مقالات

قنبلة نوويَّة خليجيَّة: هل تكون الرَّد على إحياء الاتِّفاق النَّووي؟!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

بعد أنَّ تناقلت وسائل الإعلام العالميَّة، نقلًا عن بيان رسمي نشرته الخارجيَّة الإيرانيَّة، أنباء عن قُرب إحياء الاتِّفاق النَّووي بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وإيران لعام 2015م، بعد إنهاء أبرز نقاط الخلاف، وعلى رأسها شطْب الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، تجدَّد السِّجال بين طرفي النَّزاع، بما يهدِّد سير المفاوضات وينذر بعراقيل جديدة قد ترجئ إبرام الاتِّفاق. سبق وأن أصدرت الخارجيَّة الإيرانيَّة بيانًا تقول فيه إنَّ وزير الخارجيَّة، حسين أمير عبد اللهيان، قد أخبر عبد اللهيان أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتَّحدة، في مكالمة هاتفيَّة “لقد اقتربنا من التَّوصُّل إلى اتِّفاق في مفاوضات فيينا”. وقد اعتبر مراقبون أنَّ في عودة إنتاج النَّفط الإيراني إلى المستوى الَّذي كان عليه قبل فرْض العقوبات الأمريكيَّة، بإنتاج 3.8 مليون برميل يوميًّا، كما صرَّح محسن خجسته مهر، الرَّئيس التَّنفيذي لشركة النَّفط الوطنيَّة الإيرانيَّة، ونقلت عنه وكالة إيرنا الرَّسميَّة للأنباء، إشارة قويَّة على قُرب إبرام الاتِّفاق الجديد. غير أنَّ طرفي النَّزاع سرعان ما عادا إلى تبادُل الاتِّهامات بعرقلة إحياء الاتِّفاق، مع ادِّعاء أنَّ كلَّ طرف يفرض شروطًا تعجيزيَّة لإحراج الطَّرف الآخر.

عراقيل إيرانيَّة تهدِّد استمرار المفاوضات

اقترح نوَّاب برلمانيون إيرانيون الأحد 10 أبريل 2022م عددًا من الشُّروط لإتمام الاتِّفاق الجديد، من بينها الحصول على ضمان من الكونغرس الأمريكي بشأن عدم انسحاب الجانب الأمريكي من الاتِّفاق الجديد، وفقًا لما نشرته وكالة تسنيم الإيرانيَّة للأنباء. وتقدَّم النُّوَّاب الإيرانيون إلى الرَّئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، برسالة تشدِّد على أهميَّة أن يتضمَّن الاتِّفاق النَّووي في صيغته الجديدة ما ينصُّ على إلزام الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة بعد الانقلاب على الاتِّفاق، كما فعل الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب (يناير 2017-يناير 2021م)، بعد انسحب في مايو 2018م من الاتِّفاق النَّووي وفرَض عقوبات اقتصاديَّة قاسية على إيران، كان من أشدِّها حظْر بيع النَّفط الإيراني.

من ناحيته، صرَّح وزير الخارجيَّة الإيراني، حسين عبد اللهيان، خلال الاجتماع الأول للجنة تنسيق العلاقات الاقتصاديَّة الخارجيَّة، بأنَّ الجانب الأمريكي اشترط مطالب جديدة لا يتضمَّنها الاتِّفاق النَّووي في صيغته الأولى، مشيرًا إلى سعي بلاده إلى رفْع العقوبات الأمريكيَّة بالكامل ودون تهديد بإمكانيَّة فرْضها من جديد في حال تغيَّرت الإدارة الحاكمة، كما نشرت وكالة فارس الإيرانيَّة. وأضاف عبد اللهيان أنَّ موقف الولايات المتَّحدة يثير استياء الدُّول المشرفة على مفاوضات إحياء الاتِّفاق النَّووي، سواءً الصِّين وروسيا اللتين تدعمان إيران أو الدُّول الأوروبيَّة الَّتي تساند الولايات المتَّحدة، رافضًا الدُّخول في مفاوضات مباشرة مع الطَّرف الأمريكي لن تنفع بلاده، بقوله “فيما يواصل الأمريكيون الحديث عن إجراء مفاوضات مباشرة، لم نر فائدة فيها ولم نلمس حتى الآن موقفًا ايجابيًّا منهم”. وأخيرًا، دعا عبد اللهيانس الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إثبات حُسن نيَّته برفع العقوبات عن إيران كاملة، حيث قال “إننا لا نزال نواصل جهودنا للتَّوصُّل إلى اتِّفاق يرفع العقوبات، ونحاول التَّوصُّل إلى الاتِّفاق الجيِّد والمستدام عبر المسار الدِّبلوماسي، وسنواصل السَّير على هذا الطَّريق للتَّوصُّل إلى اتِّفاق جيِّد”.

هذا، وقد أعلن محمد إسلامي، رئيس منظَّمة الطَّاقة الذَّريَّة الإيرانيَّة، أنَّ بلاده تستعدُّ لاستقبال وفد من مفتِّشي الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة لزيارة مواقع ترتبط بالبرنامج النَّووي الإيراني، تصفها الوكالة بـ “المبهمة”، وتتَّهم إيران بعدم توضيح طبيعة سير العمل في تلك المواقع. وردًّا على ذلك الاتِّهام، قال إسلامي “كلُّ الاتِّهامات بشأن وجود هذه الأماكن الَّتي قالوا إنَّها مبهمة، مبنية على ادِّعاءات أصدرها الكيان الصُّهيوني، وهي باطلة”. شدَّد المسؤول الإيراني على أهميَّة احترام حقِّ بلاده في الانتفاع من الأبحاث في مجال الطَّاقة النَّوويَّة واستغلالها في أغراض سلميَّة، بقوله “ستضع تفاصيل برنامج إيران النَّووي أمام الناس والعالم، وذلك من أجل إثبات أنَّ الاتِّهامات الموجَّهة ضدَّ طهران كاذبة… برنامجنا النَّووي سلمي، ولا يتعارض مع ضمانات الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّريَّة، ونحن لا نسعى إلى الخلاف مع الوكالة الدُّوليَّة بل نريد علاقات طبيعية معها بعيدًا عن المعايير المزدوجة”، نقلًا عن موقع الميادين دوت نت.

تحذير خليجي من تطوير إيران سلاحًا نوويًّا

تشترك دولة الاحتلال الإسرائيلي مع كافَّة دولة منطقة الشَّرق الأوسط، لا سيِّما دول الخليج، في معارضة السَّعي الأمريكي إلى إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، يقينًا منها بأنَّ ادِّعاء دولة ملالي الرَّافضة استغلال برنامجها النَّووي في أغراض سلميَّة ما هو إلَّا مخادعة. وقد حذَّر الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، عبر حسابه على شبكة تويتر في 9 أبريل 2022م، من تطوير إيران قنبلة نوويَّة سرًّا، ودعا إلى تعاوُن دول الخليج في تأسيس برنامج نووي تواجه به الخطر الإيراني. كتب عبد الله نصًّا “إيران ستمتلك القنبلة النَّوويَّة باتِّفاق أو بدون اتِّفاق مع المجتمع الدُّولي، وعلى دول الخليج العربي التَّعامل مع هذا الاحتمال، والطَّريق إلى ذلك تطوير برنامج نووي خليجي مشترك. قنبلة نووية خليجيَّة مقابل كل قنبلة نوويَّة إيرانيَّة”. ذكَّرت دعوة الأكاديمي الإماراتي آنف الذِّكر بتصريح وليِّ العهد السَّعودي، الأمير محمَّد بن سلمان، في حديثه مع قناة “CBS” الإخباريَّة الأمريكيَّة في مارس 2018م، حينما قال ردًّا على سؤال طُرح عن نيَّة المملكة تطوير سلاحًا نوويًّا “لا تريد حيازة أي قنبلة نوويَّة، ولكن بدون شك، إذا طورت إيران قنبلة نوويَّة، فسوف نفعل الشَّيء نفسه في أسرع وقت”. جدير بالذِّكر أنَّ العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة تشهد توتُّرًا غير مسبوق منذ أربعينات القرن العشرين، ويُرجع السَّبب في ذلك إلى إصرار إدارة جو بايدن على إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران واستعدادها لرفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهابيَّة الأمريكيَّة في إطار الصَّفقة، برغم الدَّعم الإيراني لجماعة الحوثي اليمنيَّة الشِّيعيَّة في هجماتها المتلاحقة على السَّعوديَّة، بل كان موقف إدارة بايدن أن بادرت برفع الجماعة المسلَّحة من قوائم الإرهاب بُعيد وصولها إلى سُدَّة الحُكم، في فبراير 2021م!

قلق أمريكي من نوايا إيران ومآل المفاوضات النَّوويَّة

أعرب أنتوني بلينكن، وزير الخارجيَّة الأمريكي، عن قلقه بشأن مستقبل مفاوضات فيينا النَّوويَّة مع إيران، مصرِّحًا بعدم تفاؤله من إمكانيَّة إحياء اتِّفاق عام 2015م، برغم الجهود الحثيثة المبذولة في المفاوضات على مدار عام كامل. وأشار بلينكن، في حديثه مع قناة “NBC” الإخباريَّة الأمريكيَّة، إلى إيران تتعمَّد المماطلة وإضاعة الوقت، نافيًا كلَّ ما يتردَّد منذ فترة عن أنَّ إبرام الاتِّفاق الجديد صار وشيكًا، بقوله “لم يتم الوصول إلى مرحلة في فيينا، تجعلنا نقول إنَّ الاتِّفاق مع إيران أصبح قريبًا”. وإلى جانب تضارُب الأقاويل بشأن قُرب إبرام الاتِّفاق، صرَّح وزير الخارجيَّة الأمريكي بما يزيد الأمور تعقيدًا، وهو اعتباره الحرس الثَّوري الإيراني منظَّمة إرهابيَّة. فالجانب الإيراني يصرُّ على شطْب الحرس الثَّوري من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، خاصَّةً وأنَّ حكومة الرَّئيس الإيراني الحالي تضمُّ العشرات من أعضاء تلك المنظَّمة. وكما يشير مراقبون، بدأ الوسطاء الأوروبيون يشعرون بعدم جدوى استئناف المفاوضات، الَّتي توقَّفت جولتها الثَّامنة في 11 مارس 2022م بعد 11 شهرًا من انطلاقها، خاصَّةً وأنَّ المتحدِّث باسم الخارجيَّة الإيرانيَّة قد صرَّح مؤخَّرًا بقوله “لن نعود إلى فيينا لإجراء مفاوضات جديدة، لكن لوضع اللمسات الأخيرة على اتِّفاق حول النَّووي. يجب إذًا انتظار ردِّ واشنطن”. ونتساءل: كيف يُفسَّر تضارُب التَّصريحات بشأن قُرب إحياء الاتِّفاق النَّووي؟ وكيف يُفسَّر كذلك إقدام إيران على إعادة إنتاجها للنَّفط لما كان عليه قبل فرْض العقوبات الأمريكيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى