منوعات

الثورة أمراضها، وعيوب من تصدّرها  


د. ياسين الحمد

أكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

تمردتُ على الظلم وأكرهُ الظالم وأتضامنُ مع الضعيف.
معظم من تصدّر الثورة في مؤسسات الائتلاف أو خارجها أصحاب الدكاكين والتجمعات والصفحات والمؤتمرات الخردعية، هؤلاء ليسوا ثوارًا بل کلاباً شاردةً ضالةً، الثائر شريف وجريء وشجاع وواعي علمياً، لأن الثورة خيار حياة، لا يعتدي على الضعفاء، ولا يتعيش على حسابهم، ويعيش حياة البذخ لا مبالياً بحياتهم، بل ينصحهم  و يساندهم. 

ولعل الأمر المثير للدهشة، والأكثر خطراً على الثورة، هو انضمام قوى وتيارات وأحزاب تقليدية للثورة كانت أصلاً جزءاً لا يتجزأ من بنية النظام، ولا تختلف من حيث الجوهر عن طبيعة النظام الاستبدادي الذي قامت الثورة بهدف إزالتها، يمكن تعداد آلالف الأسماء لمن يتصدر وينشط ويكتب ويكذب باسم الثورة.

والمصيبة التي حلّت بالثورة السورية، أن الكثير ممن انضم للثورة من أركان النظام السابق هم من الفاسدين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها ثوريين من الطراز الثوري الرفيع حسب ادعاءاتهم، وهم  بحياتهم لم يقرؤوا كتاباً عن الثورة والثورات، والشخصية الثورية والسلوك الثوري والأخلاق الثورية.
ونجد هؤلاء النماذج  من يبالغ  في إظهار ولائهم للثورة، ويكيلون للنظام المستبد  أفظع التهم والسب والشتم، كأن الثورة هي تسابق من يشتم أكثر “تفكير سخيف”،
والبعض يحاول يأخذ شرعيته الثورية بلصق علم الثورة خلفه في بيته حتى في المقابلات والمؤتمرات على السكايب، والبعض يحاول أن يأخذ شرعيته الثورية بوضع صور أبطال الثورة أو معاناة أطفال المخيمات على صفحته.

ومن جانب آخر تبدأ كثير من الفئات  الصامتة، أو التي فرضت عليها الثورة بسبب غباء النظام وهمجيته والبراميل التي أسقطها بعشوائية على المدن، فئات حاولت التعبير عن نفسها ، وتنضم للثورة بعد أن شعرت بأن الثورة أصبحت حقيقة، وأن النظام نهايته السقوط.

وفي ظل هذا الوضع الثوري المتناقض، وهذه الفوضى والضجيج يضيع الثائر الحقيقي في الزحمة، ويكاد صوته يخفت أو بمعنى آخر يتم إسكاته تحت مبرر أن الثورة ليست ملكاً لأحد بل هي ملك الجميع. وتسود ظاهرة التشبيح الفكري والسياسي في صفوف الثورة أيضاً. 
وفي هذا الحالة يظهر السؤال، من هو الثائر الحقيقي؟ وكيف يمكن معرفة  صاحب الخيار الثوري الواعي الحقيقي؟  وهل كل من ركب موجة الثورة ثائر؟
وهل للثائر صفات طبيعية أم مكتسبة تميزه عن غيره؟.
وأعتقد بأن الثائر الحقيقي وخاصة في بلادنا هو الذي لم  يفكر بنفسه، ولا خياراته شخصية، إنما يعتقد أن الخلاص مجتمعي، ولا يتحدث كثيراً عن تضحياته في خضم الثورة، وعن أيام اعتقاله إذا كانت حقيقية ويتباهى بكتابة SV عن العمل والجهد والتجمعات والدكاكين التي ساهم فيها ومعظمها أكاذيب وأنشطة فاشلة لا قيمة لها، الثوري يعطي دون حساب ولا ينتظر مقابلاً، لا يهمه أن يحصل على منصب أو قيادة أو مغنم، بل كل همّه أن تتحقق مبادئ وأهداف الثورة، كما وضعها وحددها الشعب الثائر بحق.
الثائر الحقيقي لم يبدأ في 18 آذار 2011، وإنما   الثائر الذي  سعى في حياته، إرضاء الله أولا، وراحة ضميره ثانيا، ورفع الظلم والجور عن شعبة من أجل التغيير للأحسن والأرقى ويسعى إلى رفاهية مجتمعه وسلامه.
الثائر الحقيقي لا يهدف إلى غرض شخصي، أو تحسين  شروط حياته، فهو يثور ليحقق المُثل العليا للإنسانية، مثل: العدل والحرية وتكافؤ الفرص بين الناس،  والديموقراطية.
والثوري لا يعمل تحت سقف أيديلوجي أو حزبي أو طائفي، إنما ولائه لوطنه  وثورته، فهو يدرك جيدا معنى القول: أعطوا ما لقيصر لقيصر ومالله لله.

الثائر الحقيقي قام  بثورته ضد الفساد والإفساد، ضد النهب والسلب والرشوة  والأخطاء التي تسببت في تخلف المجتمع موقفه تعبير عن موقف ثائر واعي يرفض وضعا مغلوطا لوطنة وشعبة.
الثائر الحقيقي هو من يجعل الإنسان هو المحور، وأن تكون المبادئ والقيم والعناوين  لصالح الإنسان ورفاهيته وتقدّمه.
وهو بذلك يقوم بثورته ضد الكراهية  والعنصرية والطائفية وضد عدم قبول الآخر، فلا يمكن تقليص مبادئ الثورة في مجرد كلمات، ولكن بصبها في مواقف حقيقية يُظهر فيها الثائر محبته وقبوله للمختلف عنه في الرأي أو الهوية أو العقيدة أو منهج الحياة، وعلى الثائر أن يدعو لمبادئه بصورة تطبيقية وبشكل سهل الفهم، فمن يقول أنه يحب الله وهو يبغض أخاه الإنسان فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذى يراه، فكيف يقدر أن يحب الله الذي لا يراه؟

الثائر الحقيقي هو من يثور على كل من يريد أن يجعل نفسه حاكمًا وقاضيًا ديكتاتوريًا، بل مندوباً عن الله في حكم الناس؛ ويحاسبهم على أخطائهم التي قد تكون أقل كثيراً من أخطائه الشخصية. هذا الحكم الثيوقراطي (الذي يحكم باسم الدين) أخطر من الديكتاتور (الحاكم الفرد).
متى تتخلص من طائفيتك.. تحدث معي عن الحرية والثورة!! 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى