بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 26 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

البــاب الثاني

الفصـــل الأول

الآيـات والســــور التي دافع بها الله عن رسوله الكريم في القرآن الكريم

1ـ سورة المائدة.

2ـ سورة الأحزاب.

3ـ الحجــــرات.

4ـ سورة الضحى.

5ـ الشــــرح.

6ـ المســـــد.

الآيـــات القرآنيـــة

التي دافع بها الله عن رسوله

     هناك آيات كثيرة, دافع بها الله عن رسوله, وحذر بها الناس من الاقتراب إلى عرض رسول الله, وبين لهم عقوبة من يفعل ذلك, وأمرهم بمحبته, حبا متميزا مختلفا عن محبة أي شيء, وكل شيء.

          وسأتناول بالتفسير والتأويل بعضا من هذه الآيات, وليس كلها, لأن الحديث فيها يطول, ويأخذ مجلدات كثيرة.. فأضطر للانتقاء والاختصار:

قال تعالى في سورة المائدة

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33.

     هذه الآية من أشنع الآيات تهديدا ووعيدا وتعذيبا وانتقاما وترهيبا, لمن يسيء إلى الله وإلى رسول الله, وجعل الإساءة فيها للرسول إساءة إلى الله, قبل أن تكون إساءة لرسول الله, ومحاربة الرسول محاربة لله, وإيذاء الرسول هو إيذاء لله, وانتقام الله ممن يفعل ذلك قاس جدا, وعذابه شديد, وعقوبته مهلكة, وتشنيعه به فظيع.

       إنما: لماذا قال: (إنما) ولم يقل (إنّ) لوحدها فقط؟ وما فائدة دخول(ما) عليها؟ يقول النحاة:

  1. إنّ (ما) كافة, مهيئة لدخول ما لم تكن تدخل عليه (إنّ) قال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد) الكهف110.
  2. (إنما) تفيد الحصر, والقصر, والتوكيد, قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين.) التوبة60
  3. (إنما) تستعمل لما لا ينكره المخاطب, ولا يدفع بصحته, نحو: (إنما هو أخوك), تقول ذلك لمن هو أخوه فعلاً, ويعلمه ويقر به ولا ينكره, إلا أنك تريد أن تذكره, أما الخبر بالنفي والإثبات نحو: (ما هذا إلا كذا, وإن هو إلا كذا), فيكون للأمر ينكره المخاطب ويشك فيه.
  4. 4.               (إنما) تستعمل في مواقع التعريض, كقوله تعالى: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب) الرعد19 معرضاً بأهل الجهل.

     أما (إن) لوحدها فتفيد: توكيد الحكم, ونفي الشك فيه أو الإنكار له, وتفيد القسم, وتفيد النسبة بين شيئين, وتكون للجواب عن سؤال, وتفيد الربط والتعليل..

إنما: إن توكيدية تجري مجرى القسم, والله.. وما: توكيدية أيضا, فتوكيدان وقسم في كلمة واحدة. وما: إذا دخلت على إن تكفها عن العمل, ويقال في إعراب الكلمة: كافة ومكفوفة, وتكون الجملة بعدها مبتدأ وخبرا, وليس اسم إن المنصوب, وخبرها المرفوع.

       لماذا دخلت ما عليها؟ لأن إنّ العاملة: حرف مشبه بالفعل, وكونها مشبهة بالفعل, تشم فيها رائحة الفعل, والفعل يدل على الحدث والزمن, والتبدل والتغير, وحتى هذه الرائحة التي تشم من الفعل, يلغيها الله هنا, ويستعمل ما الكافة, وإن المكفوفة, ويبقي على الجملة الاسمية التي تتألف من المبتدأ والخبر, الدالة على الثبات والدوام والاستقرار.

وقال جزاء: باسم المصدر وليس بالمصدر إجزاءً, فالمصدر حدث بلا زمن, كما يعرفه علماء اللغة, ولكنه إذا جاء موكدا للفعل, أشرب شيئا من الفعل, وأخذ من الحدث المرتبط بالزمن, فيشوبه شيء من الأمل بالانتهاء أو التغير أو التبدل منه ولو بعد حين, فاستخدم اسم المصدر, ليدل على الاسمية الخالصة, الدالة على الثبات والدوام والاستقرار والاستمرار.

 إنما: فيها خمسة توكيدات, بـ إنّ المؤكدة, وبـ ما المؤكدة, وبالقسم, وبثبات الجملة بعدها ودوامها واستقرارها, وبدلالتها أيضا: فـ إنما تدل على الحصر والقصر, والتوكيد, وأن ما بعدها حقيقة ثابتة غير قابلة للنقاش, وحاصلة وواقعة ونافذة, لا محالة, وهذا من التوكيد.

جزاءُ: لماذا قال: جزاء, ولم يقل: ثواب أو عقاب أو عذاب أو حساب أو غيرها؟ لأن كل تلك الكلمات تدل على المساواة والموافاة والاكتفاء والعدل في الشيء, إلا هذه الكلمة, فإنها تدل على أن هذا هو جزء من العقاب والحساب, وهذا هو الجزء اليسير الشكلي الأولي الابتدائي التمهيدي, أما ما ينتظرهم, فحساب آخر, وجزاء آخر أهم وأكبر وأعظم, في وقت لاحق في الآخرة.

جزاء: مبتدأ مرفوع, خبره: أن يقتلوا, أو خبر لمبتدأ محذوف, تقديره, هذا جزاء, وأن يقتلوا خبر ثان, وما بعدها أخبار متعلقة بها, معطوفة عليها, تابعة لها.

الذين: اسم موصول مبهم, مضاف إليه, فهو تعريف للجزاء وتخصيص وتحديد, وقال: الذين, اسم الموصول المعرفة, ليدل على التعريف والتخصيص والحصر, لمطلق الجمع أي يشمل الجنسين الذكور والإناث, ويهيء لدخول إنّ على الجملة الفعلية, ليعطي المعنيين والمساحتين الأسمية حيث الثبات والدوام والاستقرار, والفعلية حيث التجدد والحدوث والاستمرار..

        وجاء باسم الموصول هنا, ليصل به إلى الفعل المضارع المستمر الدال على الحدث المقترن بالزمن, المتكرر المتجدد المتعدد, يحاربون, ويسعون, فهؤلاء محاربتهم مستمرة, وفسادهم مستمر, وبأشكال مختلفة, وطرق شتى, هؤلاء هم المقصودون بهذه الآية, وهذا العذاب الرهيب.

فقال بعدها: يحاربون: بالفعل المضارع المستمر, أي يخوضون حربا لا هوادة فيها على الله ورسوله, وعلى الإسلام والمسلمين, وفي كل وقت وكل حين, وبأشكال مختلفة, وأساليب شتى, فحربهم مستمرة, وحربهم دائمة وحربهم شديدة, وبكل الوسائل, وبكافة الأسلحة, وعلى كل الجبهات..

ويحاربون: جملة الصلة, وتدل على ديمومة المحاربة, واستمراريتها وشدتها, أما إذا انتهت أو تاب عنها أصحابها, وندموا على ما فعلوا, وأصلحوا, فالوضع سيتغير ويختلف بإذن الله وتقديره.

الله ورسوله: يقول النحاة: الواو للتشريك في الحكم ولا تقتضي الترتيب, بمعنى إذا قلت: جاء محمد وخالد, فحكمها المجيء, أي أن القاسم المشترك بينهما هو المجيء فقط, فقد يكون محمد جاء قبل خالد, وقد يكون خالد جاء قبل محمد, وقد يكونا جاء معاً, أو متفرقين.

         فقد يحاربون الله أولاً, وقد يحاربون الرسول أولاً, وقد يحاربونهما مجتمعين وقد يحاربانهما متفرقين, وفي كل الأحوال فالحرب واحدة, فهم يحاربون الله والإسلام والقرآن والتوحيد والعبودية لله الواحد الأحد, ويدعون لعبادة الشيطان وعبارة الطواغيت أولياء الشيطان, ويحاربون الحق والعدل والمساواة بين الناس, والخير والسلام والإسلام… وينصرون الظلم والجور والنهب والسلب والعدوان, ويدعون إلى الكفر والفجور والعصيان, وطاعة الشيطان.

       وقال الله, بلفظ الجلالة, اسم الله الأعظم, الجامع لكل الصفات, ومجمع القوة والعزة والقدرة على الانتقام, والعقاب والعذاب, وقدم الله نفسه حماية ودريئة عن رسول الله, فمن يحارب رسول الله, فإنما يحارب الله, ومن يحارب الله, هو كفيل به, في أي واد من أودية جهنم يكبه على وجهه, ويذيقه ألوان العذاب.

        واستخدم الواو في العطف, وهذه لها دلالتها العميقة هنا, فالواو لا تعني الترتيب, تقول: جاء محمد وخالد, فقد يكون محمد جاء قبل خالد, وقد يكون خالد جاء قبل محمد, وقد يكون جاءا معا, فالله والرسول اسمان متلازمان, وإن تقدم اسم الله هنا للدفاع والذود والذب عن رسول الله.

        واستخدم الهاء ضمير الإضافة, لتأكيد هذا التلازم, وهذا الارتباط, فرسول مضاف, والهاء ضمير متصل مضاف إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى