مقالات

أيها الأقصى الجريح لك علينا عهد أن تـسيل الدماء حتى تروي صخرة القدس والقباب الحزينة

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

كان والدي رحمه الله من على منبر الجمعة يكثر الاستشهاد بأبيات شاعر الأقصى يوسف العظم رحمه الله القائل:
يا حماة الأقصى الجريح أفيقوا *** أيـن أقـصاكم الذي تحمونه
قـد ملأتم رحب الفضاء كلاما *** وأثـرتـم من الحديث شجونه
ومـضيتم لمجلس الأمن ضعفا *** وهـوانـا وذلـة تـرجـونه
أن يـدين العدو يا لهف نفسي *** كـيف نرجو عصابة أن تدينه
أيـهـا المسجد الجريح سلام *** لك عهد على المدى لن نخونه
إن علت راية الرسول ودوت *** دعـوة الله وهـي فينا سجينة
أن تـسيل الدماء حتى تروي *** صخرة القدس والقباب الحزينة
حتى حفظناها منه لكثرة تردادها.
وعشت طيلة عمري أترقب تحقيق الأمنية العزيزة بتحرير الأقصى براية التوحيد طبعا، وليس بخِرَق سايكس بيكو التي لولاها لما كان لإسرائيل وجود أصلا، فقد قام كل كلب حراسة، أو ناطور حظيرة سايكس بيكو، بمهمته بالبطش بكل من يفكر ويعمل لخلع جرثوة إسرائيل التي زرعها المستعمر الكافر الغربي.
وكتبت المقالات وعقدت ندوات ومحاضرات ومؤتمرات عبر السنين، ولكن برغم هذا كله لم نصل إلى ما نصبو إليه من تحرير الأقصى الشريف، والذي هو درة أرض الإسراء والمعراج والقبلة الأولى للمسلمين، ومعه سائر أرض فلسطين.
حتى احترت، وأنا أرقب ما يجري من عدوان قطعان المستوطنين لحرم الأقصى الشريف، هل هناك من مزيد أكتبه ؟ أو هل هناك حلول أخرى أجدى وأفعل في تحقيق المطلوب؟؟
أنبه القاريء الكريم أن ما أكتبه أدناه سيكون الحقيقة العارية، مهما كانت مرّة، أعجبته أم أغضبته، مع تقبلي لكل نقد بناء، ولا أبالي..
العام الماضي ، في 17 أيار 2021 وعلى خلفية معركة “سيف القدس” ، حذرت من أن تنتهي “معركة سيف القدس” لتكون “جولة” من جولات عديدة في المواجهة مع إسرائيل، ودعوت إلى وجوب إعلان النفير العام وإعلان الجهاد لخوض حرب ضروس لا تضع أوزارها إلا بخلع جرثومة إسرائيل.
ولكن قناة الجزيرة نقلت، في 9- 4 -2022 عن “مصدر موثوق وقريب من فصائل المقاومة المنضوية في “غرفة العمليات المشتركة” في غزة أن قيادات بارزة من الصف القيادي الأول في حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، في غزة والخارج، تلقت وأجرت نحو 150 مكالمة هاتفية مع وسطاء خلال الـ 48 ساعة الماضية”. وهدفت هذه الاتصالات إلى “تحييد” قطاع غزة ومنع انزلاق الأوضاع نحو حرب واسعة جديدة،
وكشف المصدر ذاته،كما نقلت الجزيرة،عن أن “أطرافا غير معتادة دخلت على خط الوساطة لأول مرة، وتبذل جهودا إلى جانب الوسطاء التقليديين كمصر وقطر والأمم المتحدة، لضمان عدم دخول غزة عسكريا على “خط المواجهة””!
الحمد لله إذن انتهى الأمر بتهديد إسرائيل بالويل والثبور، قابلته إسرائيل بتأكيدها على الحرص على استمرار “حالة الهدوء على جبهة غزة”. وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وكفى الله المؤمنين شر القتال. فحرب المكالمات المكثفة، بمعدل ثلاثة اتصالات كل ساعة ليل نهار، حققت المطلوب، وعادت قياداتنا إلى غرف نومها ظافرة.
صحيح أن قطعان المستوطنين لم تسمع بالاتصالات ولم يهمها ذلك بل كررت اقتحاماتها لحرم الأقصى الشريف بحماية الشرطة وعلى ايام متوالية، وفرضت واقعا جديدا بقيامها بشعائر الصلاة اليهودية في باحات الحرم وهذه سابقة تمهد لفرض التقسيم الزماني والمكاني في الجولات القادمة، وهذا كله على مسمع ومرأى من غرفة العمليات المشتركة في غزة التي ترصد الوضع بدقة!
من المهم هنا ذكر أن عضو المكتب السياسي لحماس ونائب رئيسها في الضفة الغربية زاهر جبارين أكد أن المقاومة حددت للوسطاء “خطوط حمراء”، لا يمكنها السكوت عن أي تجاوز لها من جانب الاحتلال.وجدد تأكيده، للجزيرة نت، أن “لا تهدئة مع الاحتلال طالما استمرت اعتداءاته في القدس المحتلة، وحماس تشجع الكل الفلسطيني على المقاومة وتلقين الاحتلال الدروس على أي تجاوز لهذه الخطوط، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك”.
الذي أعرفه أن فعل “المقاومة” يأني من “قاوم يقاوم” أي حين يعتدي عليك طرف ما تقوم ب “رد العدوان” ومقاومة المعتدي…وحين يتركك في حال سبيلك فتتركه في حال سبيله، و”يا دار ما دخلك شر”. وماذا عن مصير الأقصى الشريف؟ وماذا عن تكرار اقتحامات قطعان المستوطنين فيما بات مسرحية مكشوفة لتكرار ما جرى من قبل في الحرم الإبراهيمي في الخليل وصولا إلى التقسيم المكاني والزماني للأقصى الشريف؟ لا شيء…ولكن غرفة العمليات جاهزة لجولات و جولات من الاتصالات المكثفة برعاية مصر (نعم مصر السيسي صاحب موقعة رابعة سيئة الذكر) وقطر (و هي الحليف الذي ما فتيء يضخ دولارات التي يسيل لها اللعاب )، و طبعا الامم المتحدة صاحبة وعد بلفور والانتداب البريطاني! أما الحديث عن تحرير فلسطين فهذا أصبح من مخلفات الماضي التليد، وضحية الواقعية السياسية. وحسبنا أن نخوض جولات وجولات متكررة من “المقاومة” لا تسمن ولا تغني من جوع!
والحمد لله أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان(1-4-2022) اتصل بالرئيس إسحاق هرتسوغ الذي استقبله استقبال الفاتحين في القصر الرئاسي في انقرة في 9- اذار 2022، و”أدان بشدة” الهجمات الفلسطينية التي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيليا خلال الأسبوعين الماضيين، بل ووصف الهجمات ب”الارهابية”! نعم حين يقوم الفلسطيني بمقاومة المحتل فهذا هو عين الإرهاب! وما هذا إلا جزء من الغزل التركي لقادة إسرائيل ليقبلوا باستقبال اردوغان.فقد نقل بيان صادر عن مكتب هرتسوغ عنه قوله إن “الرئيس أردوغان طلب إرسال تعازيه إلى العائلات الثكلى التي فقدت أحباءها وتمنى الشفاء العاجل للمصابين”. وفي المكالمة تمنى اردوغان ” بالنيابة عني وعن جميع مواطني تركيا، لمواطني إسرائيل والشعب اليهودي عيد فصح سعيد”، مضيفا أنه يرسل التمنيات بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، الذي ثبتت إصابته بفيروس كورونا .
طبعا، ومن باب “ضربة عالحافر وضربة عالمسمار”،أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الفلسطيني محمود عباس باستنكاره للتصرفات الإسرائيلية تجاه المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى بالقدس والتهديدات “لوضعه أو مكانته”.
ولا زالت تركيا تنتظر موافقة إسرائيل ليقوم وزير الخارجية التركي، يرافقه وزير الدفاع، بزيارة إسرائيل تمهيداً لإعادة السفراء بين البلدين ولزيارة مرتقبة لاردوغان لاسرائيل، ما يمكّن تركيا من التعاون مع اسرائيل في مد أنابيب الغاز لأوروبا عبر تركيا، بينما تصبح قضية الأقصى “نسيا منسيا” وإذا احتاج الأمر فالتصريحات الكلامية المعسولة جاهزة غب الطلب للضحك على السذج من البسطاء الذين لم يسمعوا بصولات وجولات الجيش التركي في قطر وليبيا وسوريا وأذربيجان!
أما إيران وعصاباتها ، فهل يخفى القمر؟؟ إنها تتوعد إسرائيل ب”يوم القدس” في الجمعة القادمة كما هو شأنها في كل رمضان، هذا اليوم الذي ترتعد له إسرائيل وتحسب له ألف حساب.
المهم الاسترسال في هذه التفاصيل يثير الغثيان والقرف.
نختصر القول بأن الشرع أوجب إعلان الجهاد لخلع جرثومة إسرائيل، فكل الجهود يجب أن تنطلق من هذا المنطلق: تحريض الجيوش على القيام بما فرضه الله، وعلى المسلمين جميعا الأخذ على ايدي الحكام السفهاء الذين يعطلون فريضة الجهاد، فضلا عن الذين يسيرون في ارتكاب الخيانة السافرة بإقامة العلاقات مع إسرائيل وفتح السفارات واستقبال السفراء وما شاكل مما يسمى “تطبيع” وهو الاسم المخفف للخيانة السافرة.
و حيث إن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” فأولى الواجبات هو في خلع الحكّام الذين يحمون كيان صهيون من أول يوم، وكل جهد، مهما ضؤل، يجب أن يصب في تحقيق هذا الهدف؛ عندها فقط تقصر مدة المعاناة، ونخرج بأقل التضحيات للفوز بشرف تحرير الأقصى المبارك والقدس الشريف….وغير هذا فهو إطالة للمعاناة ، وتبقى الأمة آثمة حتى يتم تحقيق هذا الواجب”.
صُدمتُ، قبل اسبوعين من رمضان، حين سألت الإمام خطيب الجمعة، وهو من أنصار حركة حماس: ما حكم الجهاد في فلسطين ؟ قال هو فرض عين على أهل فلسطين، فسألته وما حكمه في المسلمين خارج فلسطين؟ قال: نحن علينا واجب مناصرتهم بالدعاء والمال والدعم الاعلامي!
نعم حماس تستجدي وساطة المبعوثين من مصر وتركيا وقطر، و تكيل الثناء على “شهيد القدس” سليماني (وما أدراك مَن سليماني) ولكنها تُحجم عن استنهاض الأمة للجهاد لخوض معركة حاسمة فاصلة تخلع جرثومة إسرائيل.
رحمك الله يا أبي ورحم شاعر الآقصى يوسف العظم:
أيـهـا المسجد الجريح سلام *** لك عهد على المدى لن نخونه
إن علت راية الرسول ودوت *** دعـوة الله وهـي فينا سجينة
أن تـسيل الدماء حتى تروي *** صخرة القدس والقباب الحزينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى