مختارات

“آنا” التي خدعت خرفان نظام الأسد

بطلة السوريين هذه المرة هي امرأة، اختارت التمرد على القبيلة والديكتاتور وأوقعته في الفخ مستخدمة أساليبه، فأمال المجرم رأسه المثقل بالمجازر على كتفها، وأنزل دموع التودد لتفهم معنى المجزرة التي ارتكبها، لكنه لم يعلم أنه يُسلّم مفاتيحه إلى عدوته وهكذا سقط أمجد يوسف في قبضة العدالة التي جاءت على شاكلة امرأة هذه المرة.
وهكذا وثق تحقيق “الغارديان” الذي أعده الباحثان أنصار شحود (آنا) وأوغور أوميت أونجور، مجزرة التضامن عام 2013 بالفيديو وباسم مرتكبها وصورته.

قد يكون طول الظلم الذي تعرض له السوريون سبباً في دفعهم إلى اليأس، فمن لم يحصل على العدالة خلال 11 عاماً يشك بحصوله عليها الآن، فالحروب تنمو في أماكن أخرى، والأزمات تُضيّق الذاكرة على جراحهم، فتُنسَى” كأنها لم تكن” بتصرف عن محمود درويش، قد يكون سؤال السوريين الأكبر هل نُسِينا واندثرت أوجاعنا في خضم المآزق الكبرى؟! يخشى المتألمون أن ينسى الآخرون أوجاعهم، الآخرون الذين وقفوا إلى جانبهم مرة وصدحوا بالعدالة…

كن هذه المرة كان لبطلتنا اسماً وهو انصار شحود وكأن اسمها الأول يشي بالعدل والحقيقة، كأنها وجِدت في ذلك المكان من العالم لتجرَّ القاتل إلى الحقيقة. انصار فتاة من طائفة احتفظت بعلاقات جيدة مع نظام بشار الأسد، كلفتها معارضة النظام كثيراً، من بينها القطيعة مع عائلتها، لكنها اختارت طريق العدالة على القبيلة، ولأن أفضل طريقة لكشف القاتل هي التقرب منه، خلقت أنصار والباحث أور أوميت أونغر شخصية آنا ش. وهي فتاة علوية من الطبقة الوسطى، داعمة للأسد، وبدأ العمل. يبدو أن وجود فتاة كان مؤثراً إلى حد كبير بعناصر النظام، إذ وصلت دائرة آنا في بداية عام 2021 إلى حوالى 500 عنصر من النظام السوري، تمكنت من صنع هذه الدائرة استناداً إلى نقطتين أساسيتين، الأولى أنها علوية مؤيدة للنظام والثانية هي إعجابها بإنجازاتهم، حركت النقطة الثانية الذكورية الأسدية التي تقوم على أفعال القتل والاغتصاب والإهانة، وبات الإعجاب بوابة لفتح أحاديث مطولة، لكن الإعجاب سيكون مشكوكاً به لو لم تكن علوية، عناصر النظام من الطائفة العلوية يمتلكون حكماً مسبقاً وقطعياً وهو أن الانتماء للطائفة يعني الانتماء الحتمي للأسد وهو ما لعبت عليه أنصار بذكاء.تعلق بعض العناصر بآنا، وصار بعضهم يتصل بها في منتصف الليل، وهكذا تحولت آنا من مجرد رفيقة للعناصر في حبها للنظام وجيشه إلى ملجأ يهربون إليه، وغدت امرأة تشاركهم تفاصيل حياتهم، همومهم، جانبهم الإنساني القابع تحت جرائمهم، قبلت آنا بهذا الدور، وهو ما أنهكتها نفسياً، لكنها استمرت لأن هدفها كان الوصول إلى القاتل الرئيسي الذي يظهر في مجزرة التضامن في الفيديو، مع العلم أن كثيرين ممن تحدثت معهم هم قتلة.

أمضت آنا الكثير من الوقت وهي تبحث وتتعرف إلى أشخاص جدد عساها تصل إلى قاتل مجزرة التضامن، وفي يوم وبينما كانت تقلب بعض الصور في إحدى الصفحات، لمحت وجهاً مألوفاً وندبة واضحة فوق الحاجب الأيسر، نعم لقد وجدته في النهاية، تمكنت لاحقاً من التأكد من اسمه وعمله بمساعدة مصدر داخل حي التضامن، لكن أمجد حتى وإن قبل صداقتها فلن يكون صيداً سهلاً فالقاتل سيكون حريصاً وستثير آنا ريبته، إلا أن جهود آنا، ابتسامتها الرقيقة وتعاطفها مع صعوبة حياة أمجد ستجعله يلين، وكأن أحداً جاء ليؤكد له أنه المظلوم في هذه الحكاية… ربما احتاج أمجد إلى امرأة تقول له، أنت الضحية ولست القاتل، حتى يسترسل في الحديث. وهكذا تحولت آنا إلى صديقة ومعالجة نفسية، وما عزز ثقته بها أنها لم تطلق أي أحكام بحقه، يبدو أن القتلة أيضاً بحاجة لامرأة يتكلمون معها.

بكل الأحوال ستصل الشخصية المختلقة إلى حد معين، فتثير الشكوك حولها وستنتهي طاقة آنا، فمن هي تلك الفتاة التي تواصلت مع مئات العناصر، بعضهم شارك بطريقة مباشرة في عمليات القتل، ولذلك بدأ أولئك العناصر يتساءلون عن قصة الفتاة الموجودة في مراسلاتهم جميعاً.

لا شك في أن مساعدة المجند في تسريب التسجيلات كان لها دور كبير، لكن وجود آنا كان الحد الفاصل في القصة فما كان قبلها ليس كما جاء بعدها، انصار انتصرت للنساء السوريات بذهابها أبعد مما قد يتخيله عناصر النظام فأوقعتهم في المصيدة، فأن تشارك امرأة سورية في كشف مجرم كبير كأمجد يوسف هو شكل من تصحيح كل الانتهاكات والذكورية التي تتعرض لها النساء في سوريا على يد هذا النظام وقوانينه المجحفة.

المصدر: موقع DARAJ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى