دين ودنيا

زكاة الفطر

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


معنى الزكاة
الزكاة لغة:
النموّ والبركة وزيادة الخير، يقال: زكا الزرع إذ نما، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وفلان زاكٍ أي كثير الخير وتطلق على التطهير قال تعالى: {قَدْ أَفلحَ من زكاهَا}( 1) طهرها من الأدناس وتطلق أيضاً على المدح، قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم}( 2) أي تمدحوها، وقال تعالى: {قَتَلْتَ نَفْساً زَاكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}( 3) أَيْ نَامِيَةً كَثِيرَةَ الْخَيْرِ( 4).
شرعاً:
اسم لقدر مخصوص، من مال مخصوص، يجب صرفه لأصناف مخصوصة، بشرائط معلومة.
وسميت بذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها، ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الإثم وتمدحه حتى تشهد له بصحة الإيمان(5 ).
زكاة الفطر:
يقال زكاة الفطر وصدقة الفطر.
ويقال للمخرج فِطرة بكسر الفاء لا غير وهى لفظة مولدة(6) لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية للفقهاء وكأنها من الفطرة التى هي الخلقة أي زكاة الخلقة( 7).
دليل المشروعية
1- حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ» متفق عليه( 8)
2- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. متفق عليه( 9)
3- حديث أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ – رضى الله عنه ـ المتفق عليه( 10):
«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»
حكمها
أجمع العلماء أن زكاة الفطر واجبة، ولا فرق بين قولنا واجبة أوفرضاً، إلا عند الحنفية إذ الواجب عندهم ما ثبت بدليل مظنون، والفرض ما ثبت بدليل مقطوع( 11).
قال القرافي( 12):
هي وَاجِبَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ وَحَكَى أَبُو الطَّاهِرِ قَوْلًا بِأَنَّهَا سُنَّةٌ.
وعند الحنابلة:
وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ( 13)، ولَا يَسْقُطُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ(14 ).
وهِيَ عند أبي حنفية وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ فَرْضًا كَالْوِتْرِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ( 15)
وقالوا لفظة (فَرَضَ) التي في الحديث معناها قدَّر(16 )
شروط وجوبها
1- الإسلام: لقوله في الحديث المتفق عليه “من المسلمين”(17 )، فزكَاةُ الْفِطْرِ تَلْزَمُ الرَّجُلَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ( 18)
والْمُشْرِكُ لا زكاة عليه إجماعاً(19 )، لِأَنَّهُ لَا يطهر بالزكاة إلا مسلم( 20)
2- الحرية: فأما الْعَبْدُ فَزَكَاةُ فِطْرِهِ عَلَى سَيِّدِهِ( 21)، فليس على الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة غيره(22 ).
3- اليسار: فالمعسر لا فطرة عليه بلا خلاف( 23) والاعتبار باليسار والإعسار بوقت الوجوب؛ فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه صاع فهو موسر.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَجِبُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا عَلَى مَنْ مَعَهُ نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَاعْتَبَرَ إِحْدَى الزَّكَاتَيْنِ بِالْأُخْرَى اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – (أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ) فَجَعَلَ الْغَنِيَّ مَأْخُوذًا مِنْهُ، وَالْفَقِيرَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ الْفَقِيرُ مَأْخُوذًا مِنْهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ الْغَنِيُّ مَرْدُودًا عَلَيْهِ(24 ).
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَذَهَب الشافعي: عُمُومُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – (فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ(25 ).
ومذهب مالك موافق لمذهب الشافعي، فقالوا:
يُؤَدِّي زَكَاةُ الْفِطْرِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ، إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ قُوتِ يَوْمِهِ، أَخْرَجَهَا(26 ).
وقالوا: تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَعَلَى الْمُحْتَاجِ إِنْ وَجَدَ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُسْلِفُهُ( 27).
وَأَمَّا الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ( 28) حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ.ومن وجبت عليه فطرة نفسه وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته من حرٍ وعبدٍ إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم فاضلا عن نفقة ليلة العيد ويومه( 29).
وقال أبو حنيفة لا تجب الا علي من يملك نصابا من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصاب فاضلا عن مسكنه وأثاثه(30 )

متى تجب زكاة الفطر
مذهب الشافعية:
عند الشافعية ثلاثة أقوال:
أصحها باتفاقهم: تجب بغروب الشمس ليلة عيد الفطر وهو نصه في الجديد( 31) وبه قال الثوري وأحمد واسحق ورواية عن مالك(32 ).
ودليل ذلك قَوْلُهُ: فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ نَهَارِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ(33 ).
الثاني: تجب بطلوع فجر يوم العيد(34 ) وبه قال أبو حنيفة( 35) وأصحابه وأبو ثور وداود ورواية عن مالك( 36)، وقال بعض المالكية تجب بطلوع شمس يوم العيد( 37)
الثالث: تجب بالوقتين جميعا فلو وجد أحدهما دون الآخر فلا وجوب خرجه ابن القاص وضعفه الاصحاب وأنكروه عليه( 38).
ويستحب إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين(39 )
ويجوز إخراجها عند الشافعية قبل ذلك في أي يوم من رمضان لا قبله(40 ).
وقال مالك: يُندب قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّيْ، قَالَ: فَإِنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا(41 )
واجمعوا على أن الافضل أن يخرجها يوم الفطر قبل صلاة العيد قال وجوز مالك واحمد والكرخي الحنفي تقديمها قبل الفطر بيوم ويومين(42 )
مذهب أبي حنيفة:
يجوز أَدَاءُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ( 43).
وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ(44 )
وعن الحسن عن ابي حنيفة تقديم سنة أو سنتين.
وقال داود لا يجوز تقديمها قبل فجر يوم العيد ولا تأخيرها الي ان يصلي الامام العيد(45 )
قال النووي( 46): مذهبنا أنه لو أخرها عن صلاة الامام وفعلها في يومه لم يأثم وكانت اداء وان اخرها عن يوم الفطر اثم ولزمه اخراجها وتكون قضاء
وقال الحسن ابن زياد وداود ان لم يؤدها قبل صلاة العيد سقطت فلا يؤديها بعدها كالاضحية إذا مضي وقتها وحكي ابن المنذر وأصحابنا عن ابن سيرين والنخعي أنه يجوز تأخيرها عن يوم الفطر.
مذهب المالكية
يوجد أربعة أقوال في مذهب مالك:
تحب بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ.
تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ
وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إِلَى غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْفطر
قَالَ القَاضِي أَبُو بكر وَالْأول الصَّحِيح(47 ).
وَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ(48 )
قال مالك: وأفضل الأوقات بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى( 49).
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ أَنْ يُؤَدِّيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا( 50). مَنْ أَخَّرَ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَضَاهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ(51 )
وَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ مَا دَامَ يَوْمُ الْفِطْرَةِ قَائِمًا فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ( 52)
وَإِنْ أَخَّرَهَا الْوَاحِدُ سِنِينَ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ( 53).
مذهب الحنابلة:
تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَاخْتَارَ مَعْنَاهُ الْآجُرِّيُّ
وَعَنْهُ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ.
قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَعَنْهُ يَمْتَدُّ الْوُجُوبُ إلَى أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ( 54).
وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ(55 )

ماذا يخرج في زكاة الفطر
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن زكاة الفطر لا تكون إلا في تلك الأصناف الخمسة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري، ودليلهم الحديث(56).
ففي المبدع(57 ):
وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ، أَوْ دَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَمِنَ الْأَقِطِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَعْدَمَهُ، فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ يُخْرِجُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ، وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا وَلَا خُبْزًا، وَيُجْزِئُ إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ التَّمْرُ، ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ بَعْدَهُ،
وَصَرِيحُهُ إِجْزَاءُ الدَّقِيقِ؛ وَهُوَ الطَّحِينُ، وَالسَّوِيقُ؛ وَهُوَ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ يُقْلَى ثُمَّ يُطْحَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ،
وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ»( 58) قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ( 59).
قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ كُفِيَ مُؤْنَتَهُ، كَتَمْرٍ نُزِعَ حَبُّهُ، وَيُعْتَبَرُ صَاعُهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيُفَرِّقَ الْأَجْزَاءَ بِالطَّحْنِ.
وفي الروض المربع(60 ):
(ويجب) في الفطرة (صاع) أربعة أمداد، (من بر أو شعير أو دقيقهما أو سويقهما) أي سويق البر أو الشعير، وهو ما يحمص ثم يطحن.
ويكون الدقيق أَو السويق بوزن حبه (أو) صاع من تمر أو زبيب أَو أَقط يعمل من اللبن المخيض
وقد رد الماوردي( 61) على الحنابلة في مسألة الدقيق والسويق فقال: وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَبَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالْهَرْسِ وَالِادِّخَارِ، وَالدَّقِيقُ مَسْلُوبُ الْمَنَافِعِ إِلَّا الِاقْتِيَاتَ فَلَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُهُ لِنَقْصِ مَنَافِعِهِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ.

مذهب الشافعية:
من غالب قوت البلاد طالما أنه قوتُ مدخر، وقالوا أن حديث أبي سعيد الخدري ذكر قوت أهل المدينة، كما أن الأصناف الخمسة المذكورة على سبيل المثال لا الحصر.
قال الشافعي رضي الله عنه: “وأي قوتٍ كان الأغلب على الرجل أدى منه زكاة الفطر كان حنطة أو ذرةً أو عَلَسًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا”( 62).
ولا يجوز اخراج الدقيق وقال أبو القاسم الانماطي يجوز لانه منصوص عليه في حديث ابي سعيد الخدرى والمذهب انه لا يجوز لانه ناقص المنفعة عن الحب فلم يجز كالخبز، وأما حديث ابي سعيد (فقد) قال أبو داود روى سفيان الدقيق ووهم فيه ثم رجع عنه( 63).
قال النووي(64 ): جميع الاقوات المعشرة تجزئ في الجملة ولا يستثنى منها شئ، قال الرافعى وحُكِيَ قول قديم أنه لا يجزئ العدس والحمص وإن كان قوتاً لهم والمذهب الاول.
واخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَقْوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ، هَلْ هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى التخيير؟ فله فيه قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ، وَالْمُزَكِّي مُخَيَّرٌ بَيْنَ جَمِيعِهَا، فَمِنْ أَيِّهَا أَخْرَجَ أَجَزْأَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – أَنَّهُ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ فَجَاءَ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُوَاسَاةٌ وَالتَّخْيِيرُ فِيهَا أَيْسَرُ والتسوية بين جميعها أرفق، فعلى هذا من أي قوت أَخْرَجَهَا أَجْزَأَهُ، وَبَعْضُ الْأَقْوَاتِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَالتَّمْرُ وَالْبُرُّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمَا(65 ).
قال شيخنا وهبة الزحيلي(66 ):
وذهب الشافعية إلى أنها تجب من غالب قوت البلد أو المحل؛ لأن ذلك يختلف باختلاف النواحي، والمعتبر في غالب القوت غالب قوت السنة، ويجزئ الأعلى عن الأدنى، لا العكس، وذلك بزيادة الاقتيات في الأصح لا بالقيمة، فالبُرّ خير من التمر والأرُزّ، والأصح أن الشعير خير من التمر، وأن التمر خير من الزبيب، ولا يبعَّض الصاع المخرج عن الشخص الواحد من جنسين، ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها تخير، والأفضل أشرفها، والواجب: الحب السليم، فلا يجزئ المسوس والمعيب وإن كان يقتاته.
مذهب المالكية:
يرى المالكية: تُخْرَجُ مِنْ غَالِبِ عَيْشِ الْبَلَدِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ(نوع من الشعير) وَالْأُرْزُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ (يابس اللبن المخرج زبده).فيتعين الإخراج مما غلب الاقتيات منه من هذه الأصناف التسعة، ولا يجزئ الإخراج من غيرها، ولا منها إن كان غالب القوت غيره، إلا أن يخرج الأحسن، كالقمح بدل الشعير. وزكاة الفطر صاع (أربعة أمداد) والمد: حفنة ملء اليدين المتوسطتين(67 ).
ولَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَدْفَعَ فِي الْفِطْرَةِ ثَمَنًا( 68)، أو عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ( 69)
لَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيق( 70).
لَوْ أَعْطَى زَكَاةَ نَفْسِهِ وَحْدَهُ مَسَاكِينَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ( 71)
لَا يُعْطَى مِنْهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا الْعَبِيدُ( 72)
مذهب الحنفية:
نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ(73 )
وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا كَالْحِنْطَةِ، وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ كَالشَّعِيرِ(74 )
وذهب أبو حنيفة إلى جواز دفع القيمة( 75)، وحكاه ابن المنذرعن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري.
ورَدَّ الماوردي( 76) على الحنفية بقوله صلي الله عليه وسلم ” في صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير ” إلي آخره ولم يذكر القيمة ولو جازت لبيّنها فقد تدعوا لحاجة إليها.


( 1) سورة الشمس الآية 9
( 2) سورة النجم الآية 32
(3) سورة الكهف الآية 74
( 4) الحاوي الكبير (3/ 71)
( 5) الحاوي الكبير (3/ 71)، المجموع (5/325)
( 6) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 357)
( 7) الحاوي الكبير 3/ 348، المجموع 6/103، حاشية ابن عابدين 2/ 358، مواهب الجليل 2/ 365
( 8) صحيح البخاري 2/ 130، صحيح مسلم 2/ 677
( 9) صحيح البخاري 2/131، صحيح مسلم 2/678 برقم984
( 10) صحيح البخاري 2/ 131، صحيح مسلم 2/ 678
( 11) المجموع 6/104، حاشية ابن عابدين 2/ 358، بدائع الصنائع 2/ 69، التاج والإكليل 3/ 255.
( 12) الذخيرة للقرافي 3/ 154
( 13) الإنصاف (3/ 164)، حاشية الروض المربع (3/ 270)،
( 14) الإنصاف (3/ 177)
( 15) الحاوي الكبير (3/ 349)
( 16) حاشية ابن عابدين (2/ 358)
( 17) سبق تخريجه صـ 10
( 18) التاج والإكليل (3/ 263)
( 19) الحاوي الكبير (3/ 351)، بدائع الصنائع (2/ 69)
( 20) الحاوي الكبير (3/ 358)
( 21) الحاوي الكبير (3/ 351)، بدائع الصنائع (2/ 69)
( 22) المجموع 6/108، تبيين الحقائق (1/ 306)
( 23) المجموع 6/110
( 24) المجموع 6/110، بدائع الصنائع (2/ 69)، تبيين الحقائق (1/ 306)
( 25) الحاوي الكبير (3/ 372)
( 26) المدونة (1/ 384)، التاج والإكليل (3/ 257)
( 27) الذخيرة للقرافي (3/ 159)
( 28) بدائع الصنائع (2/ 69)
( 29) المجموع شرح المهذب 6/113، الحاوي الكبير 3/ 372
( 30) المجموع شرح المهذب 6/113
( 31) الحاوي الكبير 3/ 362، المجموع شرح المهذب 6/126.
( 32) التاج والإكليل 3/ 259
( 33) الحاوي الكبير 3/ 362
( 34) المجموع شرح المهذب 6/127
( 35) بدائع الصنائع 2/ 74
( 36) التاج والإكليل 3/ 259
( 37) الذخيرة للقرافي 3/ 155
( 38) المجموع 6/127
( 39) مواهب الجليل 2/ 373، المجموع 6/127
( 40) المجموع 6/142
( 41) المدونة (1/ 385)
( 42) المجموع 6/142، المدونة (1/ 385)
( 43) تبيين الحقائق (1/ 311)
( 44) تبيين الحقائق (1/ 311)
( 45) المجموع 6/142
( 46) المجموع 6/142
( 47) الذخيرة للقرافي (3/ 155)
( 48) الذخيرة للقرافي (3/ 157)
( 49) المدونة (1/ 385)، التاج والإكليل (3/ 267)
( 50) المدونة (1/ 385)
( 51) الذخيرة للقرافي (3/ 160)
( 52) مواهب الجليل (2/ 373)
( 53) التاج والإكليل (3/ 272)
(54 ) الإنصاف (3/ 176)
( 55) الإنصاف (3/ 177)
( 56) حديث أبي سعيد الخدري متفق عليه سبق تخريجه
( 57) المبدع في شرح المقنع (2/ 384)
( 58) في سنن أبي داود 2/ 113: هَذَا حَدِيثُ يَحْيَى، زَادَ سُفْيَانُ: أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ، قَالَ حَامِدٌ: فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَتَرَكَهُ سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهْمٌ مِنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ»، وفي السنن الكبرى للبيهقي 4/ 288: رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ مِنْهُمْ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، وَغَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الدَّقِيقَ غَيْرُ سُفْيَانَ، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا مَوْقُوفًا عَلَى طَرِيقِ التَّوَهُّمِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَرُوِيَ مِنْ أوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ لَا تَسْوِي ذِكْرَهَا
( 59) سنن الدارقطني 3/ 78
( 60) حاشية الروض المربع 3/ 284
( 61) الحاوي الكبير 3/ 384
( 62) الحاوي الكبير 3/ 377
( 63) المجموع شرح المهذب 6/130
( 64) المجموع شرح المهذب 6/131
( 65) الحاوي الكبير 3/ 378
( 66) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 3/ 2045
( 67) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 3/ 2045، المدونة 1/ 391، التاج والإكليل 3/ 260
( 68) التاج والإكليل لمختصر خليل 3/ 260
( 69) المدونة 1/ 392
(70 ) المدونة 1/ 391
(71) التاج والإكليل 3/ 271
(72 ) التاج والإكليل 3/ 272
( 73) بدائع الصنائع 2/ 72
(74 ) بدائع الصنائع 2/ 72، تبيين الحقائق 1/ 309
( 75) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 2/ 73
( 76) الحاوي الكبير 3/ 377

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى