مقالات

قممٌ عربية واجتماعات متتالية! فما الذي يجري في المنطقة؟

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

أربعة وزراء دول عربية من المغرب ومصر والإمارات والبحرين طاروا إلى”النقب”واجتمعوا مع وزير خارجية اسرائيل، وحلَّ عليهم ضيفا وزير الخارجية الأمريكي حاملا رسالة الشرق الأوسط الجديد.. قبل هذا الاجتماع قمة أخرى جمعت لأول مرة في شرم الشيخ السيسي وابن زايد ورئيس وزراء اسرائيل.. ومابين هاتينِ القمتين، عُقدت قمةٌ أخرى في مدينة “العقبة” الأردنية ضمَّت العاهل الأردني ورئيس وزراء العراق وابن زايد والسيسي، وقيل أن ممثلا عن السعودية كان في الاجتماع.. وأما آخر هذه اللقاءات كانت زيارة رئيس دولة الاحتلال إلى الأردن.. فما الذي يجري؟ ولم كل هذه القمم والاجتماعات؟.الإجابة تبدأ من خارج المنطقة العربية، حيث بدأ العالم يتغير، ومن لم يواكب أي تغير ويبقى في مكانه عادة مايكون هو الخاسر.أولاً: خارطة العالم يُعاد تشكيلُها؛ الولايات المتحده الأمريكية والصين على أعتاب حرب ساخنة، تعقب حربهما الباردة التي بدأت منذ سنوات في الصراع على زعامة العالم، الصين قد حدد عام 2030 كسقف لطموحها الذي صبرت عليه لسنوات، وواشنطن تريد الدفاع عن عرشها حتى الرمق الأخير، ثم تأتي روسيا لتقطع هذه الحرب بالإعلان عن حقها الشرعي التاريخي بحجز مقعدٍ على القمة وبعالم متعدد الأقطاب كما أعلن لافروف وزير الخارجية الروسيي مؤخرا لتعيد بمطالبتها هذه بعثرة الأوراق المتبعثرة أصلا.. ومابين واشنطن وبكين وموسكو يوجد اتحادٌ أوروبي يطل برأسه حتى لا يبقى في الصفوف الخلفية، لكن روسيا أعادت تذكيره بأن قمة العالم ضيقة ولاتتسع للكثيرين.. وفى ظل هذه الحرب المستعرة على زعامة العالم، نرى أمريكا سعت لتفريغ حمولتها وتخفيف أعبائها للتفرغ أكثر للصين، فخرجت من أفغانستان وأعادت رصّ صفوف حِلفها العجوز المُسمى بالناتو، كما أعلنت عن تحالف “اوكوس” الثلاثي بينها وبين استراليا وبريطانيا للتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي، واستعدت لترك الشرق الأوسط فجمعت أغراضها بهدف الرحيل تاركة المنطقة لشرطيها القديم المُسمى إيران، وهى على وشك توقيع اتفاق نووي معها يضمن تنازل واشنطن عن المنطقة وتركها للإيرانيين الذين يتواجدون بقوة عن طريق أذرعها في أربع عواصم عربية من بغداد إلى دمشق مرورا ببيروت ووصولا إلى صنعاء، لتشكل بذلك حصار مطبق فرضته على الدول العربية في جزيرة العرب.ثانياً: هذا الأمر بالنسبة للدول العربية تطلب تحركا عاجلا، وهو مابدأ فعلياً مع انفتاح العرب على الأتراك وطي خلافات السنوات العشرة الأخيرة، وتم ترميم البيت الخليجي بمصالحة سريعة مع دولة قطر وإعلان اتفاق العُلا، وكذلك محاولة عربية قادتها الإمارات باستقبال بشار الأسد في محاولة لجلب دمشق للعرب علها تقطع الطريق على إيران، ثم جاء قرار السعودية والكويت بعودة سفيريهما إلى لبنان، والأهم من كل ذلك تحالف العرب مع إسرائيل القوة العسكرية الأكبر في المنطقة.إيران على أعتاب امتلاك قنبلة نووية ووحدها اسرائيل من تمتلك هذا الامتياز النووي في المنطقة، وهنا تحديداً تخفت كل الأصوات ليعلو صوت السياسة، قائلاً لقادة العرب: “خطر إيران قادم”وهو أمر لااستهانة به ولاتهاون، وواهم من يقلل من شأن هذا الخطر، وتكفي نظرة في بلاد العرب التي تحضر بها مليشيات طهران لمعرفة مصير ماينتظر باقي بلاد العرب، فلا أحد يرغب أن يصبح كالعراق تتنازعه مليشيات تأتمر من الحرس الثوري الإيراني والتي تعطل حتى الآن انتخاب رئيس للبلاد وتعيق أي محاولة للإصلاح ماجعلت بلاد الرافدَيْن ساحةً لتصفية الحسابات، ولا أحد يرغب أن تكون بلاده كلبنان بلد على حافة انهيار كبير”أعلن افلاسه” تهيمن على حكومته ومشهده السياسي مليشيا بقوة السلاح تسمى “حزب الله”، وكذلك لا أحد يرغب بأن تكون بلاده كاليمن حيث جماعة الحوثي المدعومة من طهران والتى خرجت من الكهوف الجبلية وهيمنت على السلطة بقوة السلاح وانقلبت على الثورة والشرعية ووضعت البلاد على حافة أزمة إنسانية غير مسبوقة.ثالثا: لكل من يقلل من شأن الخطر الإيراني عليه أن يعلم أن طهران جادة وصاحبة مشروع توسعي ولايهمها ماحلّ بعواصم العرب التي احتلتها من خراب ودمار طالما هي متواجدة فيها، وبالقطع من يصمت وينتظر فسيأتيه الدور وربما سريعا.ايران توسعت في السنوات الأخيرة وهي تعاني حصارا دوليا، ومفروض عليها رزمة ضخمة من العقوبات، فكيف الحال إذا ما أنجزت اتفاقا مع واشنطن وأصبحت تتحرك بحرية أكبر ومن دون حصار أو عقوبات؟! بالقطع ربما ترفرف أعلامها هذه المرة في كل مدن جزيرة العرب.. لذا كان لابد للعرب من تحرك، وهذا التحرك لم يقتصر فقط على التعاون مع تل أبيب، بل كما سبق وذكرنا آنفا شمل محاولات أخرى كإعادة ترميم العلاقات مع الأتراك، ومحاولة لإقناع دمشق بالعدول عن الركوب في قافلة إيران، وكذلك استطلاع لرأي بغداد عبر اجتماع العقبة الذي ضم الأردن والإمارات ومصر ورئيس وزراء العراق.. إذن هى تحركات على كافة الأصعدة، لكن تل أبيب هى الأبرز فيها حيث تمتلك قدرات عسكرية متفوقة قد تمنع إيران من التوغل أكثر خارج حدودها (هكذا يفكر قادة العرب)، فإيران النووية في حال تحقق حلمها لن تتمكن الدول العربية وحدها من ردعها لذلك يقرر طراطير العرب التحالف مع تل أبيب ضد إيران، هذا من حيث الغطاء العسكري.. لكن هذه القمم والتحركات الجديدة وبحسب تبريرات عقلية القادة العرب فإن لها عوائد اقتصادية قد تعود بالنفع على البلاد العربية وتفادي ما قد ينتج من أزمة غذائية في العالم كله جراء الحرب الروسية الأوكرانية.رابعاً: الصهاينة بحكم الأمر الواقع قوة إقليمية ولاعب رأسي على الساحة الدولية وليس فقط في المنطقة.”نصيب فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني من هذه القمم”الأمر لم يتعد شعارات قديمة مستهلكة لذر الرماد في العيون، فلم تتطرق هذه القمم للحل النهائي للقضية الفلسطينية، فقُبَيل هذه القمم والاجتماعات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي استبق ابن سلمان هذه التحركات بتصريح “أن لاعلاقات مفتوحة بالكامل مع تل أبيب إلا بتسوية النزاع مع الفلسطينين، وكذلك في تصريحات باقي المسؤلين العرب، وأيضا عقب قمة النقب خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى ليتحدث عن انتعاشة اقتصادية للفلسطينين ليرسخ بذلك مفهوم صفقة القرن “الاقتصاد مقابل السلام” وليس “الأرض مقابل السلام”!!.. الخلاصة؛ أن هذه القمم والاجتماعات ومايشبه التحالفات الجديدة ماهو إلا تحركات سياسية تهدف لدرء الخطر الأكبر- بنظر قادة العرب- الخطر القادم من الشرق حيث إيران، ونظرا لأنها تحركات سياسية فهذا يعني أنها تحالفات مؤقتة ومرتبطة بمصلحة عاجلة، والجميع يدرك أن في السياسة لاعداوة تدوم ولاصداقة تستمر.علينا الإستفادة من الوقت واستثماره فى بناء تحالفا إقليميا للربيع العربى، يمكنه أولاً مواجهة تحالف أنظمة الفساد والاستبداد والتبعية، والقمم المزيفة، عندها تعود حقوق الشعب الفلسطينى كاملة.. وتكون القمم تاج نفتخر به يستحق التقدير والاحترام..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى