بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 24 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

أخطاء تاريخية يجب أن تصحح

        ورد في كتب السيرة أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ولد فقيراً معدماً, لا يملك أهله شيئاً، وكان من عادة ذوات العرب في مكة, إرسال أبنائهم إلى البادية, ليتعلموا الفصاحة والرجولة والخشونة والاعتماد على النفس, بدلا من الاعتماد على الأهل, وعندما جاءت المراضع إلى مكة, ذهبن إلى بيوت الأغنياء, وأخذن أبناءهم, ولم تقبل مرضعة منهن أخذ محمد, لأن أهله فقراء..

        ولكن حليمة السعدية مرضعة الرسول الجليلة, لم تجد طفلاً ترضعه, فقالت لزوجها لو أخذنا هذا اليتيم فأرضعناه, وكانت أتانها ضعيفة (الأتان – أنثى الحمار) وقد تخلفت عن القوم كثيراً, لأنها جائعة وهزيلة, ولا تستطيع المشي السريع, ولكنها ـ كما تقول الرواية ـ عندما ركب محمد عليها, أدركت القوم وسبقتهم, إلى آخر القصة الخرافية المضحكة..

          إن هذا الكلام فيه إساءة إلى الرسول محمد, وإلى أهله, وإلى مرضعته, من حيث أراد واضعها, جلب الشفقة والرحمة والعطف, وأراد عمل معجزة ربانية في الأتان, التي كانت ضعيفة هزيلة بطيئة, فلما ركبها الطفل النبي, صارت سريعة قوية, فما هذه الكرامة العجيبة؟ وما هذه المعجزة الخطيرة؟

        الحقيقة: أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم, لم يكن فقيراً معدماً, كما تصور قصة المولد, ولم يكن أهله زاهدين به إلى هذا الحد, لماذا؟ لأن أمه آمنة بنت وهب, سيدة نساء بني زهرة, ابنة سيد بني زهرة, فهل يعقل أن تكون السيدة بنت السيد فقيرة معدمة, ولا تملك ما تركب ابنها الوحيد اليتيم الحبيب ابن الحبيب, وهي التي رأت ما رأت في ولادته, ومنذ ساعة حمله..

         وإذا كانت لا تملك شيئاً لإرضاعه, ولا دابة يركبها, فلماذا ترسله للرضاعة ؟ وهي الفتاه الشابة, في أول عمرها, وليس عندها غيره, وتستطيع أن تربيه هي, وترضعه هي؟ كيف يقبل جده سيد قبيلة بني زهرة, والد آمنة, أن يركب حفيده على أتان ضعيفة هزيلة, ولا يعطيه راحلة؟ ثم ألا يوجد عند جدته أم آمنة شيء تعين به هذا اليتيم الفقير المعدم؟.. هذا من جهة أهل أمة..

        أما من جهة أهل أبيه: فكلنا يعرف أن جده عبد المطلب كان رب الإبل, واستعادها من أبرهة, وكلنا يعرف أن جده عبد المطلب, قد فدى أباه عبد الله بمئة ناقة أو بعير, وكلنا يعرف أن أعمامه وأجداده هم أهل الرفادة (إطعام الحجبج) والسقاية, وحملة راية قريش في القتال, وهم أهل التجارة والبيع والشراء, ورحلة الشتاء والصيف…

هل هؤلاء كلهم فقراء؟.. ألم يبق عند عبد المطلب شيئاً من هذه الإبل؟ وأين ذهبت؟ هل ماتت كلها؟ ألم تكن عند عبد المطلب فرساً أو حصاناً أو بغلة أو حتى أتاناً أفضل من أتان حليمة الهزيلة الضعيفة, يُركب ابنه محمدا صلى الله عليه وسلم اليتيم عليها توصله ديار حليمة؟. ألم يكن عند أعمامه التسعة كلهم, ولا عند أعمام أبيه بني هاشم كلهم, ما يوصله إلى ديار حليمة براحلة مريحة؟.

         ولو تجاوزنا هذا النقطة إلى نقطة أخرى:

        المرضعة الفقيرة حليمة السعدية صاحبة الأتان الهزيلة الضعيفة, التي لم تجد من ترضعه, ولم يعطها أحد من العوائل الكريمة الشريفة الغنية في مكة ابنها لترضعه, فعادت إلى محمد عندما أفلست ولم تجد من أبناء الأثرياء الأغنياء أحدا.

        فمن أجبرها على ذلك, وهي لا تملك شيئاً؟ كيف تتحمل مسؤولية أخذ طفل وإرضاعه وتربيته, مع ما في هذه المهمة من عناء ومشقة وتعب ومسؤولية, وأمانة ثقيلة, مقابل لا شيء, وهي لا تملك شيئاً, حتى لإطعام أتانها الضعيفة؟.

        السؤال الآخر: هل إن أمه آمنة؟ وجده عبد المطلب؟ وأعمامه؟ يهون عليهم أمر محمد إلى هذا الحد؟ ويزهدون به إلى هذا الحد؟ ..

         إذا كان أبو لهب ـ عمه ـ يُخفف عنه العذاب كل يوم اثنين, إكراماً لمحمد, لأنه أعتق الجارية التي بشّرته بولادة محمد, ألم يستطع هذا أن يكمل معروفه مع ابن أخيه, ويعطيه ما يكفي لمرضعة جيدة, وأتان سريعة..       

         وإذا كانوا فقراء حقا, لماذا يرسلون ابنهم إلى البادية,  للرضاعة والتربية, وغيرها؟ اليوم الذي لا يملك مالاً, هل يرسل أبناءه للدراسة والتعلم في الخارج؟ أو في المدارس الخاصة؟ وهل المدارس الخاصة, تستقبل أبناء الفقراء؟. 

      ثم لماذا ترسله أمة إلى بني سعد للرضاعة؟ وما الذي يجبرها أن تترك ابنها الوحيد اليتيم, عند مرضعة فقيرة مغمورة؟ لا تملك ما تطعم أتانها؟ ولماذا لم ترضعه هي؟..

          إن القول بأن أهله كانوا فقراء معدمين, لا يصدقه عاقل, لأن الله فتح لهم أبواب رزقه وفضله قبل ولادة محمد, إكراما لمحمد, وقال في كتابه العزيز:

          (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4} قريش.

          فالله سبحانه وتعالى هيأ قريشا كلها لولادة محمد , وهيأ العرب جميعا, لهذا الحدث العظيم, فأطعمهم من جوع, وأثراهم وأغناهم, وفتح عليهم من خزائن رزقه وجوده وكرمه, وأعطاهم الأمن والسلام, ليستعدوا لاستقبال هذا المولود العظيم, فكيف كانوا فقراء؟ ومن أين جاءهم الفقر؟.

          هل يمكن أن نصدق أن محمداً, رسول الله ونبيه, وحبيبه وصفيه, الذي يعده الله لحمل أعظم وأشرف وأنبل وأثقل رسالة إلى العالم كله, خاتم الأنبياء والرسل, وخاتمة الرسالات والكتب, رحمة الله للعالمين, ومنقذ البشرية من الضلال إلى الهدى, ومن الظلمات إلى النور, هل يعقل أن الله العلي العظيم, الغني الكريم, يترك حبيبه وأهل حبيبه فقراء معدمين, وعلى يد مرضعة فقيرة, وعنده خزائن السماوات والأرض؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى