ثقافة وأدب

لماذا سُميت ليلة القدر بهذا الاسم؟

باسل المحمد- مدير الأخبار

من مزايا اللغة العربية ارتباط الاسم بالمُسمى وتعبيره عنه، حتى يغدو الاسم جزءاً أصيلاً من المسمى لاينفك عنه، إذ لا تجد في لغتنا اسماً منفصلاً عن المسمى، أو اسماً اعتباطياً مثلاً، ويكفي أن نعرف مثلاً معاني الأسماء للأشهر القمرية حتى ندرك معنى هذا الكلام، فالعرب سمت رجب بهذا الاسم لأنه كان “يُرَجَّب” أي يعظم، وهذا رأي الأصمعي، والفراء، واشتقت اسم رمضان من “الرمض”؛ أي من الحرارة، ومن جماليات قولهم في سبب تسمية رمضان؛ أنه يكوي الذنوب ويمحوها كما تكوي الشمس رمال الصحراء، وهكذا بقية الأسماء التي لايتسع المقام لذكرها الآن.
وفي هذه الأيام التي نتلمس فيها ليلة القدر المباركة، والتي يحييها الملايين من المسلمين على اختلاف بلدانهم؛ إذ تمثل هذه الليلة العظيمة ذرة تاج شهر رمضان المبارك، وعبادتها خير من عبادة ألف شهر، أحببت أن أوضح سبب تسمية هه الليلة المباركة بـ “القدر”، وآثرت ألا أتكلم عن فضلها وعظيم قدرها عند الله تعالى؛ لما وردت بذلك الآيات الواضحات والأحاديث الصحيحة.
أما عن سبب تسميتها بـ ليلة القدر، فللعلماء آراء ومذاهب في هذا المجال، وقبل سرد هذه الآراء نقول إن “القدر” في اللغة يأتي بمعنى القضاء والحكم كالقَدَر، ويأتي بمعنى الحرمة والمكانة، فلان له قدر، ويأتي بمعنى التقدير، وورد في معجم المعاني (قَدَر)؛ أي أعطاه ما يستحق من عناية أو تعظيم.
ومن هذا المعاني الجليلة يمكن تلخيص آراء العلماء في سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم بخمسة أقوال:
القول الأول: لأن الله تعالى يقدِّر فيها الأرزاق والآجال وما هو كائن؛ أي: يقدِّر فيها ما يكون في تلك السنَة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “يكتب في أمِّ الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنَة من الخير والشرِّ والأرزاق والآجال، حتى الحُجَّاج، يقال: يحج فلان، ويحج فلان”، وقال الحسن ومجاهد وقتادة: “يُبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخَلْق ورِزق، وما يكون في تلك السنَة”.
القول الثاني: سُميَت بذلك لأنَّ العمل فيها له قدرٌ عظيمٌ، وهذا لا يحصل إلا لهذه الليلة فقط، فلو أن الإنسان قام ليلة النِّصف من شعبان، أو ليلة النصف من رجب، أو ليلة النصف من أي شهر، أو في أي ليلة لم يَحصُل له هذا الأجر[3] يقول الشيخ ابن عثيمين: إن الإنسان ينال أجرها وإن لم يَعلم بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا)) ولم يقل: عالمًا بها، ولو كان العلم شرطًا في حصول هذا الثواب لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: لأنها ليلة الحكم والفصل؛ عن مجاهد قال: “ليلة القدر ليلة الحكْم”، وقال النووي: “وسُميَت ليلة القدر، أي: ليلة الحكم والفصل، هذا هو الصحيح المشهور”.
وعن مجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3] قال: “عملُها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر”، وعن عمرو بن قيس الملائي قال: “عملٌ فيها خيرٌ من عمل ألف شهر”
القول الرابع: سُميَت بذلك لأن الله تعالى قدَّر فيها إنزال القرآن [إن أنزلناه في ليلة القدر].
القول الخامس: أنها مأخوذة من عِظَم القدر والشرف والشأن كما تقول: فلانٌ له قدرٌ، وفلان ذو قدر عظيم، أي: ذو شرف. قال القرطبي: «إنما سميت ليلة القدر بذلك لعظمها وقدرها وشرفها من قولهم: لفلان قدر أي شرف ومنزلة قاله الزهري وغيره»، وقال النووي: “وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها.
ونختم حديثنا عن ليلة القدر بكلام ماتع لـ أبو بكر الوراق إذ يقول: سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها”، والراجح أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى