مقالات

قراءة في انعكاسات الأزمة الأوكرانية على النظام الدولي

وجيه مهند حلاق

منذ أن بدأت روسيا غزو أوكرانيا، كثر الحديث بالأوساط العربية والإقليمية عن بزوغ فجر، نظام دولي جديد، يحمل طابع الثُنائية القطبية، ومنهم من زعم أنه ذا طبيعة تعددية قُطبية، وفي الحقيقة كل هذا الكلام مُستعجل فيه، والولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت هي القطب الواحد في هذا العالم، وذلك لعدة أسباب، أولاً انها تمتلك الشرعية الدولية، وتُهيمن على أدوات الإقتصاد للكيانات والقوى، وإضافةً لهذا والأهم، أنها تمتلك القوى العسكرية والتكنولوجية الأولى في العالم، كما أنها المتحكم الأول في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، ومن المُبكر أن نُسقط كل هذه المُعطيات لأجل مُعطى واحد (شاذ) سببه التنافس الجيوسياسي.
علينا أن ندرك أن الحرب تغيرت وموازين القوى في العالم، بعد نهاية الحرب الباردة، لم تعد هناك ندية حقيقية في الصراع، فالأصح أن شكل الصراع الدولي الآن ذو طابع تنافسي، أكثر منه صِدامي مباشر، أي أنه يرعى حروباً ومعارك من نوع آخر (حروب الجيل الرابع والخامس)، أو (الحرب المفتوحة) التي تعددت فيها الأدوات، وأصبحت حرباً ذات طبيعة ضبابية مُبهمة، لا يمكن الحكم عليها، لأن المُعطيات فيها غير مُلاحظة بشكل مُباشر، إنما هي خفيفة وذات لمسات ناعمة، وتتطور الصراع إلى شكل الحرب الأوكرانية لا يعني إعلان استقلالية او إنهيار او تغير جذري في النظام الدولي، إنما هو عبارة عن تأكيد على (الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية) وبصيص أمل لإثبات وجود، ومحاولة لتحصيل قيمة ومكانة في النظام الدولي، ولم يكن الأمر إعلان محوريين مُتصارعين (لإختلال ميزان القوى بين الطرفين ) ، إنما عبارة عن مطالبة بحق تراه، روسيا لها حق

حيث أن روسيا تنطلق من مدرسة ألكسندر دوغين، في تعريفها لنفسها جيوبولتكياً (قوة السياسة، من الأرض)، وكذلك أنها ترى أن دول أوربا الشرقية ضمن مجالها الحيوي، وجزءا من مشروعها الأوراسي، في محاولة للسيطرة على (قلب الأرض) حسب مدرسة ميونخ الألمانية ، ونظرية قلب الأرض للعالِم الألماني ماكندر حيث تراه روسيا من ضمن مراجعها الجيوبولتكية!.

وهنا لا نُغفل دور يفكني بريماكوف وزير خارجية روسيا السابق والأب الروحي لبوتين، في بلورة أهداف روسيا، والذي يرى بضرورة، منع وصد التمدد الأطلسي شرقاً، وعودة روسيا لحوض المتوسط في محاولة، لأن تكون لاعب رئيسي دولي، وليس قُطباً فمن المُبكر الحديث عن الأقطاب الجديدة .

ومن خلال هذه المُعطيات ندرك أن لا روسيا ولا حتى الصين، بإمكان أحد منهما إعلان نظام عالمي مُتعدد الأقطاب
لأن الولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت مُهيمنة على أدوات القوة الفعلية في هذا العالم، وما زاللّت قادرة على محاصرة ومعاقبة اي شاذ، ما حصل أكد لنا الواقعية، وقدر مُعين من الحركة المُكلفة في عالم تخطه غطرسة الطغاة بين الشرق والغرب.

إن من أهم ركائز الفهم للحالة الدولية، هي أن ننطلق من الواقعية، لا المثالية ولا العواطف، وإن أهم مُحرك للاعب الدولي هي القوة والمصلحة، و أن ما حصل محاولة لإثبات وجود، لا ترقى لإعلان نظام دولي جديد، و أن المرحلة الحالية هي مرحلة تنافس، وليست تصادما، ونذكركم أن بوتين وجماعته لا يزالون، يقولون عن الغرب (شركاء) تعبيراً عن طبيعة العلاقة التنافسية بينهم ، وهذا التعبير عن الحالة لا يرقى لإعلان نظام جديد، ولا حتى صِدامات مباشرة، إنما عبارة عن تصادُمات غير مباشرة، هدفها المحافظة على وضع ما أكثر مما هي تغير وضع ما .

وهذا يؤكد أهمية القوة وأن نعمل على كسبها كي نحوز الاحترام والمكانة بين الدول، ونكون جزءا من حالة تنافسية تفضي إلى فرصة يوماً ما في حال صِدام اللاعبين الكبار، أن نكون نحن القوى الوارثة للسيادة والقرار على هذا العالم بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى