بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 28من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

قال تعالى في سورة الأحزاب

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً{56} إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً{57} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً{58} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{59} لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً{60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً{61} سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{62} .. إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً{64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{65} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً{68} … لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{73}الأحزاب.

الصلاة: كما يقول أهل اللغة, والمفسرون: هي الذكر, وهي الدعاء, وهي الفريضة المعروفة, وأضيف إليها معنى جديداً هي: المحبة والثناء والحمد والشكر لمحمد على عظيم صنعه, وفريد عمله, وخطورة إنجازه, فالصلاة من الصلة والتواصل والوصل والوصال, ومنه ينتج الود, وتنتج المحبة.. فهي اتصال الحبيب بحبيبه, والتقاؤه به, وجلوسه قربه, والحديث معه بأرق الكلمات, وأجمل المفردات, وأعذب العبارات, وأحلى الجمل. هي لحظة الصفاء والنقاء والمحبة والمودة, والمشاعر الجياشة الرفيقة الحميمة, بين المحبين.. وهكذا هي علاقة الله برسوله, وعلاقة الرسول بربه, وعلاقتنا بربنا وبرسولنا, وعلاقة ربنا ورسولا بنا, فهي من الحب والمحبة.. ألا يعد لقاء الحبيب بحبيبه خمس مرات في اليوم, وفي كل لقاء يتجدد الحب ويزداد, ويكون المحب أشوق ما يكون لحبيبه, ألا يكون هذا أعلى درجات الحب والغرام والعشق والشوق والهيام, نعم هو كذلك, لمن عرف معنى الحب الحقيقي, وذاق طعمه.. هكذا يقول الله سبحانه وتعالى عن علاقته بحبيبه وخليلة محمد صلى الله عليه وسلم ويبدأ كلامه بالقسم والتوكيد. (إن الله وملائكته يصلون على النبي): التوكيدية التي تجري مجرى القسم, ويذكر بعدها أسمه الأعظم (الله) صراحة ودون كتم للمشاعر أو إخفائها أو إسرارها وأمام الأشهاد, إن الله يحب رسوله محبة لا حدود لها, يعلنها أمام الملأ, بكل وضوح, ودونما تردد, ولا يكتفي بهذا, بل يجعل الملائكة كلهم يصلون على محمد, ويذكرون محمداً, ويشكرون محمدا على عظيم ما فعل, ويحبون محمداً. (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه): يأمرنا نحن أمراً واضحاً وصريحاً, وبالنداء, نداء الإهابة والاحترام والترجي والأمر أيضا: بأن نصلي على محمد, وصلاتنا أن نحب محمداً, ونظهر حبنا لمحمد, ونعلن شكرنا لمحمد وثناءنا على محمد, دون خجل أو تردد, فالله بعظمته جل جلالة يحبه ويعلن حبه, وملائكته يحبونه ويعلنون حبهم له, فلماذا لا نعلن نحن حبنا لمحمد, ونصرح بحبنا لمحمد, ونجاهر بحبنا لمحمد..

إن إعلان هذا الحب أصبح واجباً وفريضةً, وبه يصح الإيمان, ويكمل ويصدق ويتم, وبعدمه لا صحة للإيمان, ولا قبول للإيمان, فمحبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, هي الشرط الأول والأخير, لكسب رضا الله ومحبته, أو غضبة وعذابه وانتقامه.. قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31. فاتباع الرسول وحبه والصلاة عليه, هي الرقم السري للدخول في محبة الله, ومن لا يفعل ذلك, لا مكان له عند الله لا في الدنيا, ولا في الآخرة. (وسلموا تسليماً): ليس الحب فقط هو المطلوب, بل المطلوب أيضاً: الاستسلام الكامل لما جاء به محمدا, وأخذه والأخذ بما جاء فيه دون تردد أو نقاش أو جدال. وفوقه ومن خلال تطبيقه: الذكر الدائم للرسول بأعظم الصفات, وأعذب الكلمات, دون كلل أو ملل, ودون تذمر أو ضيق, وبنفس مطمئنة مرتاحة مشتاقة إلى ذلك, وباستسلام واندماج كامل, ومهادنة ومسالمة ومحبة كل من يهادن ويسالم ويسلّم ويصلي على رسول الله, ومحاربة ومعاداة كل من لا يصلي ولا يسلم ولا يأخذ بما جاء به محمد, وينفذ كل ما أمر به وأراده محمد. فالصلاة والسلام على الرسول, والمحبة للرسول, والاستسلام لما أمر به الرسول, وتنفيذ ما أمر به بدقة واجتهاد ورضى ومحبة هي الفيصل, وهي العلامة الفارقة, وهي الشرط الأساس, لحسن العلاقة مع الله ومع الآخرين. {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}الأحزاب57 .

كما أقسم بمحبته, وأعلن محبته, وأمر بمحبته, وأشهد على محبته, السماوات والأرض, والملائكة والبشر, الإنس والجن, كذلك فإنه يعلن ويقسم ويشهد على لعنة من يغضب رسول الله, ويؤذي رسول الله, ويكره رسول الله, ويحارب رسول الله, ويسيء إلى رسول الله.

والأذى كما قلنا: الشيء الذي تكرهه ولا تقر عليه, والأذية: الألم من غير وجع, وكما قلنا أيضاً: هو الألم النفسي, فهو ليس الأذى لشخص الرسول مباشرة, وإنما الإساءة إلى عرضه, والغمز منه, والطعن فيه, في نسائه وبناته ونساء المؤمنين.. وأذية الرسول هنا من خلال نشر الإشاعات الكاذبة الملفقة, وهي أذية لله, قبل أن تكون أذية للرسول, فقد جعل الله نفسه حماية ودريئة وسياجاً ووقاية لرسول الله, فالأذية قبل أن تكون لرسول الله, فهي أذية لله, فقدم نفسه على رسول الله: (إن الذين يؤذون الله ورسوله) فأذية الرسول, هي أذية لله, والأذية واحدة, والألم والانزعاج واحد, بل إن الرسول قد يتحمل, وقد يصبر وقد يسامح, ولكن الله لا يصفح, ولا يغفر, ولا يتساهل, ولا يتهاون, ولا يسامح من يخطئ في حق رسول الله, ومن يسيء إلى رسول الله.

قد يغفر الإساءة إليه, والتقصير بحقه, والاعتداء على بعض حقوقه وتجاوز بعض حدوده, ولكنه لا يتسامح أبداً مع من يتجاوز على رسول الله, ويؤذي رسول الله: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة): اللعنة عليهم, واللعن لهم في الدنيا وفي الآخرة, واللعنة في الدنيا: الطرد من رحمة الله, والبوء بعضب الله, وتسليط شياطين الإنس والجن عليه, وعدم توفيقه, وعدم المباركة في نفسه أو ماله أو عياله, وهي لعنة خاصة من الله مباشرة, تلاحقهم في حلهم وترحالهم, وأينما كانوا, وحيثما صاروا, وفي كل وقت وفي كل حين..

هذا في الدنيا, أمّا في الآخرة, فهناك الجزاء والعقاب والحساب والعذاب المعد إعدادا جيدا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى