دين ودنيا

نيــــة الصــــوم

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


الكلام عن نية الصوم تشمل مبحثين:
الأول: وقتها، أو متى ينوي الصائم؟
المبحث الثاني: هل تجب نية الصوم كل ليلة لكل يوم؟
أم تكفي نية صيام الشهر في أول ليلة؟
المبحث الأول
في هذا المبحث نتكلم عن وقت النية، وبتعبير آخر متى ينوي الصائم؟
ذهب أهل العلم في وقت النية ثلاث مذاهب:
المذهب الأول:
تجب النية من الليل في الفرض والنفل، والفرض هو رمضان أو صيام نذر أو قضاء أو كفارة، والنفل كل نطوع، كل ذلك لا بد من نية من الليل.
واستدلوا على ذلك بما جاء في سنن النسائي (4/ 197)
2334 – أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ»
السنن الكبرى للبيهقي (4/ 340)
7909 – وَقَدْ حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِمَا، قَالَا: أنبأ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ ” وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ مِنْ قَوْلِهَا، وَقِيلَ عَنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، وَرَوَاهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَرَوَاهُ عَقِيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ، وَحَفْصَةَ قَالَا ذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ.
السنن الكبرى للبيهقي (4/ 373)
8037 – ….. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ “
سنن النسائي (4/ 197)
2335 – أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَصُومُ»
ورواه ابن ماجة وصححه الألباني
وهذا مذهب مالك، أنه لا يجوز الصيام فرضاً ولا نفلاً إلا بنية من الليل.
المذهب الثاني:
وهو عكس المذهب الأول تماماً، فقالوا: يجوز الصيام بنية من النهار قيل الزوال فرضاً ونفلاً، وهو مذهب أبي حنيفة، واستدلوا لذلك بما جاء في صحيح ابن خزيمة (3/ 308)
2141 – .. عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ طَعَامَنَا، فَجَاءَ يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكِ الطَّعَامِ؟» ، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «إِنِّي صَائِمٌ»
وفي السنن الكبرى للنسائي (3/ 169)
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «إِذًا أَصُومُ» قَالَتْ: ثُمَّ دَخَلَ مُرَّةً أُخْرَى فَقُلْتُ: قَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «إِذًا أُفْطِرُ الْيَوْمَ وَقَدْ فَرَضْتُ الصَّوْمَ»
المذهب الثالث:
وهو مذهب الشافعي، فبناء على قاعدة الشافعي: إعمال الدليلين خيرٌ من إهمال أحدهما، ولأن الشافعي يقدم الجمع عند التعادل، بينما الحنفية يقدم الترجيح عند التعادل.
وقد جمع الشافعي بين الأحاديث فقال: تبييت النية للفرض، وتجوز النية بالنهار قبل الزوال في النافلة والتطوع
ففي صحيح ابن خزيمة (3/ 213)
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، الْوَاجِبَ مِنَ الصِّيَامِ دُونَ التَّطَوُّعِ مِنْهُ»
صحيح ابن خزيمة (3/ 289)
بَابُ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء، إِنْ أَصْبَحَ الْمَرْءُ غَيْرَ نَاوٍ لِلصِّيَامِ غَيْرُ مُجْمِعٍ عَلَى الصِّيَامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَا يُجْمِعُ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» صَوْمَ الْوَاجِبِ دُونَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
وفي سنن الدارمي (2/ 1057)
1740 – …. عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» قَالَ عَبْد اللَّهِ: فِي فَرْضِ الْوَاجِبِ: «أَقُولُ بِهِ» وهذا إسناده قوي
المبحث الثاني
هل تجب نية الصوم كل ليلة لكل يوم؟
أم تكفي نية صيام الشهر في أول ليلة؟
وهو سؤال يتكرر كل رمضان.
مذهب المالكية وقول للإمام أحمد وقول لإسحق أنه يجزئ نية واحدة لجميع الشهر.
هل أبو عبد الله المالكي الأندلسي
بيّت من الليلِ الصِّيام بنيةٍ من قبلِ أن يتميّز الخيطانِ
يجزيك في رمضانَ نيّة ليلةٍ إذ ليس مرتبطاً بعقد ثاني
رمضان شهرٌ كاملٌ في شرعنا ما حلّه يومٌ ولا يومان
وفي الشرح الكبير المطبوع مع المغني
وتعتبر النية لكل يوم وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر.
وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر، إذا نوى صوم جميعه، وهو مذهب مالك وإسحاق لأنه نوى في زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز كما لو نوى كل يوم في ليلته.
وذهب علماء الشافعية وهو قول لأحمد، وقول عند إسحق كما نقلنا
ففي مختصر المزني : وعليه كل ليلة نية الصيام للغد.
وقال النووي في المجموع شرح المهذب:
{ فرع } في مذاهبهم في النية لكل يوم من كل صوم مذهبنا أن كل يوم يفتقر إلى نية سواء نية صوم رمضان والقضاء والكفارة والنذر والتطوع؛ وبه قال أبو حنيفة وأسحق بن راهوايه وداود وابن المنذر والجمهور.
وقال مالك إذا نوى في أول ليلة من رمضان صوم جميعه كفاه لجميعه ولا يحتاج إلي النية لكل يوم، وعن أحمد وإسحق روايتان (أصحهما) كمذهبنا (والثانية) كمالك.
واحتج لمالك بأنه عبادة واحدة فكفته نية واحدة كالحج وركعات الصلاة.
واحتج أصحابنا بأن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضة ببعض ولا يفسد بفساد بعض بخلاف الحج وركعات الصلاة.
قال راقمه أبو معاذ عفر الله له ولوالديه: إيضاحاً لذلك
أنَّ من قال بنية واحدة للشهر احتج بأن من صلى الظهر مثلاً فلا يحتاج نية لكل ركعة بل نية واحدة لللأربع ركعات، فكذلك شهر رمضان لا يحتاج نية لكل يوم بل نية واحدة للشهر كله.
ومن ذهب إلى أنه يجب نية لكل يوم قالوا: هذا قياس لا يصح، فإن من أفسد ركعة من صلاة الظهر في هذا المثال، ولتكن الركعة الثالثة ، فبفساد هذه الركعة يفسد الركعتين قبلها والركعة بعدها إذا صلاها.
وهذا غير الصيام فلو أفسد أحدٌ يوماً من رمضان فلا يفسد بفساد ذلك اليوم الأيام قبله، ولا يفسد أيضاً الأيام بعده، وبالتالي فهو غير الصلاة، بل كل يوم عبادة مستقلة تفتقر لنيةٍ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى