمنين خاصة, ويقعّد قاعدة دائمة, ويثبت قانوناً إلهياً أزلياً, لا يتبدل ولا يتغير, وغير قابل للنقاش والمداولة والمراجعة, وغير قابل للطعن, أو النقض أو التفاوض أو الواسطة أو الأوسطية  أبداً, في كل ما مضى, وفي كل ما هو آت, إلى يوم القيامة, وفي كل الظروف والأحوال.

        وهو أمر لكل المسلمين, وفي كل زمان ومكان, وبكل حالاتهم, بضعفهم وقوتهم, بكثرتهم وقلتهم, بغناهم وفقرهم, بعصر الناقة والبعير, والتمر والشعير, وعصر النفط والذهب والفضة والحرير, هذه القاعدة, وهذه السنة هي: (إن من يجرؤ, وتسول له نفسه, فيحاول المساس برسول الله, والطعن به, والإساءة إليه, والنيل منه, فإن أمر الله للمسلمين جميعاً, أينما كانوا, وكيفما وجدوا, أن يفعلوا هذا الفعل, بذلك المجرم المسيء لرسول الله, سواء أكان في المدينة, أم في مكة, أم في النجف وكربلاء, أم في الدانمارك والنرويج ونيوزيلاندا واستراليا وباريس وواشنطن ولندن..

        هذه هي سنة الله, وسنة الله غير سنة رسوله, فبعض سنة الرسول يمكن أن نفعلها, أو لا نفعلها, ويمكن أن نبحث عن الرخصة فيها, عند بعض الفقهاء المجتهدين الميسرين, وقد نلتمس لأنفسنا بعض عذر, فنبرر ضعفنا وجبننا وخورنا, بالحفاظ على منجزات كاذبة, وأمن مدعى, وعلاقات مزيفة, مع دول عدوة, وأشخاص حاقدين, يناصبوننا العداء.

       أما سنة الله هذه, فلا عذر فيها ولا نقاش ولا مراجعة, ولا رخصة ولا فتوى, ولا منجزات ولا سلم ولا سلام, بعد رسول الله, وعرض رسول الله, وكرامة رسول الله, وجلالة رسول الله, وسيادة رسول الله, ومعالي رسول الله, وسعادة رسول الله, وسمو رسول الله, وفخامة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا نامت أعين الجبناء, عبَّاد الدرهم والدينار, والكرسي والمنصب, والدنيا وملذاتها ولهوها وعبثها..

}إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً{64}, فالذين يؤذون الله ورسوله, يصفهم الله بالكافرين, ويجدد لعنهم, وهذه المرة بأن التوكيدية التي تجري مجرى القسم, وبتقديم الله على الفعل لعن, لشدة غضب الله عليهم, وهيأ لهم العذاب الأليم في الآخرة, دليلا على شدة غضب الله عليهم, وانتظاره لهم, لينالوا الجزاء الذي يستحقون, بعد عذابهم في الدنيا, وشتان ما بين عذاب الدنيا, وعذاب الآخرة, فقال: سعيرا, فالنار تلتهمهم, وتحيطهم وترتفع ألسنتها ولهيبها إلى أمتار فوقهم, وتسمع صوت لحمهم وعظامهم, وهي تستعر وتتقطع وتتحطم وتتفتت وتستعر.

}خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{65} هذه النار, وهذا العذاب, دائم ومستمر وخالد, لا يفتر ولا يخف ولا ينتهي, واستعمل كلمة أبدا, توكيدا على ديمومته وشدته وبقائه وتأبيده.

    ولا أحد يتوسط لهم ويشفع لهم وينقذهم, أو ينصرهم أو ينتصر لهم, فإذا كان لهم في الدنيا من ينتصر لهم وينصرهم ويشجعهم ويحميهم ويصفق لهم ويعينهم ويكرمهم على إيذاء الله والرسول, فهم ومن ينصرهم في العذاب يوم القيامة..

     }يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66}

  إنهم يعانون أشد العذاب, ويعذبهم الملائكة بأيديهم, ويهينونهم ويذلونهم, ويقلّبون وجوههم في النار, إمعانا بالتعذيب والإذلال والتشفي, ويقولون لهم هذا جزاء من يسيء إلى الله ورسوله, فيبدون الندم والحسرة, ويأسفون على ما فعلوا, ويتمنون لو أنهم أطاعوا الله والرسول فكانوا مع من أطاع الله والرسول في الجنة فاكها منعما..

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67} هنا يبدأ اللوم والندم وكشف الأسرار, ورمي الاتهامات, ومحاولة الانتقام ممن ورطهم بهذا الفعل الشنيع, والعمل الجبان: إنهم كبراؤنا, وولاة أمرنا, أصحاب المال والسلطان, وأولياء النعمة, والمسؤولون الكبار, الذين كانوا يحاربون الله ورسوله.

}رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً{68}, الآن يدعون ربهم الذي عرفوه حقيقة, وآمنوا به بعد فوات الأوان, وندموا عندما لم ينفع الندم, لم يبق أمامهم إلا الانتقام ممن كان السبب, وطلب مضاعفة العذاب لهم, ومع الضعفين من العذاب, اللعن الكبير, وهو شدة التعذيب, وعظيم الإهانة..

}لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{73}الأحزاب.

  ثم يصفهم الله هنا بالمنافقين والمنافقات, والمشركين والمشركات, وكان وصفهم بالكافرين قبلا, فهم كافرون ومنافقون ومشركون, ولعنهم الله, وملعونين, وإن الله لعنهم, والعنهم لعنا كبيرا..

هذا جزاء وعقاب وعذاب من يسيء إلى الله ورسوله, وعكس ذلك تماما من النعيم, من يحب الله ورسوله, ويثأر وينتقم ويثور ويغضب لله ولرسوله, ويذب عن عرض رسول الله, بكلماته, وبيده,  بماله, وبدمه, فداك أمي وأبي, وولدي وعرضي, ومالي ودمي وروحي, يا رسول الله..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى