اقتصاد

الإعلام المصري ينفي شائعة الإفلاس…وتعويم جديد محتمل للجنيه!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


أصبح الحديث عن الأزمة الاقتصاديَّة في مصر، واحتماليَّة إعلان إفلاس الدَّولة بسبب عجْز الحكومة عن تسديد الدُّيون الخارجيَّة الَّتي تجاوزت 145 مليار دولار، موضوعًا رائجًا في وسائل الإعلام الدُّوليَّة، خاصَّةً بعد صدود العديد من التَّقارير عن مؤسَّسات ماليَّة عالميَّة تحذِّر من انهيار الاقتصاد المصري، ومن لجوء الحكومة بصورة متكرِّرة للاقتراض من صندوق النَّقد الدُّولي. أثار باحثون اقتصاديون، من بينهم تباعون لمراكز بحثيَّة وأكاديميَّات مصريَّة، مسألة بيع أصول الدَّولة المصريَّة لجهات خارجيَّة؛ لتسديد الدُّيون المتراكمة، وليس لتحسين الأحوال المعيشيَّة لأفراد الشَّعب المصري، في ظلِّ معاناتهم من الغلاء وقلَّة فرص العمل وسوء الأوضاع المهنيَّة في القطاعين العام والخاص. ولعلَّ أكثر ما يثير المخاوف من بيع أصول الدَّولة أنَّ في ذلك ما يفتح المجال للتَّدخُّل الأجنبي في البلاد والتَّعدِّي على السِّيادة المصريَّة. ومع ذلك، فبيع الأصول صار الحلَّ الوحيد لمواجهة الدُّيون المتراكمة، بعد أن صارت مصر أكثر دولة مثقلة بالدُّيون في منطقة الشَّرق الأوسط، وفق تقرير أصدرته وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال العالميَّة للتَّصنيف الائتماني في 5 أبريل الجاري، أشارت فيه إلى أنَّ نصيب المواطن المصري من الدُّيون صار 3900 دولار!
الإعلام الرَّسمي: لا صحَّة لشائعة الإفلاس والاقتصاد صامد
حرص الإعلام الرَّسمي في مصر على تكذيب ما يتردَّد عن احتماليَّة إفلاس الدَّولة، بعدما تردَّد عن تمهيد بعض الصُّحف المصريَّة لإعلان الإفلاس، بنشْر أكثر من مقال عن إفلاس الدُّول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم. فقد نشرت بوَّابة الوفد الإخباريَّة المصريَّة مقالًا تحت عنوان “إفلاس مصر”، من إعداد الخبير الإعلامي، د. محمَّد عادل العجمي، يؤكِّد فيه كذب مزاعم قُرب إعلان الإفلاس، مستندًا في ذلك إلى بيانات اقتصاديَّة تؤكِّد قدرة البلاد على تسديد ديونها الخارجيَّة مستقبلًا. هذا، وقد نفت الخبيرة الاقتصاديَّة، د. سهي الدُّماطي، في مداخلة هاتفية مع برنامج “حضرة المواطن” المذاع على قناة “الحدث اليوم” ما تردَّد عن إفلاس مصر، بقولها “هناك نوعين من القروض؛ الدَّين الداخلي والخارجي؛ إجمالي الدَّين الخارجي 145 مليار دولار، وبالنِّسبة للناتج القومي تساوي 45 بالمائة وهي في الحدود الأمنة”. وأضافت الخبيرة الاقتصاديَّة أنَّ هناك وسائل كثيرة لتأجيل تسديد الدُّيون، في حال تعذَّر سدادها في وقته، مشيرةً إلى أنَّ دخْل قناة السُّويس وتحويلات المصريين من الخارج وعائدات التَّصدير من مصادر الاطمئنان على مستقبل الاقتصاد القومي. ومع ذلك، فقد صرَّح الإعلامي عمرو أديب عبر برنامجه “الحكاية”، المذاع على قناة “MBC مصر” في حلقة 23 أبريل الجاري بأنَّ الفترة المقبلة قد تشهد تحديد سعر العملة وفقا لآليات السُّوق المحليَّة، ما يعني وصول سعر الدُّولار الواحد إلى ما لا يقلُّ عن 21-22 جنيهًا. وقد اعتبر مراقبون أنَّ تصريح الإعلامي الشَّهير، المقرَّب من الطَّبقة الحاكمة، فيه تمهيد لإعلان البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدُّولار الأمريكي، ما يُعرف بتعويم الجنيه، من جديد قبل نهاية يونيو 2022م، بعد 3 أشهر فقط من التَّعويم السَّابق.
الحكومة المصريَّة تتحدَّى الأزمة بقرض صندوق النَّقد
صرَّح محمَّد معيط، وزير الماليَّة المصري، في بيان صحافي، بأنَّ اقتصاد البلاد صامد في مواجهة التَّحديات العالميَّة، مضيفًا أنَّ الدَّولة تعمل وفق برنامج للإصلاح الاقتصادي منذ سنوات، وفي ذلك ما يدعم الاقتصادي القومي في ظلِّ الأزمة “القاسية” الَّتي تمرُّ بها البلاد. وقال معيط نصًّا “إنَّنا ماضون في تهيئة بيئة أعمال محفِّزة للاستثمارات المحليَّة والأجنبيَّة بمختلف القطاعات التَّنمويَّة، بما يُسهم في تعزيز بنية الاقتصاد القومي، واستدامة معدلات النُّمو، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين معيشة المواطنين والارتقاء بالخدمات المقدَّمة إليهم”. وقد عقَّب معيط على لقائه كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النَّقد الدُّولي على هامش اجتماعات الرَّبيع لصندوق النَّقد والبنك الدُّوليين في واشنطن، بقوله إنَّ الصَّندوق، الَّذي طلبت مصر منه الحصول على قرض جديد، على ثقة بقدرة الاقتصاد المصري على التَّعافي من آثار الأزمة الرَّاهنة النَّاجمة عن الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. في حين صرَّحت جورجييفا في أعقاب الاجتماعات الأربعاء 20 أبريل بأنَّ الاقتصاد المصري يعاني من حالة واضحة من التَّدهور، داعيةً إلى تطبيق مزيد من الإصلاحات، أملًا في الخروج من تلك الأزمة الخانقة.
تقرير جديد ينتقد استحواذ الطَّبقة الحاكمة على الثَّروة
كما سبق القول، تتوالى في الفترة الأخيرة التَّقارير سلبيَّة المضمون، الَّتي تتناول حالة الاقتصاد المصري، في ظلِّ الأزمة الرَّاهنة، ومن الملفت أنَّ بعضها يلقي باللوم على سوء توزيع مصادر الدَّخل وانعدام العدالة في منْح الفرص فيما يعانيه الشَّعب المصري من تردٍّ اقتصادي. فبعد تقرير مشروع الدِّيمقراطيَّة للشَّرق الأوسط (بوميد)، الصَّادر مطلع يناير 2022م الَّذي وصف مصر فيه بـ “الدَّولة المتسوِّلة”، وانتقد الفجوة الكبيرة بين الطَّبقة الحاكمة والطَّبقة الكادحة من حيث مستوى المعيشة، نشرت مجلَّة ذي اكونوميست (The Economist) الاقتصاديَّة البريطانيَّة في 23 أبريل الجاري مقالًا يغرَّد في ذلك السِّرب. تحت عنوان ” Why Egypt isn’t open for business”، أو لماذا مصر ليست مفتوحة للاستثمار، أثار المقال مسألة سيطرة المؤسَّسة العسكريَّة على كبرى الشَّركات المدرَّة للرِّبح، من باب حماية الاقتصاد القومي من العبث الخارجي والحيلولة دون تمويل الإرهاب. وصَف المقال تعامُل الحكومة مع رجال الأعمال والمستثمرين بـ “الابتزاز”، بإجبار بعضهم على التَّخلِّي عن بعض أملاكهم، إلى جانب الزَّجِّ ببعضهم إلى السِّجن في حال الاعتراض. يُضاف إلى ذلك أنَّ الشَّركات التَّابعة للدَّولة تستأثر بميزة الإعفاءات الضَّريبيَّة والجمركيَّة، وفي ذلك نوع من عدم تكافؤ الفرص، وهو ما صرَّح به رجل الأعمال المسيحي والملياردير المصري، نجيب ساويرس، المنتمي لأغنى عائلة مصريَّة، في حوار مع وكالة فرانس برس في نوفمبر 2021م.
ونتساءل: إذا كان الاقتصاد القومي يتعافى ولا صحَّة لقرب إعلان الإفلاس، فلما صرَّح إعلاميون مؤخَّرًا باحتماليَّة تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدُّولار الأمريكي للمرَّة الثَّانية في أقلِّ من 3 أشهر؟ وما مآل انتقاد استحواذ المؤسَّسة العسكريَّة على مصادر الثَّروة في مصر في الإعلام الغربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى