مقالات

صربيا القنبلة الموقوتة في صدر الأوروبيين!

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

في حين تقف أوروبا كلها على قلب رجل واحد ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، وحدها صربيا غردت خارج السرب في القارة الأوروبية العجوز، وأخرجت مظاهرة تؤيد موسكو وترفض العقوبات الغربية عليها. ولم لا! فصربيا بنت روسيا البارَّة والشبيهة لها في كل شئ.. صربيا على خطى الروس والبداية من التاريخ، والتاريخ كالعادة يخبرنا بأن من شابه أباه فما ظلم، فكلا البلدين(صربيا و روسيا) كانا في الأمس القريب اتحادين اشتراكيين يؤمنان بالشيوعية ويعاديان الغرب ورأسماليته.. وكما كان الاتحاد السوفيتي مركزه روسيا وفي فلكه تدور عدة دول، كذلك كانت يوغسلافيا مركزها صربيا وفي فلكها دارت عدة دول.. أكثر من ذلك وحتى ماقبل أن تكون البلدان اتحادين شيوعيين كانتا قبل ذلك ممالك وأمبراطوريات، فروسيا ظلت حتى عام 1919 أمبراطورية قيصرية عظمى، كذلك صربيا، ظلت مملكة صربيا حتى عام 1918.. ومن التاريخ أيضا كانت صربيا سبب الحرب العالمية الأولى فهى من جرَّت روسيا للدخول معها في هذه الحرب، وكلاهما خرجا منها في عباءة جديدة، روسيا أنهت حكم القياصرة لتدخل في حكم الشيوعيين (الاتحاد السوفيتي)، كذلك الأمر بالنسبة لصربيا لاحقا عقب هذا التاريخ (1918 )، لتدخل في الاتحاد اليوغسلافي.. لم ينفك التحالف بين الاتحادين، بل ظل متماسكا حتى نالت صربيا نفس مصير روسيا مطلع التسعينيات، حيث تفكك الاتحاد السوفيتي ولم يتبق منه سوى روسيا، كذلك تفككت يوغسلافيا ولم يتبق منها إلا صربيا.. وربما الفرق الوحيد أن انهيار يوغسلافيا كان أكثر عنفا ودموية، فقد رافقه حروب البلقان ذات السمعة السيئة بفعل ارتكاب المجاز من قِبَل الصرب، في حين روسيا خاضت حروبها ضد الشيشان.. تقريباً أوجه الشبه بين روسيا وصربيا كانت في كل شيئ، كانت حروب صربيا ضد المسلمين وحروب الروس كانت كذلك.

“أوجه الاختلاف”
فى تسعينيات القرن الماضى فشلت صربيا بقمع الحالمين بالاستقلال، بينما نجحت روسيا في ذلك.. كذلك نجحت روسيا في العودة ومن الباب الكبير للمسرح العالمي حيث عادت قوة لايستهان بها، في حين عادت صربيا لتتواري خلف الروس كما فعلت أيام اتحادها اليوغسلافي حين كان يسير خلف السوفييت، وكأن عجلة الزمان دارت ليعيد التاريخُ كتابة نفسه بحاضرٍ شبيه بالذي مضى. وفي الحاضر صمدت صربيا بعد ضربات الناتو على عاصمتها “بلغراد” لإنهاء مأساة البلقان أواخر القرن المنصرم.

“انفتاح على الليبرالية والرأسمالية لم يدم طويلا”.
بعد مأساة البلقان افتتحت بلغراد الألفية الجديدة (2000) بثوب بدا أنه يريد المُضِيّ قليلا نحو عهد جديد، تماما كما فعلت موسكو قبلها بعشر سنوات حيث( حكومات منتخبة واقتصاد رأسمالي وانفتاح على العالم..).. لكن سرعان ماعادت العقلية ذاتها لاسيما مع إعلان كوسوفو استقلالها النهائي والرسمي عن صربيا كآخر دول يوغسلافيا لعام 2008 وهي التي كان سكانها يشكلون 30% من سكان صربيا، لتعتبر هذه نقطة تحول منحت قوة دافعة للقوميين الصرب للعودة للواجهة.. فبلغراد لم تكن لترضى بانفصال كوسوفو وهي التي تضع مادة في دستورها يشير إلى أن كوسوفو جزء لا يتجزأ من أراضيها.. ومع عودة القوميين المتعصبين الذين يحملون شعارا قديما جدا “أن صربيا للصرب”على الرغم من التنوع العرقي والإثني داخل بلادهم بدا أن تحولا تشهده بلغراد أعادها إلى معسكرها القديم في أحضان الروس.

“مَنْ شابه أباه فما ظلم”
كما فعلت موسكو بحديثها عن الأقليات الروسية خارج روسيا، بدأت بلغراد بالحديث عن معاناة الأقليات الصربية التي تعيش في البوسنة والهرسك المجاورة وفي كرواتيا وفي كوسوفو، وفي الأعوام الأخيرة بدأت تلك الأقليات الصربية في البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسفو بمطالبات قد تفضي إلى انفصال أقاليمهم والانضمام إلى صربيا الأم، تماما كما حدث في جورجيا حين بدأ إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بالمطالبة بالانفصال، ماأعطى ذريعة لروسيا للتدخل في جورجيا عسكريا عام 2008، وفصلت الإقليمين وأعلنتهما جمهوريتين منفصلتين عن جورجيا، كذلك حين تاجرت روسيا بقضايا الأقليات الروسية واتخذتها ذريعة لفصل شبه جزيرة القرم عام 2014 وضمها إليها، والآن حين دخلت من جديد تحت حجة اضطهاد الأوكرانيين للناطقين بالروسية في إقليم دونباس وإعلان دونيتسك ولوغانسك جمهوريتين منفصلتين.. على ذات الخطى تسير بلغراد، لكن على استحياء أكثر، فالصرب اكتووا بنيران الناتو وقُدِم رئيسهم”سلوبودان ميلوسيفيتش” للمحاكمة الدولية لارتكابه جرائم حرب، لذلك هم أكثر حذرا من العودة لمربع التسعينيات، لكنهم بالمقابل يسيرون نحو تكرار ذات السيناريو الروسي، وهو أمر ينذر بتفجر البلقان في خاصرة القارة الأوروبية العجوز، حيث لايرغب الأوروبيون باندلاع حرب جديدة في هذه المنطقة، التي لم تدمل حتى الآن جروح الحرب السابقة.
ولكن ماذا تملك بلغراد من مقومات قد تمكنها من هزِّ أوربا وربما العالم؟ وهل ظروفها تسمح بتكرار ماتفعله روسيا؟.. قد لاتكون الظروف جميعها متشابهة، فبلغراد على عكس موسكو هى محاصرة بالكامل من حلف الناتو، أوموالين لحلف الناتو وحالمين بالانضمام إليه، كما لاتملك مقومات عسكرية ولاحتى اقتصادية تمكنها من دخول أي حرب جديدة، أضف إلى ذلك يعتمد الصرب في جزء كبير من اقتصادههم على ألمانيا التي لن تسمح لهم بافتعال حرب جديدة.
لكن في المقابل تعتبر صربيا حليفا للروس وقد تتلقى الدعم العسكرى والسياسي من روسيا في حال قررت خوض أي صراع، كما يُدين صِرب البلقان جميعهم بالولاء لبلغراد، فمثلا صرب البوسنة وكرواتيا هما شريكان أساسيان في حكم البلاد وقد ألمحا بإمكانية الانفصال عن بلادهم، وهؤلاء قادرون على زعزة أمن البلقان وأوروبا، وحتى كوسوفو الدولة الصغيرة في عام2019 دخلت في مواجهة عسكرية مع الصرب الذين يعيشون في داخلها أسفرت عن قتلى وجرحى، وفي عام 2021 وصلت مطالبات صرب البوسنة بشكل علني بمنحهم استقلالا ذاتيا. أما صرب كرواتيا فقد طلبوا من الاتحاد الأوروبي الحماية 2015 مما أسموه بالتميز والاضطهاد الذي يُمارَس ضدهم، مما أُعتبر نذر عواصف قادمة قد تهب على القارة العجوز التي آخر ماينقصها حرب في جنوبها الشرقي، ليصبح صربيا البلد الصغير الذي يتقاطع مع روسيا في كل شئ قنبلة موقوتة في خاصرة القارة الأوروبية العجوز..لايتمنى أحد أن تنفجر الأن أو لاحقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى