دين ودنيا

نقل الزكاة

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

مذاهب العلماء في نقل الزكاة؛ مذهب أبي حنيفة: يكره نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، وإنما تُفَرّق صدقة كل قوم فيهم، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته أو إلى قومٍ هم أحوج من أهل بلده(١ ). لما روينا من حديث معاذ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وفيه رعاية حق الجوار(٢ ).وعند المالكية: أَنَّ كُلَّ مَا دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ(٣ ).فإذا وجد المستحقون للزكاة في البلد الذي فيه المال والمالك لم يجز نقلها إلى غيره، إلا أنه إذا نقلها ودفعها إلى فقراء غير بلده مضى ذلك وأجزاه، وكذلك لو بلغ الإمام أن ببعض البلدان حاجة شديدة وقحطًا عظيمًا، جاز له نقل شيء من الصدقة والمستحقة لغيره إليه(٤ ) .أما الشافعية :فلم يجوِّزوا نقل الزكاة وقالوا: لا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال ولو إلى مسافة قريبة ولا تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة ولا دفع عينه فيه( ٥). وفي المنهاج: والأظهر منع نقل الزكاة، ولو عدم الأصناف في البلد وجب النقل، أو بعضهم وجوزنا النقل وجب، وإلا فيرد على الباقين، وقيل: ينقل( ٦). وقال االرافعي: إذا عدم في بلد جميعُ الاصنافِ، فلا بد من نقل الزكاة، وليكنِ النقلُ إلى أقرب البلاد إليهَ، وإلاَّ فهو على الخلاف في نقل الصدقات، وإن عدم بعضهم، نُظِرَ إنْ عدم العامل، سقط سهمه، وإن عدم غيره، فإن جوزنا نقل الصدقات، نقل نصيب الباقين، وإن لم نجوزه، فوجهان:أحدُهما: ينقل أيضاً، ولا يرد إلى الباقين؛ لأن استحقاق الأصناف منصوصٌ عليه، فيقدم على رعاية المكان الذي يثبت بالاجتهاد.وأصحُّهما: الردُّ على الباقين؛ لأن عدم الشيء في موْضعه كالعدم المُطلَق؛ أَلاَّ ترَى أن عدم الماء في الموضع يرخِّص في التيمم، وإن وجد في سائر المواضع( ٧). والأظهر: منع نقل الزكاة أي: إذا كانت في البلد وأمكن الصرف إليهم .. فيحرم نقلها، ولا يسقط به الفرض؛ لخبر معاذ المتقدم، ولأن طمع الفقراء في كل بلد يمتد إلى ما فيها من المال والنقل يوحشهم، وبهذا قال مالك وأحمد( ٨). ولا فرق في التحريم: بين أن ينقل إلى مسافة القصر أو دونها(٩ ).فإن نقل الزكاة عن بلد المال إلى غيره كان في الأجزاء قولان( ١٠). أما الحنابلة: فقالوا بتحريم نقل الزكاة، فقالوا: يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ لِسَاعٍ وَغَيْرِهِ( ١١). وفي المبدع: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ إلى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ( ١٢).ولا يَجُوز نَقْلُها إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ إليه الصلاةُ، فإن فَعَل، فهل تُجْزِئُه؟ على رِوايَتَيْن(١٣ ). فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ أَيْ نَقَلَ الزَّكَاةَ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ الْمَنْقُولُ لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ وَالْفِطْرَةُ كَزَكَاةِ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ(١٤ ).أما الزكاة المعجلة فقد صرح الحنفية بجواز نقلها، فقالوا: لَا يُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ مُطْلَقًا(١٥ )تنبـــيه: الخلاف في نقل الزكاة من بلد وجوبها إلى بلد آخر إنما مع وجود المستحقين في بلده، فإن عدمت الأصناف في بلد وجوبها، أو فضل عنهم شيء وجب نقلها أو الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إليه، ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا. فوائد وتنبيهاتتنــبيه: يجب أداء الزكاة فوراً إذا تمكن من الأداء بحضور مالٍ، وآخذٍ للزكاة من إمام أو ساعٍ أو مستحق، وله دفعها إلى الإمام بلا طلب منه، وهو أفضل من تفريقها بنفسه عند الشافعية، إذا كان ثَمَّ إمام.تنـــبيه: وتجب النيّة في دفع الزكاة، كأن ينوي أن هذه زكاتي أو فرض صدقتي أو صدقة مالي المفروضة، ولا يكفي أن ينوي أنها فرض مالي لأنه يكون كفارةً ونذراً، ولا صدقة مالي لأنها قد تكون نافلة.ولا يجب في النية تعيين مال، فإن عيَّنه لم يقع عن غيره، وتكفي النية عند عزلها عن المال وبعده وعند دفعها لإمام أو وكيل، والأفضل أن ينويا عند التفريق أيضاً، وله أن يوكل في النية، والزكاة تتعلق بالمال الذي تجب فيه تعلق شركة بقدرها. فائدة: يعطى الفقير والمسكين كفاية عمرٍ في الغالب، فيشتريان بما يعطيانه عقاراً يستغلانه، وللإمام أن يشتري له ذلك كما في الغازي، هذا فيمن لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة، أما من يحسن الكسب بحرفة فيعطى ما يشتري به آلاتها، أو بتجارة فيعطى ما يشتري به ما يحسن التجارة فيه بما يفي ربحه بكفايته غالباً، ويعطى مكاتب وغارم لغير إصلاح ذات البين ما عجزا عنه من وفاء دينهما، ويعطى ابن سبيل ما يوصله مقصده أو ماله إن كان له مال في طريقه، ويعطى غازٍ حاجته في غزوه ذهاباً وإياباً وإقامة له ولعياله ويملكه فلا يسترد منه، ويهيأ له مركوب إن لم يطق المشي أو طال سفره، وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما كابن السبيل والمؤلفة يعطيها الإمام أو المالك ما يراه. والعامل يعطى أجرة مثله ومن فيه صفتا استحقاق كفقير وغارم يأخذ بإحداهما.فرع: 1- و يجب تعميم الأصناف الثمانية في القسم إن أمكن، بأن قسم الإمام ولو بنائبه وجوباً لظاهر الآية، فإن لم يمكن بأن قَسم المالك إذ لا عامل أو الإمام ووجد بعضهم وجب الدفع إلى من يوجد منهم، وتعميم من وجد منهم، وعلى الإمام تعميم آحاد كل صنف وكذا المالك إن انحصروا بالبلد ووفى بهم المال، فإن لم ينحصروا أو انحصروا ولا يفى بهم المال، لم يجز الاقتصار على أقل من ثلاثة من كل صنف، لذكره في الآية بصيغة الجمع وهو المراد بـ في سبيل الله وابن السبيل الذي هو للجنس إلا العامل فإنه يسقط إذ قسم المالك، وتجب التسوية بين الأصناف غير العامل ولو زادت حاجة بعضهم، ولا تجب التسوية بين آحاد الصنف .ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد وبه قال أبو حنيفة( ١٦). 2- إذا عدم في بلد جميع الاصناف وجب نقل الزكاة إلي أقرب البلاد إلى موضع المال، فان نقل إلي الا بعد كان على الخلاف في نقل الزكاة وإن عدم بعضهم فان جوزنا نقل الزكاة نُقِلَ نصيب المعدوم إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد(١٧ ). فرع: لوكان شخص عليه دين فقال المديون لصاحب الدين: ادفع لي من زكاتك حتى أقضيك دينك ففعل أجزأه عن الزكاة ولا يلزم المديون الدفع إليه عن دينه، ولو قال صاحب الدين اقض ما عليك لأرده عليك من زكاتي ففعل صح القضاء ولا يلزمه رده إِليه، ولو نوياه بلا شرط جاز ولو كان عليه دين فقال: جعلته عن زكاتي لم يجزه على الصحيح حتى يقبضه ثم يرده إليه وقيل يجزئه كما لو كان وديعة. تنـــبيه: من وجبت عليه زكاة، وتمكن من أدائها فمات قبل أدائها؛ عصى ووجب إخراجها من تركته عند الشافعية، لانه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمى، وبقول الشافعي قال جمهور العلماء(١٨ ) . ومذهب أبي حنيفة أن من مَاتَ وَعَلِيهِ زَكَاة سَقَطت عَنهُ فَلَا تُؤْخَذ من تركته(١٩ ). وهو مذهب عجيب فانهم يقولون الزكاة تجب علي التراخي وتسقط بالموت وهذا طريق إلى سقوطها. وإذا اجتمع في تركة الميت دين لله تعالي ودين لآدمي كزكاة وكفارة ونذر وجزاء صيد وغير ذلك ففيه ثلاثة أقوال عند الشافعية (أصحها) يقدم دين الله تعالى، فتقدم الزكاة لقوله صلي الله عليه وسلم في الحج ” فدين الله احق ان يقضي “متفق عليه (والثاني) دين الآدمى لان مبناه علي التشديد والتأكيد وحق الله تعالى مبني علي التخفيف ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة قدم قتل القصاص (والثالث) يستويان فتوزع عليهما بنسبتهما لانهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء( ٢٠). فرع: ولو ترك أهل الزكاة كلهم اخذها أثموا ولان الزكاة لا منة فيها( ٢١). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ( ١) مختصر القدوري صـ 60( ٢) البناية شرح الهداية 3/ 479(٣ ) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 2/ 359( ٤) المعونة على مذهب عالم المدينة صـ 444(٥ ) فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين صـ 252(٦ ) منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه صـ 203( ٧) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية 7/ 410( ٨) النجم الوهاج في شرح المنهاج 6/ 469( ٩) النجم الوهاج في شرح المنهاج 6/ 469(١٠ ) بحر المذهب للروياني 8/ 79، الحاوي الكبير 8/ 271( ١١) الفروع وتصحيح الفروع 4/ 262( ١٢) المبدع في شرح المقنع 2/ 396( ١٣) الشرح الكبير على المقنع ت التركي 7/ 171( ١٤) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/ 264(١٥ ) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري 2/ 269( ١٦) فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين صـ 252(١٧ ) المجموع 6/225( ١٨) المجوع6/231( ١٩) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 374( ٢٠) المجوع6/231(٢١) المجموع6/242

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى