مقالات

مآلات الغزو الروسي لأوكرانيا

د. ياسين الحمد

أكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

يبدو فتح النار في أول أيام الصوم  على بوتين  عملاً مقدساً ويقربك من الله في هذه الأيام المباركة، واضح منذ أشهر صورة الخسارة التي لن يسمح الاتحاد الأوروبي وأمريكا وحلفاؤهم الآخرون في العالم بسواها.
هناك مثل يقول ” خسارة قريبة ولا مكسب بعيد”
ولكن يبدو أن الرفيق المناضل أبو علي  بوتين عاجز عن تقبل الخسارة القريبة، ويريد التوغل أكثر للخسارة الكبرى الواضحة كل علائمها،  لكن تفرده وغرورة، واستبداده بالقرار لن يجعله يحصل على المكسب البعيد وإنما الخسارة بالتأكيد.

إن نظاماً يتحالف فيه الاستبداد والأوليغارشية مع أيديولوجيا يمينية متعصبة قومية، مع كنيسة عنصرية لن يستطيع طرح نفسه كبديل عن الحرية والديمقراطية وخاصة في دول أوروبا وشعوبها  ( والتي ليست دول الشرق الأوسط الاستبدادية  وشمال أفريقيا).

حسابات القيادة الروسية بعملية عسكرية خاطفة عن طريق قصف بضربات صاروخية قاسية لمراكز القيادة والسيطرة “ضربة الصدمة”  وانزالات جوية في المطارات القريبة من العاصمة ، وإدخال مجموعات من القوات الخاصة والاستخبارات إلى العاصمة والسيطرة على المراكز الحساسة للدولة الأوكرانية   فشلت، وإحداث انقلاب عسكري، رغم أن الجيش الأوكراني تم تنظيفه من عملاء روسيا، وأمام التحضير  الجيد للجيش الأوكراني وإدراكهم للخطة الروسية  ووضع الطرق الدفاعية  الناجعة لمواجهة الغزو المتوقع، بعد فشل وسوء التخطيط للخطة الرئيسية، قامت القيادة العسكرية بخطط بديلة أكثر سوء من الخطة الرئيسية، بإقحام 190 نصف القوات البرية الروسية البالغة تقريبا 360 ألف مقاتل، بالإضافة القوات الرديفة من الانفصاليين في إقليم دونباس، والقوات الشيشانية، وشبيحة بشار الأسد وحزب الله في المعركة، دون تخطيط عملياتي؟ وفقدان القدرة على القيادة والسيطرة، وقيادة المعركة، كانت التوغلات والمعارك ارتجالية مما سببت خسائر فادحة للقوات الروسية، هذا الوضع القتالي، فرض الانسحاب العشوائي من  معظم أراضي أوكرانيا، والتركيز على إقليم دونباس، بالإضافة إلى فتح نار جهنم من العقوبات الاقتصادية والمالية الناعمة والتي لن تظهر آثارها بشكل خاطف وإنما بشكل مدمر ومحكم.

ومهما تعالت أبواق بعض الأنظمة الفاشلة وشعوبها ونخبه بالتهليل لبوتين وقراراته لن تجعله بطلًا مخلصاً منتظراً أمام موجات نزوح الشعب الأوكراني والتي تتعاطف معه كل شعوب اوروبا وموجة العداء لكل ما هو روسي في معظم أنحاء العالم.

وسائل  الإعلام الغربية والعالمية تمثل رؤية واضحة لاستراتيجيات، وليس ألاعيب سياسية وستنال من هيبة بوتين التي حاول فرضها بالحديد والنار وقبلها بعدم احترام مقابله من رؤساء وحكام.

هناك موجة عداء كاسحة من الشعوب الأوروبية ، وعجز حتى الاحزاب اليمينية المتطرفة التي حصلت على دعم  كبير  من روسيا، بالمحصلة  لن يتعاطف الغرب السياسي و الشعبي مع بوتين
ودعمه من قبل البعض  بالشعارات لن يلمع صورته التي يسعى الإعلام لتطهيرها كأسوأ من هتلر الذي يدعو بوتين لمحاربة النازيين الجدد  والتطرف القومي.

إنه اللعب مع الكبار عسكرياً واقتصادياً ومالياً فيه كسر عظم يتناول رغيف خبز الفقراء.
فالغرب يلعب اللعبة وتتوزع الأدوار، كأنها يقوم بعملية جراحية دقيقة ومحسوبة بالوصول إلى أفضل النتائج وأقل التكاليف.
الغرب بقيادة أمريكا لن يتحاور بعد اليوم مع روسيا حول متطلباتها الأمنية في أوروبا والعالم، لأن شرط بوتين ومطلبه لا تسمح له قدراته العسكرية والاقتصادية والمالية، حيث الناتج المحلي الإجمالي لروسيا يعادل فقط 7% من الناتج المحلي الأمريكي، ناتجها يعادل كوريا الجنوبية. 
 
إنّ غداً لناظره قريب وما خلقته حماقة وغرور بوتين من استعداء لروسيا، في خطابته الغبية، وهدد بتغير خرائط أوروبا والعالم ليس فقط باجتياح أوكرانيا، وإنما يهدد كل دول أوروبا الشرقية، ودول شمال أوروبا دول البلطيق،  واحتل سورية تحت رؤية وإيدلوجيا قومية – دينية عنصرية فاشية بإعادة رسم خارطة أوربا والعالم، فعلاً الحقيقة أن نملة تريد تصارع فيل، لن تلغيه خسارة مؤكدة أو انتصار مزعوم.

لذا سواء كنا ضد امريكا أو الغرب عاطفياً أو فكرياً ، ونريد أن تتحقق أوهامنا، فلن تتحقق، فكل من وقف ضد الغرب سيخسر المعركة، وكل من ساندهم  سينتصر. لا تستطيع روسيا وإن تحالفت مع الصين  تغير النظام الدولي، ما هو إلا  أوهام عند البعض، 75% من الاقتصاد العالمي فرض عقوبات شديدة قاسية اقتصادية ومالية وفي كل مناحي الحياة، كما إن ترويج  بوتين حول إمكانية  استخدام القدرات النووية الروسية أو التهديد، هذا هراء وتهريج الجاهلين، وأيضا قدرة روسيا مواجهة العقوبات الاقتصادية والمالية  وكل الأنشطة، والتهويل بتأثر الغرب  بالعقوبات الاقتصادية والمالية تمامًا مثل روسيا.

يحاول الغرب أن يقلل ويحد من تأثير العقوبات على اقتصاده، إنما الاقتصاد الروسي تعرض لعدة ضربات قاضية ومؤلمة جداً:
1_ روسيا تهزم في أوكرانيا هزيمة مذلة تتراجع على الأرض ، وتتراجع أهدافها : تراجعت عن احتلال كل أوكرانيا واكتفت بالعاصمة، ثم تراجعت عن احتلال العاصمة واكتفت بحصارها، ثم تراجعت عن حصارها. وتراجعت عن إسقاط النظام الديمقراطي وإقامة نظام عميل لها. 

2_  تراجعت عن رفض انضمام أوكرانيا  للاتحاد الأوربي، والآن تكتفي بخوض معركة لاستكمال احتلال مقاطعتين ناطقين بالروسية (ثلثي مساحتها، ساقطة بید الروس من سنوات) وشبه جزيرة القرم ( المحتلة من عام (2014). 

3- أكثر من 75% من الاقتصاد العالمي  فرض عقوبات اقتصادية ومالية  وفي كل نواحي الحياة  الثقافية والرياضية والاعلامية… عقوبات قاسية وشديدة ستستمر لعقود، مقابل غزوها لأوكرانيا، واستمرار احتلالها للقرم، وإعلان روسيا وحيد الجانب جمهوريتين مستقلتين قطعتهما من الحدود الدولية لأوكرانيا. 

4- مقابل تراجع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو، وعدم عقد تحالفات عسكرية وإجراء مناورات عسكرية على أراضيها طالبت بضمانات أمنية لها من ثماني دول دولية منها  ثلاث دول في الناتو أمريكا، ألمانيا، تركيا، وأيضا إسرائيل وكندا وغيرها في حال  تعرضت للعدوان.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى