كيف سيتعامل بايدن مع السَّعوديَّة بعد وصول العلاقات معها “شفير الانهيار”؟
تزداد العلاقات التَّاريخيَّة بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة توتُّرًا، لا سيِّما منذ الغزو الرُّوسي لأوكرانيا أواخر فبراير 2022م، الَّذي أحدث أزمة كبيرة في سوق النَّفط العالميَّة، ورفْض السَّعوديَّة الاستجابة لطلب الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، زيادة الإنتاج لتخفيض سعر البرميل، بعد حظْر بيع النَّفط الرُّوسي في الغرب لمعاقبة روسيا على الغزو. كما هو ثابت، كان إبرام اتِّفاق كوينسي (Quincy Pact)، في 14 فبراير 1945م بين الملِك عبد العزيز آل سعود، مؤسِّس السَّعوديَّة، والرَّئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين روزفلت، على متن سفينة أمريكيَّة يحمل الاتِّفاق اسمها، بداية العلاقات السَّعوديَّة-الأمريكيَّة الوطيدة، الَّتي قامت على أساس تقديم السَّعوديَّة النَّفط إلى أمريكا في مقابل الحصول على دعْم أمريكي غير مشروط. ويرى مراقبون أنَّ ذروة التَّفاهم السَّعودي-الأمريكي كانت مع خروج الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، من البيت الأبيض، وتولِّي بايدن الرِّئاسة في يناير 2021م، حيث سارع الأخير بفتح ملف مقتل الصُّحافي السَّعودي جمال خاشقجي في قنصليَّته بلاده في إسطنبول التُّركيَّة في أكتوبر 2018م، وتقدُّم نوَّاب أمريكيون بمشروع قانون لمعاقبة السَّعوديَّة على مقتل خاشقجي، برغم أنَّه لم يكن أمريكيًّا وإنَّما كان فقط يعيش بالولايات المتَّحدة.
وقد أرجع البعض ازدياد توتُّر السَّعوديَّة-الأمريكيَّة إلى إقدام إدارة بايدن على إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، برغم دعْم الأخيرة مليشيات الحوثي الشِّيعيَّة اليمنيَّة في استهدافها منشآت حيويَّة بالمملكة، ودون تقديم الحماية اللازمة للقطاع النَّفطي السَّعودي، وهو الأكثر تضرُّرًا من الهجمات الحوثيَّة. ويُلاحظ في الآونة الأخيرة أنَّ النِّظام الحاكم في المملكة الخليجيَّة، بقيادة وليِّ العهد الشَّاب الأمير محمَّد بن سلمان، بدأ يتَّجه شرقًا، ناحية روسيا والصِّين، مؤسِّسًا تحالفات جديدة تغنيه عن الحليف الأمريكي، الَّذي يتعرَّض لمحنة حقيقيَّة من جرَّاء ارتفاع أسعار المحروقات، وتجبره تلك المحنة على طلب ودِّ السَّعوديَّة. غير أنَّ القيادة السَّعوديَّة الحالية تترفَّع عن التَّواصل مع إدارة بايدن، بل ورفضت الوساطة البريطانيَّة لتقريب وجهات النَّظر. نتيجة لذلك، اضطرَّ بايدن إلى إعلان نيَّته سحْب مليون برميل يوميًّا من الاحتياطي النَّفطي الأمريكي، ولمدَّة 6 أشهر، في محاولة لسدِّ العجز وتخفيض سعر البرميل، الَّذي وصل إلى 140 دولارًا، وكانت هناك توقُّعات بتجاوزه 200 دولار، مع استمرار الأزمة.
تقارُب روسي-سعودي يهدِّد مصالح أمريكا
تلقَّى الرَّئيس جو بايدن عدَّة تحذيرات من مغبَّة فقدان الولايات المتَّحدة حليفها الأكبر في منطقة الشَّرق الأوسط، المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، المنتج الأكبر للنَّفط في المنقطة؛ لأنَّ في ذلك ما سيصبُّ في مصلحة كلٍّ من روسيا والصِّين، المنافسين الأشرس للولايا المتَّحدة في الهيمنة على الاقتصاد العالمي. وبالفعل، بادر بايدن بالاتِّصال بوليِّ العهد السَّعودي، لكنَّ الأخير رفَض الرَّدَّ، كما رفَض زيارة وزير الخارجيَّة الأمريكي لبلاده في مارس الماضي. من ناحية أخرى، تلقَّى الأمير محمَّد بن سلمان اتِّصالًا من الرَّئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منتصف أبريل الجاري، هو الثَّاني منذ الغزو الرُّوسي لأوكرانيا، تناولا فيه مستجدَّات أزمة الحرب في أوكرانيا، إلى جانب سُبل تحقيق الاستقرار في سوق النَّفط العالميَّة، كما نشرت وكالة الأنباء السَّعوديَّة “واس”. وجاء في بيان الكرملين أنَّ الزَّعيمين تطرَّقا إلى سُبل تعزيز التَّعاون داخل مجموعة الدُّول المصدِّرة للنَّفط، أوبك +، حيث جاء في البيان “لقد تطرَّقا إلى القضايا الملحَّة للتَّعاون الثُّنائي، بما في ذلك في المجال التُّجاري والاقتصادي…وأعربا عن رغبتهما المشتركة في تطوير علاقات متبادلة على أساس المصالح المشتركة بين روسيا والسَّعوديَّة في المستقبل”. ومن الملفت أنَّ اتِّصال محمَّد بن سلمان بالرَّئيس الرُّوسي تزامَن مع اتِّصال وليِّ العهد السَّعودي الشَّاب بالرَّئيس الصِّيني، شي جين بينغ، تناقشا خلاله حول “أوجه العلاقات الثُّنائيَّة المتميزة بين البلدين وسبل تطويرها ضمن أعمال اللجنة السَّعوديَّة الصِّينيَّة المشتركة”، واتَّفقا على تعزيز التَّعاون والشَّراكة مستقبلًا، كما نقلت وكالة الأنباء السَّعوديَّة “واس”. هذا، ومن المقرَّر أن يزور شي جين بينغ السَّعوديَّة مايو 2022م، في زيارة تاريخيَّة قد تفوق حفاوة استقباله خلالها ما لاقاه ترامب في زيارته الشَّهيرة للمملكة في مايو 2017م.
إسرائيل تتوسَّط للمصالحة بين أمريكا والسَّعوديَّة
كما سبق القول، فشلت محاولة بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، إنهاء الخلاف بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة، بعد زيارة إلى المملكة في 16 مارس الماضي، لم تثمر عن نتائج إيجابيَّة. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة الشَّهيرة قد نشرت في 1 أبريل 2022م، مقالًا وجَّهت خلاله نصيحة للرَّئيس الأمريكي باسترضاء السَّعوديَّة في أسرع وقت ممكن، خشية أن يخسر تحالفه معه لصالح الصِّين. وتأكيدًا على أهميَّة استقرار العلاقات السَّعوديَّة-الأمريكيَّة، كرَّر السَّفير الإسرائيلي لدى الولايات المتَّحدة، مايكل هرتسوغ، نصيحة وول ستريت جورنال، داعيًا بايدن إلى محاولة إصلاح علاقته بالمملكة، كما جاء على موقع أكسيوس الأمريكي. وتأتي دعوة هرتسوغ تلك ردًّا على مطالبة نوَّاب في الكونغرس الأمريكي بايدن أن يتعامل بصورة أكثر صرامة وجدِّيَّة مع السَّعوديَّة، حيث يرى السَّفير الإسرائيلي أنَّ المملكة “لاعب مهم للغاية في منطقتنا، وفي العالم الإسلامي ككل من النَّاحية الاستراتيجيَّة، وأنا لا أتجاهل كل الصُّعوبات، وأعتقد أن هذا مهم جداً لمنطقتنا أنَّ تتحسَّن العلاقات”. وأشار هرتسوغ إلى ضرورة رأْب الصَّدع بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة؛ لمواجهة التَّحدِّيات والتَّهديدات الإيرانيَّة، لا سيِّما النَّوويَّة، حيث صرَّح بقوله “تنظر بقلق إلى التَّوتُّر المستمر في العلاقات بين إدارة الرَّئيس الأمريكي جو بايدن والسَّعوديَّة، وتخشى أن يؤدِّي ذلك إلى تقارب سعودي مع روسيا والصِّين، وإلى وجود أمريكي أقل في الخليج، ما قد يشجِّع إيران”.
السُّخرية من بايدن في برنامج سعودي: مؤشِّر جديد على سوء العلاقات
في تأكيد جديدة على توتُّر العلاقات السَّعوديَّة-الأمريكيَّة، قدَّم مسلسل “ستوديو 22” الكوميدي، الَّذي تعرضه قناة MBC السَّعوديَّة في شهر رمضان، فقرة للسُّخرية من الرَّئيس جو بايدن، في محاولة لإثبات خور صحَّته وهرمه وضعْف ذاكرته واحتياجه إلى الدَّعم من العاملين في إدارته. وتظهر امرأة إلى جانب بايدن، من المفترَض أنَّها تمثِّل نائبته، كامالا هاريس، تسند الرَّئيس وتحميه من السُّقوط أرضًا، للإيحاء بأنَّها هو الحاكم الفعلي لأمريكا. وقد علَّقت قناة Fox News الإخباريَّة الأمريكيَّة على الحدث، حيث قال مقدِّم البرامج تاكر كارلسون، ملفتًا النَّظر إلى تغيُّر موقف السَّعوديَّة، الَّتي وصَفها بـ “الحليف القديم”، من بلاده “في هذه الدَّولة-يقصد أمريكا-لا يسمح لبرنامج ساترداي نايت لايف بالسُّخرية من الخرف الواضح لبايدن، ولكنَّ في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، الحليف القديم، البرامج الكوميديَّة لا تمتنع عن ذلك، ربمَّا بعض الأشياء قد تغيَّرت”.
من ناحية أخرى، فجَّرت صحيفة وول ستريت جورنال مفاجأة جديدة بشأن تعامُل وليِّ العهد السَّعودي مع إدارة بايدن، حيث نشرت في 19 أبريل 2022م مقالًا تحت عنوان ” How U.S.-Saudi Relations Reached the Breaking Point”، أو كيف وصلت العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة على شفير الانهيار، أشارت فيه إلى أنَّ الأمير الشَّاب صرخ في وجه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، لمَّا فتَح الأخير معه الحديث حول ملف مقتل جمال خاشقجي، عند زيارة سوليفان المملكة في سبتمبر الماضي، معتبرةً أنَّ العلاقات بين البلدين “وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود”، وأنَّ الخلافات تعمَّقت منذ اتِّخاذ السَّعوديَّة موقفًا داعمًا لروسيا في غزوها لأوكرانيا، على عكس الموقف الأمريكي. كتبت الصَّحيفة الشَّهيرة نصًّا “سعى ولي العهد السَّعودي، الأمير محمد بن سلمان، الَّذي كان يرتدي سروالًا قصيرًا في قصره على شاطئ البحر، إلى الاحتفاظ بنبرة هادئة في أول لقاء له مع مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن، جيك سوليفان، في سبتمبر الماضي، ولكن انتهى الأمر بولي العهد البالغ من العمر 36 عاما إلى أن يصرخ في وجه السَّيد سوليفان بعد أن أثار الأخير موضوع مقتل الصحفي السُّعودي جمال خاشقجي في عام 2018”.
ونتساءل: كيف سيتعامل بايدن مع السَّعوديَّة بعد تقارُب الأخيرة من روسيا والصِّين بما يضرُّ بالمصالح الأمريكيَّة؟ هل يلين موقف وليِّ العهد السَّعودي ويقبل زيادة إنتاج النَّفط، أم يصرُّ على رفْض الطَّلب الأمريكي فتزداد أزمة النَّفط سوءًا؟ هل يفرض بايدن عقوبات على المملكة استجابة لدعوات أعضاء الكونغرس الأمريكي، أم يتركها لقمة سائغة في فم ميلشيات الحوثي الشِّيعيَّة المدعومة من إيران؟