سياسة

روسيا-الصين والغموض الأمريكي لكليهما!

ياي تشين  (Yi Chen)خبير في شؤون منطقة هونغ كونغ

المقدمة

على الرغم من عوامل الاختلاف بين الصين وروسيا على مدى العصور، إلا أن العديد من أوجه التقارب والتشابه سادت خلال الأشهر الأخيرة، ويظهر احتدام القتال الروسي الأوكراني على وجه هذه المقارنة بعد فقدان روسيا صبرها والقفز في مستنقع الاقتتال الأوكراني بمعارك يسجل زمنها بالأشهر لا بالأيام. وقبل عامٍ تقريباً، كانت الصين من المرشحين في الدخول بحربٍ لاستعادة جزيرة تايوان وخاصة بعد الحرب الاقتصادية التي شنتها حكومة دونالد ترامب بسنواتها الأربع على الصين إلا أن المطالبة الأوكرانية بالدخول في حلف الناتو بدل أولويات الصراع.

أوجه التشابه

سيناريوهات التشابه تتطابق بالفارق العسكري الكبير بين القوتين المتنازعتين بين الصين وتايوان، تماما كما هو بين الروس والاوكرانيين، علاوة على ذلك، وبمرور السنين تزايد فارق الفجوة العسكري.

إضافةً، ليس لكلٍ من أوكرانيا أو تايوان حلفاء عسكريون رسميون، وكلا البلدين مجبرين على مواجهة التهديدات أو الهجمات بمفردهما. ولا يخفى عليها امتلاك كلا العملاقين الروسي والصيني عضويةً دائمة لدى مجلس الأمن والذي يمنحهم حق نقض أي قرار في ذلك المجلس، فلا يمكن الاعتماد على سبل الوساطة الأممية المتمثلة بمسرح (الأمم المتحدة) لحل أي نزاع بينهما، وكان ذلك الحال في النزاع الروسي مع أوكرانيا، وسيكون مشابهاً في مسألة الصين مع تايوان.

والظاهر، فهناك وضع أكثر اضطراباً للمطالبة الصينية بتايوان، على الرغم من عدم وجود حلفاء لهذه الجزيرة، باستثناء اتفاقية أمريكية واحدة صادرة عام 1979 يطالب الأمريكيون فيها بتزويد تايوان بالمعدات العسكرية اللازمة لتمكينها من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس. إذ تعمل تلك الاتفاقية كشكل من أشكال التعويض عن عدم رغبة الولايات المتحدة في التصريح صراحة إنها “تدافع عن تايوان” في حال تعرضت للهجوم.

أوجه الاختلاف

لوحظ موقف الولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا، على تصريح الخارجية الأمريكية بعدم نيتها نشر قوات للدفاع عن أوكرانيا، بينما كان موقف الوزارة مختلف عندما تعلق الأمر بتايوان، إلا أن الولايات المتحدة تبنت نهج الضبابية، إذ أن وضع أمريكا غامض فيما لو أرادت التدخل بقواتها في الحفاظ على تايوان بوضوح، وربما تركز الولايات المتحدة على سياسة الغموض لكسب المزيد من الوقت والتفكير في إمكانية التدخل عسكرياً من عدمه مجدياً لها، وهي سياسة تتقنها أمريكا منذ عقود.

ثانياً، حافظت الولايات المتحدة على سياسة تعدد الوجوه أو تقلبها أحياناً، فتنظر أمريكا لتايوان بأهمية أكبر من حرب أوكرانيا، وأن الوقت قد حان لأمريكا لإعادة النظر في نهجها نظراً لكون أوكرانيا دولة مستقلة بينما يختلف الوضع على جزيرة تايوان. فأوكرانيا عضوا في الأمم المتحدة وأن انتهاك أراضيها يسمح للعديد من الدول بفرض عقوبات على روسيا، بينما على النقيض من ذلك، تعتبر الصين الشعبية أن تايوان جزء من أراضيها، وموقف الولايات المتحدة والدول المجاورة هو أن يبقوا على احترام هذا الاعتبار الصيني، ولا تعترف معظم دول العالم باستقلالية تايوان وهو على عكس ما تتمتع به أوكرانيا. يمكن للقادة الصينيين الادعاء بأن أي غزو جزيرة تايوان يشنه جيشهم ضروري لقمع “الأنشطة المناهضة للحكومة” بأحد أقاليمها، وبالتالي فإن مثل تلك الأعمال لا تنتهك القانون الدولي.

ثالثاً، وهو وضع الجغرافيا السياسية، فأراضي أوكرانيا الشاسعة تعتبر ممراً مهماً للوقود الروسي وينبغي الحفاظ على مرور أنابيب الغاز خلال تلك الأراضي، كما أن أوكرانيا تتمتع بنسبة لا بأس بها من محاصيل القمح التي تمد فيها أوروبا، وتصنيفها جيوغرافياً دولة فصل بين قطبين سياسيين لعقيدتين متناحرتين على مدى التاريخ -الأرثوذكس شرقاً والكاثوليك غرباً- في حال تايوان، هي جزيرة صغيرة المساحة لا تعتبر في وضع دولة فصل، ومعظم مواطنيها يحملون معتقدات دينية أتوا بها من البر الصيني. إلا أنها تتمتع بالسيطرة على صناعة الرقائق الالكترونية المطلوبة بكل دول العالم الصناعي – والصين على أكثر حال، ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد نجحت بنقل معظم مصانع الشرائح المتطورة إليها- لذا فمن الممكن للصين أن تنبأت لئلا تقع في فخ مماثل للروس بعد الغرور بهم بضم القرم على البحر الأسود.

كانت روسيا قد استحوذت القرم، ووقتها رضخ المجتمع الدولي في النهاية لانتهاك السيادة الأوكرانية، وبالنظر إلى هذه السابقة، فلم يعد مستغرباً بأن يتوقع القادة الصينيون أن يكون العالم أكثر تسامحاً، وعليه تعمل سياسة الغموض الأمريكية بكل اتقان، وتستغل خلالها الوقت وتشجيع الصين على التقليل من عزيمة الولايات المتحدة، بينما تبقي أمريكا حكومة تايوان في قلق مفرط لا داعي له.

ربما، وبالنظر إلى التغيير في الظروف منذ تبني سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكي لتايوان، ينبغي على الولايات المتحدة إعلان بيان صريح بعيد عن الالتباس بأن أمريكا سوف تدافع عن تايوان ضد أي اعتداء أو غزو صيني.

 

الفارق الأهم من وجهة النظر الأمريكية على القضيتين هو أن الولايات المتحدة ومعا دول الناتو تنظر على روسيا أنها المعتدية بلا جدال وأن أمرها في الغزو سياسي، لكنه ليس هو الحال في حالة تايوان، إذ لازالت أمريكيا والعالم يعتبر أن هناك صيناً واحدة، وتود أمريكا أن يتم تحقيق تقرير المصير لتايوان وهو خط أحمر وعريض بالنسبة لحكومة الصين الشعبية وننتظر لنشاهد تحركات بيادق الشطرنج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى