مقالات

في الخطاب السياسي: إرسالاً واستقبالاً !

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب


إني أحتسب..
وهذا مدخل ضنك آخر، أتقحم فيه، واحتسب ما يصيبني عند الله، وقد غلبنا الغلو على أمرنا – نحن المسلمين- فبتنا لا نعرف كيف نقول، وما أكثر ما نستنكر على من يقول، لأننا لم نتعلم كيف نسمع!
ولقد بني خطابنا السياسي منذ قرون على مثل قول ابن هانيء في المعتز العبيدي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار..
فاحكم فأنت الواحد القهار
فكأنما أنت النبي محمدٌ
وكأنما أنصارُك الأنصار
أو على مثل ما قال سفيه قوم: لو أن صاحبهم مثل دورا إباحيا على الهواء، ما كان للناس أن تنكر عليه!
أو وهنا يجد الجد ما تعلمناه من خطيب منبر، وقصاص على عرندس..
أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر : أيها الناس إذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموه، فقام له رجل فقال: لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بالسيف أو بحد السيف!!
الرواية قاعدة في تربية الأجيال على طريقة خطاب الحكام. ولو ذهبت تبحث عنها، لتاهت بك كتب التحقيق عن مثل هذه الرواية، فلا عمر قال، ولا رجل من رجال مجتمع الخيرة رد بهذا الجواب الجلف على أمير المؤمنين وهو على منبره!
تخطو خطوة أخرى في قواعد التأسيس للخطاب السياسي المعلول أو المريض أو المسمم، فتجد أمرأة من عرض الناس، ترد على عمر – رضي الله عن عمر- فيما يزعمون انه جهله بآيات القرآن، فيقول أصابت امرأة وأخطأ عمر، أو مهما تكن الروايات..
وتمعن في التحقيق، فلا تكاد تظفر للرواية أصلا صالحا تتمسك به، وتعوّل عليه، ومع ذلك فهي ما زالت قاعدة في التأسيس لخطابنا المجتمعي السياسي، تتربى عليه أجيال..
في صدمة ثالثة وأكتفي والديوان أوسع، تقول الحكاية الاسطورة: أن عمر جاءته اثواب فوزعها على الناس، وأخذ مثلهم واحدا إلى آخر الحكاية التي نحفظها، ونشعر بالريّ عندما نرويها!! إلى أن تقول الرواية: وقام سيدنا سلمان الفارسي فقال لعمر : لا سمع ولا طاعة يا عمر حتى..
وكأن سيدنا سلمان الفارسي كان من الجلافة بمكان، ومن الجهل، بحيث يخلع يدا من طاعة من أجل ثوب. ولو ذهبت الى كتب التحقيق لقالت لك عن الرواية: إنها مجرد حكاية معلقة في الهواء يتملح بها الأدباء!
على المنابر كما في الدروس والمحاضرات قام خطابنا السياسي على ما أروي من الجلافة والتشنج والبعد عن الواقعية، وادعاء استعلاء اجوف ضيع على الأمة مقاصد، وفوت مصالح.
قرأت مسرحية ” عالم وطاغية” وانا شاب صغير، والتي تدور أحداثها بين سعيد بن جبير والحجاج، ثم قادتني كتب التاريخ إلى الواقعة ، وإلى الحوار، وقرأت اعتذار الشعبي وهو إمام للحجاج بعد خروجه في جيش بن الأشعث، وقرأت ما دار بين الحجاج وسعيد بن جبير، فعلمت ان على الذي وضع مسرحية ” عالم وطاغية” أن يستغفر الله كثيرا، فكم غرر بالناس ودلاهم بغرور؟؟
القرآن الكريم علّم المسلمين قواعد الخطاب، بشكل عام، وقال عن الأعراب الذين وقفوا ينادون على رسول الله من وراء الحجرات : اخرج إلينا يا محمد،بأنهم لا يعقلون..
وجه المؤمنين عامة في طريقة خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم..”
المجتمع العربي والمجتمع المسلم عموما كان أكثر تحضرا، في الاستغناء بالإشارة عن العبارة. تدخل المرأة العفيفة على أمير المؤمنين فتقول : يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل!! تدخل العجوز المسكينة على الأمير فتقول خلا بيتي مندالفئران!
من أجمل ما قرأت في تفسير الموقف الادبي الأخلاقي لشعراء العصر العباسي في مديح الخلفاء، ما قرره الدكتور شوقي ضيف رحمه الله تعالى في تاريخ العصر العباسي، وما أجمل ما قال:
قال كانوا أذا مدحوه بالعدل ذكروه به، وحضوه عليه، وإذا مدحوه بالشجاعة كأنهم يطالبونه العمل بمقتضاها، وإذا مدحوه بالجود والكرم كأنهم يحضونه عليه.
أيها الناس وخطابي للشباب المسلم خاصة، ” إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل” – عمر- وقد اكتشفنا ان بعضا أو كثيرا مما تم تلقيننا إياه، لم يأت به شرع، ولا يستقيم مع مقتضى العقل. وأننا مطالبون منذ اليوم، وقد صار جمهور هذه الامة وشبابها- بإذن الله في مكانة ان يقول فيسمع لقوله” أن نجري مراجعة شاملة لقواعد خطابنا السياسي، وأساليبه، ومقاصده. ونخرج من الجحر الذي ضربه علينا بعض الذين لا يعلمون.
نعيد الاعتبار فنتعلم كيف نسمع؟! ثم كيف نقول؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى