مقالات

من بينها قضيَّة سليماني…عقبات جديدة تهدِّد إحياء الاتِّفاق النَّووي!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


برغم ما تناقلته وسائل الإعلام الغربيَّة نهاية الأسبوع الماضي عن قُرب وصول الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وإيران إلى صيغة جديدة للاتِّفاق النَّووي المُبرم عام 2015م بين الطَّرفين، بعد حلِّ كافَّة النِّقاط الخلافيَّة، يتردَّد في السَّاعات الأخيرة عن ظهور عقبات جديدة تهدِّد مشروع إحياء الاتِّفاق، بعد تبادُل طرفي النِّزاع الاتِّهامات بالتذرُّع وعدم الالتزام بالشُّروط المتَّفق عليها من قَبل. كان الاتِّحاد الأوروبي قد أعلن في 11 مارس 2022م عن توقُّف الجولة الثَّامنة من مفاوضات فيينا، المعنيَّة بتقريب وجهات النَّظر وحلِّ الخلافات، لكنَّ جوزيب بوريل، مسؤول السِّياسة الخارجيَّة بالاتِّحاد الأوروبي، صرَّح لاحقًا لصحيفة اندبندنت البريطانيَّة بأنَّ إبرام الاتِّفاق كان وشيكًا، حيث قال “قادة العالم قريبون للغاية من التَّوصُّل إلى اتفاقيَّة مع إيران بشأن إعادة إحياء الاتِّفاق النَّووي لعام 2015”. وقد أرجع البعض توقُّف المفاوضات حينها إلى تدخُّل روسيا بفرض شرط جديد، وهو عدم مساس العقوبات الأمريكيَّة المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا في فبراير الماضي بالتَّعاملات الرُّوسيَّة-الإيرانيَّة في الشَّأن النَّووي؛ حيث قيل إنَّ الولايات المتَّحدة وافقت على السَّماح لروسيا بشراء فائض اليورانيوم المخصَّب من إيران، كما نشرت شبكة فوكس نيوز الأمريكيَّة في 25 مارس 2022م.
وحرصت إدارة الرَّئيس الأمريكي جو بايدن (يناير 2021م-إلى الآن) على تطمين حلفائها في منطقة الشَّرق الأوسط بشأن إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، من خلال إرسال أنتوني بلينكن، وزير الخارجيَّة في إدارة بايدن، في رحلة إلى المنطقة، توجَّه في بدايتها إلى دولة الاحتلال الصُّهيوني، حي التقى بـ 4 من وزراء الخارجيَّة العرب، إلى جانب نظيره الإسرائيلي، في قمَّة سداسيَّة عُقدت في مدينة النَّقب في الأراضي المحتلَّة. أكَّد بلينكن حينها على ثبات الموقف الأمريكي في مواجهة التَّهديدات الإرهابيَّة الإيرانيَّة. وبرغم أنَّ من بين الشُّروط الَّتي تفرضها دولة ملالي الرَّافضة لإبرام الاتِّفاق رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، صرَّح بلينكن بأنَّ إدارة بايدن لم تتَّخذ قرارًا نهائيًّا في ذلك الصَّدد؛ ما أثار تساؤلات عن مستقبل مشروع إحياء الاتِّفاق، إذا رفضت الإدارة الأمريكيَّة ذلك الشَّرط.
نوَّاب برلمانيون يتَّهمون بايدن بتسهيل الإرهاب!
تواجه إدارة جو بايدن عقبة داخليَّة تعرقل مساعيها لإحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، وهي رفْض نوَّاب في الكونغرس الأمريكي، ينتقدون “هوس الرَّئيس الأمريكي بالعودة إلى الاِّتفاق”، استمرار إدارة جو بايدن في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وكما نشرت جريدة الشَّرق الأوسط في 31 مارس 2022م، فشَل روب مالي، المبعوث الأمريكي الخاصّ إلى إيران، في إقناع أعضاء الكونغرس في إحاطات سريَّة بالصِّيغة الجديدة للاتِّفاق. فقد رأى كثيرون أنَّ رفْع العقوبات الاقتصاديَّة عن نظام ملالي الرَّافضة سيمنحه الفرصة لتمويل أعمال تخريبيَّة جديدة تستهدف دول المنطقة، لا سيِّما إسرائيل. وتنقل الجريدة عن تيد كروز، وهو سيناتور يتبع الحزب الجمهوري المناوئ للحرب الدِّيموقراطي الحاكم، قوله “كلُّ ما رأيته من إدارة بايدن هو استعدادها لتقديم كل التَّنازلات المطلوبة”، مضيفًا أنَّ “ضعف بايدن وتقرُّبه من طهران، وإصراره الأيديولوجي على إرسال مئات المليارات من الدُّولارات لنظام متعصِّب يطالب بموت الأمريكيين، ليس منطقيًّا مطلقًا”. في حين برَّر السِّيناتور ماركو روبيو تهافُت إدارة بايدن على إحياء الاتِّفاق النَّووي بقوله “أعتقد أن جزءًا من السَّبب يعود لأشخاص كانوا في إدارة أوباما رأوا الاتِّفاق أحد إنجازاتهم العظيمة الَّتي يريدون استرجاعها. وبصراحة هذا يرسل رسالة خطيرة من الإدارة مفادها بأنَّك إذا كنت عدوًّا لأمريكا فسوف نبرم صفقة معك. وإذا كنت حليفًا أو شريكًا استراتيجيًّا، فسنقوم بالعكس. وهذه رسالة خطرة جدًا”، نقلًا عن الشَّرق الأوسط. وأشار السٍّيناتور الأمريكي إلى أنَّ سبب عداء بلاده لإيران هو ارتكابها أعمالًا إرهابيَّة ضدَّ جيرانها، مذكِّرًا بأنَّ الاتِّفاق النَّووي الجديدة قد لا يوفِّر ضمانة لعدم تطوير إيران سلاحًا نوويًّا؛ الأمر الَّذي قد تكون له تبعات لا يُحمد عقاها.
قضيَّة قاسم سليماني…عقبة جديدة تلوح في الأفق
كشفت إذاعة فردا (Radio Farda) الإيرانيَّة المعارضة عن أنَّ قضيَّة مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السَّابق، الَّذي اغتالته الولايات المتَّحدة في 3 يناير 2020م في غارة شُنَّت على مطار بغداد الدُّولي، تهدِّد بإفشال مساعي إحياء الاتِّفاق النَّووي، بعد أن اشترط الجانب الأمريكي تعليق التَّحقيق بشأن اغتيال سليماني، في مقابل شطْب الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب. وقد كشفت الإذاعة المعارضة عن حصول الإدارة الأمريكيَّة على معلومات عن تخطيط إيران للرَّدِّ على مقتل سليماني من خلال معاقبة مسؤولين أمريكيين سابقين شاركوا في تنظيم اغتيال قائد فيلق القدس السَّابق، وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكيَّة، وتهدِّد بإنهاء المفاوضات، في حال أصرَّ الجانب الإيراني على الانتقام لمقتل سليماني. وممَّا يشير إلى توتُّر الأجواء بين طرفي النَّزاع في الأيَّام الأخيرة توجيه سعيد خطيب زاده، المتحدِّث باسم الخارجيَّة الإيرانيَّة اتِّهامًا إلى إدارة جو بايدن بانتهاك الاتِّفاق النَّووي وقرار مجلس الأمن الدُّولي رقم 2231، واصفًا حظْر الإدارة الأمريكيَّة لشخصيَّات إيرانيَّة بأنَّه “مؤشِّر آخر على سوء النَّوايا للإدارة الأمريكيَّة تجاه الشَّعب الإيراني، والَّتي تهدف إلى مواصلة سياستها الفاشلة المتمثِّلة في ممارسة أقصى قدر من الضُّغوط على إيران”.
إدارة بايدن تدرس بدائل الاتِّفاق النَّووي في حال فشلت المفاوضات
تحسُّبًا لفشل المفاوضات الجارية بين الولايات المتَّحدة وإيران في الوصول إلى اتِّفاق مُلزم ومُرضٍ للطَّرفين، طالَب أنتوني بلينكن نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بطرح بديل عن ذلك الاتِّفاق يمنع إيران من تطوير سلاح نووي، خلال زيارة بلينكن الأخيرة لإسرائيل، بحسب ما نشره موقع اكسيوس (Axios) الاستخباراتي الأمريكي. وقد أوضخ الموقع الأمريكي أنَّ بينيت لم يشر إلى الحلِّ العسكري بشنِّ ضربة استباقيَّة لتدمير المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة، بل اكتفى بفرض عقوبات رادعة، حيث أورد نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين “بينيت أخبر بلينكن أنَّه يمكن ردْع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى المستوى العسكري بنسبة 90 في المئة إذا أقدمت الولايات المتَّحدة والدُّول الأوروبيَّة على فرْض عقوبات على طهران شبيه بتلك الَّتي فُرضت على روسيا”. جدير بالتَّذكير أنَّ وزراء الخارجيَّة العرب المشاركون في قمَّة النَّقب، إلى جانب وزيري الخارجيَّة الأمريكي والإسرائيلي، قد صرَّحوا بتخوُّفهم حيال رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، وقد حرص عبد اللطيف الزَّياني، وزير الخارجيَّة البحريني، على التَّحذير من تهديدات إيران للمنطقة، مطالبًا بتأسيس تحالُف عسكري عربي-إسرائيلي (الناتو العربي) لمواجهة تلك التَّهديدات. وقد أعرب الشَّيخ أحمد ناصر المحمَّد الصُّباح، وزير خارجيَّة الكويت في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي، عن قلق دول الخليج من عدم التزام إيران بالاتِّفاق النَّووي الجديد، باستغلال أسلحتها النَّوويَّة السِّرِّيَّة في استهداف جيرانها العرب، وفق ما نشره موقع العربيَّة في 29 مارس 2022م. ونتساءل: هل ستكتفي إسرائيل بفرض عقوبات جديدة على إيران في حال فشلت مفاوضات إحياء الاتِّفاق النَّووي، أم ستشنُّ ضربة استفزازيَّة ضدَّ إيران، تبرِّر استهداف الأخيرة جيرانها العرب حلفاء إسرائيل بضربات مكثَّفة؟ وما تفسير الأنباء المتضاربة عن حلِّ الخلافات ووصول طرفي النِّزاع إلى صيغة نهائيَّة للاتِّفاق النَّووي الجديد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى