مقالات

( الغارديان) و مجزرة حي التضامن!

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية ، تسجيلا ( فيديو) لمجزرة ارتكبها عسكريون من عساكر عصابة الأسد التي كانت تحكم سورية قبل ثورة أهلها التي انطلقت في شهر آذار عام ٢٠١١ ، وقد قتل في هذه المجزرة ، واحد وأربعون مواطنًا بين رجال ونساء .ولقد اطلعت على تغطية لهذا الحدث من قبل قناة سوريا الفضائية ، والتي استضافت ثلاثة من السوريين منهم الإعلامي المعروف أحمد الهواس ، و رئيس الشبكةالسورية لحقوق الإنسان ، وناشط يعمل في هذا الإطار ، ولما لمسته من نقص في التغطية، ولاسيما في مجال التوثيق وإحالة الملف للجمعية العمومية تحت بند الاجتماع من أجل السلم كما أشار إلى ذلك وإلى دراسة قانونية لي مشكورًا السيد الهواس ،ولذا أحببت أن أدلي بدلوي في توضيح حول ارتكاب هذه الجريمة وأمثالها .

بداية لابدّ أن نضع ( فرشة ) للحديث حول هذه الجريمة وأمثالها مما وقع في سورية ولا يزال يمارس من قبل العصابة الحاكمة .معلوم أنه في الثامن من شهر آذار ، أو كما أسميه ( أقذار) لعام ١٩٦٣ ، أقدم مجموعة من الضباط الذين ينتمون إلى الفكر اليساري من ( البعث و الإتحاد الإشتراكي الناصريين ) على عمل انقلاب عسكري بتحريض من عبد الناصر الذي خسر مقعده في سورية ، التي حكمها حكمًا بوليسيًا عسكريًا ، واشترط للوحدة يومها حل الأحزاب السياسية ، وتم له ذلك ، ونتيجة للممارسات التسلطية فوق القانون ، أقدم ضباط سوريون على عمل انقلاب على نظام الحكم هذا ، ولم يهدأ بال عبد الناصر فاستمر يحيك المؤامرات،ويحرّك أعوانه على النظام الذي خلفه ما أدى لوقوع الانقلاب الذي أشرت إليه ، ثم وقعت اشتباكات بين جناحي الانقلاب أدّت لانفراد البعثيين في الحكم .

لم يجد البعثيون راحة في حكمهم لسورية ، فقامت أول الاحتجاجات في حماه عام ١٩٦٤ قادها المهندس مروان حديد ، وتبنى إزالة النظام بالعنف ،وطبعًا لم تنجح حركته ، التي لم يكن معد لها لتكون شاملة لسورية ،وتم قمعها بواسطة قطعة من الجيش وبالسلاح الثقيل الذي هدم جامع السلطان ، مكان التجمع . ولم تستعمل السلطة قوى الأمن كما هو متبع في مثل هذه الحالات.

في عام ١٩٦٥ تنادى بعض سكان العاصمة دمشق للإعتصام في المسجد الأموي الكبير وتجمع الآلاف بداخله بصورة سلمية ، إلا أن الضابط سليم حاطوم، من قادة الإنقلاب قاد آلية عسكرية، واقتحم بها المسجد بعد كسر عتبته ،وأطلق الرصاص الحي على المعتصمين السلميين ، ثم جرى اعتقال الآلاف منهم ، وكنت أشغل في ذلك الوقت منصب قاض صلح ، وعقد القضاة اجتماعا انبثق عنه تشكيل لجنة مثلت فيها محاكم الصلح، واتخذت قرارًا بالتوقف عن العمل احتجاجًا على تعامل السلطة مع المواطنين ، كما أضربت نقابة المحامين ، وأغلقت المتاجر أبوابها ، وجاء أمين الحافظ إلى قصر العدل، واشتبك مع المحامين في قاعتهم ، ثم غادر إلى قصر الضيافة في أبي رمانه ومن على شرفة القصر خطب بالشبيحة الذين تجمعوا ليسمعوا ما سيقول فنطق بالتالي : إن النساء تلدن كثيرًا ، سنقطع أيديهم وأرجلهم ونرميها للكلاب ، وعنى في ذلك من اعتقلوا من المسجد الأموي، وعمدت أجهزة الحكم إلى كسر أقفال المحلات التجارية ونهب محتوياتها ،وآل الأمر للفشل.

في عام ١٩٧٨ تحرّكت النقابات العلمية ، محامون ، أطباء ، مهندسون ، للمطالبة بإصلاحات وعمّت الحركه كافة المحافظات السورية ، واستمرت بالضغط على السلطة ، فأقدم حافظ الاسد على حلّ النقابات واعتقال النقابيين ، وكنتُ من بينهم، ثم تحرّكت مدن عدة ضد نظام الحكم ، في حماه وحلب وجسر الشغور ، ووقعت أحداث عنف في حماه ، التي دخلتها قوات من الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر ، وسرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد ، وأعقبها وحدات أخرى من جيش الولاء للعصابة الحاكمة ، واستبيحت المدينة بكل ما في كلمة الاستباحة من معنى ، وتم تدمير ٣٠٪؜ منها ، واستشهد ٤٨ ألف مواطن ، واركبت فيها أخس الجرائم وأحطها ، كما أقدم الضابط شفيق الفياض الذي ارتكب مجزرة حي المشارقة في حلبعلى مجزرة بحقّ المدنيين العزل حيث أنزل ساكنين من عدة أبنية بلغوا مائة مواطن ، وتم فتح الرشاشات عليهم دون أي ذنب والعديد من المجازر في كل مكان.

وفي سجن تدمر تم تصفية أكثر من ١٥ ألف سجين منهم ٩١٣ راحوا ضحية المجزرة التي ارتكبتها سرايادفاع التابعة لرفعت الأسد ، ودفنوا في مقابر جماعية . جميع تلك المجازر والقتل الذي نفذت بحق المواطنين ، والتي بلغت ٧٠ ألف شهيد تم التعتيم عليها ، كما تم حماية المجرمين من قوات الأمن بالمادة ١٦ من المرسوم التشريعي رقم ١٤ لعام ١٩٦٨ ، بتوقيع نور الدين الأتاسي ، ويوسف زعين .

أردتُ من هذه “الفرشة” التي كتبتها أن أبين أن التاسيس لعنف السلطة الحاكمة قد تمّ قبل وصول حافظ الأسد إلى الحكم ،وقد وجد الأرض ممهدة لأفعاله الخبيثة منذ وقوع الانقلاب عام ١٩٦٣ وحتى انقلابه مطلع السبعينات فيما سماه الحركة التصحيحية . أمّا في المرحلة التي حكم فيها حافظ الأسد ، وجاء معه مصطفى طلاس ، وزيرًا للدفاع ليكون ظهيرًا له ، فقد حمل على عاتقه توقيع أحكام الإعدام بحق الآلاف المؤلفة من المواطنين الذين تكدسوا في دور التوقيف العايدة للفروع الامنية التي تتجاوز الخمس عشرة فرعا ، وهو لا يملك حق التوقيع بالقانون .عقب استيلاء حافظ الأسد على السلطة ، عمد لصبغ الجيش بالصبغة الطائفية ، فسلم مفاصله الأساسية وبخاصة قطعات محدده كالدبابات والمدفعية والطيران وفصائل اخرى سلمها إلى معتمدين من طائفته. وقد صرّح هو نفسه بأنهم أسسوا جيشًا عقائديًا وألزم الضباط فوق مرتبه رايد على الانتساب إلى حزب البعث ، خلافا لنص الماده ١٥١ من قانون العقوبات العسكري التي تحرّم على العسكرين ممارسة العمل الحزبي .لقد شرحت معظم هذه الأمور وخاصة إصدار تشريعات تشرعن الجريمة في كتابي الذي نشرته للمرة الثالثة، في معرض اسطنبول للكتاب العربي مع مجموعة مذكراتي ، وقد بيّنت كيف بيتت عصابة الأسد من الأب إلى الإبن النية فيما ارتكبته من جرائم ، ومجازر ، تمثل المجزرة التي تحدثت عنها الغارديان واحدة منها ، ولقد قدّمتُ إلى الأمم المتحدة في جنيف أكثر من ١٥٠٠ صفحة عن سورية وماارتكب فيها من فظاعات يندى لها جبين الإنسانية ، وكان يمكن للجنة العضوية في هيئة الأمم المتحده اقتراح تعليق عضوية عصابة الأسد الحاكمة في سورية لما ارتكبته من جرائم ذات الإنسانية ، فضلاً عن كونها سلطة مارقة على القانون الدولي ، وقد فقدت مشروعيتها بفعل ثورة الشعب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى