مقالات

حل أزمة الاقتصاد المصري: بيع مزيد من الأصول أم إعلان إفلاس الدَّولة؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تتردَّد في الآونة الأخيرة، سواءً في الدَّوائر الاقتصاديَّة والإعلاميَّة أم في أوساط البسطاء من أبناء الشَّعب في مصر، أقاويل عن احتماليَّة تعرُّض البلاد إلى خطر الإفلاس، لا سيِّما بعد ورود عدَّة تقارير اقتصاديَّة لمؤسَّسات ماليَّة عالميَّة تحذِّر من عواقب تراكُم الدُّيون المصريَّة وعجْز الدَّولة عن السَّداد. فقد أصدرت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال العالميَّة للتَّصنيف الائتماني في 5 أبريل الجاري تقريرًا أشارت فيه إلى ارتفاع قيمة ديون مصر من 348.4 مليار دولار إلى 391.8 مليار دولار نهاية 2022م، مشيرةً إلى أنَّ مصر صارت “أكبر مصدر للدُّيون السِّياديَّة في المنطقة، بمبيعات للسَّندات بقيمة 73 مليار دولار بالعام الجاري”، وأنَّ الدُّيون الجديدة لن توجَّه لتحسين الأحوال المعيشيَّة وفتْح مجالات جديدة للمواطنين للكسب بإقامة مشروعات قوميَّة، إنَّما لتسديد ديون قديمة. وبرغم تحفُّظ السُّلطات الرَّسميَّة في التَّعليق على صحَّة تقرير ستاندرد آند بورز غلوبال، فقد أعلن البنك المركزي المصري في 18 أبريل الجاري أنَّ الدَّين الخارجي للبلاد قد ارتفع بقيمة 8.1 مليار دولار في الرُّبع الثَّاني من العام المالي 2021-2022م، ليصل إلى 145.529 مليار دولار. وفي ضوء تلك الأرقام المفزعة، بدأ القلق يساور كثيرين بشأن مدى إمكانيَّة إعلان إفلاس البلاد، أسوةً بلبنان، في ظلِّ الأزمة الاقتصاديَّة، سواءً نتيجة الرُّكود المصاحب لتفشِّي جائحة كوفيد-19 أو الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة.

هل يمهِّد الإعلام المصري لإعلان الإفلاس؟

يُلاحظ أنَّ الإعلام الرَّسمي في مصر تناوَل مسألة إعلان إفلاس لبنان مطلع أبريل من العام الجاري باهتمام بالغ، حيث تطرَّق إعلاميون، منهم عمرو أديب، في برامجهم المتلفزة إلى الأمر، مفردين له مساحة كبيرة في بعض الحلقات؛ كما نشرت صحف مقالات تتحدَّث عن إفلاس الدُّول بوجه عام، بما يُشعر بمحاولة من النِّظام الحاكم للتَّمهيد لإعلان إفلاس مصر، بما أنَّ الإفلاس محنة عانت منها دول عظمى، على رأسها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. أثارت صحيفة الشُّروق أسباب إفلاس الدُّول، في مقال بقلم عماد الدِّين حسين، تحت عنوان “ماذا يعنى إفلاس دولة؟!”، ومن الملفت أنَّ الكاتب أوضح أنَّ السَّبب الأبرز هو عجْز الدُّول عن سداد ديونها، وهو عين ما يهدَّد مصر، حيث يقول “عمليًّا فإن إفلاس الدَّولة يتحقق حينما تعجز عن سداد أقساط وفوائد الدُّيون وقت استحقاقها. هذا الأمر يمكن أن يتم بإعلان رسمي من حكومة هذه الدولة، أو من دون إعلان رسمي”. وكان ذلك المقال هو الثَّاني في يومين للكاتب ذاته، الَّذي سبقه بمقال تحت عنوان “إفلاس سريلانكا…مَن التَّالي؟!”، نُشر في 15 أبريل الجاري، تناوَل فيه معاناة سريلانكا من أزمة اقتصاديَّة طاحنة، أدَّت إلى نقْص الوقود، وشحّ الأغذية، وعجْز في الجهاز الخدمي. وقد نشر موقع مصراوي الإخباري المصري مقالًا عنوانه “بعد إعلان لبنان.. ماذا يعني إفلاس الدُّول وما أسبابه؟” مطلع أبريل، ناقش خلاله أسباب إفلاس الدُّول، محدِّدًا 3 أسباب أساسيَّة، هي تغيير الحكومة، ونقْص السُّيولة، والإعسار، دون إسقاط ذلك على واقع الأحداث في البلاد. هذا، وقد نشر موقع البوَّابة رسمًا توضيحيًّا (انفوغراف) تحت عنوان “دول كبرى أعلنت إفلاسها”، في محاولة لإثبات أنَّ كبرى اقتصادات العالم ليس من المستبعَد وقوعها فريسة للإفلاس.

رسم توضيح-“دول كبرى أعلنت إفلاسها”-موقع البوَّابة

تدهور الاقتصاد المصري لدرجة “التَّسوُّل”

تتوالى التَّقارير الاقتصاديَّة بشأن أداء الاقتصاد المصري وقدرته على مواجهة الأزمة الحالية، ومعظمها يكشف معاناة الاقتصاد المصري من مشكلة كبيرة، بسبب نقْص السُّيولة الماليَّة وزيادة الدُّيون، حتَّى من قبل اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة الَّتي أدَّت إلى سحْب مستثمرين أجانب أموالهم من مصر؛ ما أفضى إلى تراجُع حاد في الاحتياطي النَّقدي الأجنبي. فقد نشَر مشروع الدِّيمقراطيَّة للشَّرق الأوسط (بوميد) مطلع يناير 2022م تقريرًا تحت عنوان “إذا كنت تريد معرفة حال مصر في عهد السِّيسي تتبع الشُّؤون الماليَّة”، ادَّعى تفاوت الفجوة بين الحالة المعيشيَّة المتردِّية للطَّبقة الكادحة من أفراد الشَّعب وحالة الرَّفاهية الَّتي ينعم بها أبناء الطَّبقة الحاكمة. إلى جانب وصْف مصر القاسي بـ “الدَّولة المتسوِّلة”، أشار التَّقرير إلى أنَّ “المصريين يعانون من ركود الأجور وارتفاع الأسعار والبطالة المرتفعة، حيث يعيش حوالي 30 مليون مواطن على دخل يقل عن 3.20 دولار في اليوم”. وقد حذَّر التَّقرير ذاته من العواقب الوخيمة للأزمة الَّتي تمرُّ بها الاقتصاد المصري، والَّتي تنبئ بتكرار سيناريو لبنان في مصر على نحو أشدِّ قسوةً، حيث يقول “العواقب المدمِّرة للانهيار الاقتصادي في لبنان ستكون أسوأ إذا تكررت على نطاق مصري”.

تزامنًا مع سعي الحكومة المصريَّة إلى الحصول على قرض جديد، أدلت مديرة صندوق النَّقد الدُّولي، كريستالينا جورجيفا، الأربعاء 20 أبريل بتصريح بشأن الاقتصاد المصري، حيث وصفته بالمتدهور. وخلال مشاركتها في اجتماعات الرَّبيع لصندوق النَّقد والبنك الدُّوليين، دعت جورجيفا إلى مواصلة الإصلاحات الاقتصاديَّة، مشيرةً إلى احتياج شريحة كبيرة من أفراد الشَّعب إلى الدَّعم، بقولها “علينا التَّأكُّد من استمرار توفير الحماية الاجتماعيَّة الحيويَّة في مصر للوصول إلى هؤلاء الأشخاص الأكثر احتياجًا للدَّعم”، بحسب ما نشرته وكالة رويترز. وفي المقال، أعلنت وكالة فيتش للتَّصنيف الائتماني الخميس 21 أبريل عن تفاؤلها بشأن نمو الاقتصاد المصري مستقبلًا، حيث صنَّفته عند مستوى “+B”.

توقُّعات ببيع مزيد من الأصول المصريَّة لمواجهة الأزمة

لم يعد من المستبعد اتِّجاه الحكومة المصريَّة إلى بيع مزيد من أصول الدَّولة، من الأراضي والمصارف والشِّركات والمصانع والمباني المملوكة للدَّولة، إلى كيانات أجنبيَّة لسدِّ العجز المالي، أو لتسديد ديون مستحقَّة، وهو ما أثاره الدُّكتور أحمد ذكر الله، أستاذ الاقتصاد بكليَّة التِّجارة بجامعة الأزهر، في مقال تحت عنوان “الاقتصاد المصري وخطر الإفلاس: المؤشرات والمآلات”، نشره المعهد المصري للدِّراسات في 4 أبريل الجاري. وقد حذَّر الباحث من مغبَّة اللجوء إلى بيع الأصول المصريَّة لتجنُّب إعلان الإفلاس؛ لما في ذلك من ضياع للسِّيادة المصريَّة وتسهيل للتَّدخُّل الأجنبي في البلاد، متبعًا ذلك المقال بآخر تحت عنوان “الدُّيون المصريَّة في تقرير ستاندرد آند بورز: دلالات ومآلات”، نشره المعهد المصري للدِّراسات في 15 أبريل. كما يكشف العنوان، يتناول الباحث، التَّابع لإحدى الجامعات الحكوميَّة بمصر، التَّصنيف الائتماني المنحدر الَّذي منحته وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال لمصر مؤخَّرًا، كما سبقت الإشارة، محذِّرًا من أنَّ الدَّين العام لمصر قد يتضاعف إلى نصف تريليون دولار خلال عامين فقط، مع ارتفاع قيمة القروض الَّتي تحصل عليها الدَّولة، من 33.6 مليار دولار عام 2017م، إلى 73 مليارًا عام 2022م، ما يعني أنَّ عام 2024م قد تحتاج إلى اقتراض 110 مليارات دولار.

ونتساءل: هل يزداد التَّدخُّل الأجنبي في مصر ببيع أصولها للأجانب؟ وما تداعيات ذلك؟ وما مآل خروج دعوات من معارضين داخل مصر وخارجها إلى سْحب الثِّقة من النِّظام الحاكمة وإشعال انتفاضة شعبيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى