بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 21 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

أ. يعلمهم الكتاب:

       والكتاب هو القرآن الكريم, هذا الكتاب الذي اختزل كل الكتب السماوية الأخرى, ولخص كل ما جاء فيها, وحفظ ما جاء فيها , وقدم كل ما جاء فيها, صادقاً مصدقاً , قال الله تعالى:

        {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}المائدة48.

        فهذا الكتاب يقدم لنا النسخة الصحيحة, غير المحرفة من الكتب الأخرى, ويعطي أفضل وأحسن وأصدق ما فيها, وهذا الكتاب محفوظ من التحريف والتزوير, ولا يمكن تزويره أو تحريفه, مهما حاول المحاولون, وعلى كثرة ما حاول من حاول, ولا يمكن محاكاة هذه القرآن , أو الإتيان بمثله, ولا عشر سور منه, ولا حتى سورة واحدة..

       ـ الكلمة القرآنية الواحدة منه, معبأة تعبئة بحيث, لا يمكن لأحد أن يغير كلمة واحدة من مكانها, ولو غُيرت لاختل المعنى, وفسد البيان, وظهر الخلل واضحاً, وهذه الكلمة يفهمها كل جيل, فهماً خاصاً به, يختلف عمن سبقه, ويأخذ منها حاجة لزمانه, تعطي معنىً جديداً, يتناسب مع ثقافة العصر وعلومه وتطويره..

        وفي كل جيل هناك معجزة يكتشفها أهل هذا الجيل, مما يدلل على أن هذا الكتاب هو معجزة الله الخالدة, خلود الدنيا, وخلود السماوات والأرض..

(المائدة 48)  

        – ومن حسن تعليم هذا الكتاب سهولة حفظه, سواء أكان الحافظ عربياً, أم غير عربي, مصداقاً لقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}القمر17, 22, 32, 40, والمقصود بالذكر هنا: الحفظ .

        – ومن حسن تعليمه أن الباحث في القرآن الكريم يجد فيه ضالته, ويكتشف فيه أشياء جديدة, وكلما تعمق أكثر في البحث, كلما اكتشف أشياء أكثر, ووجد أشياء جديدة, لم تكن تخطر له على بال, ومع كثرة البحوث, وكثرة الباحثين, يظل هذا القرآن بكراً, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي القرآن يوم القيامة بكراً).

         وسيكتشف الناس مدى تقصيرهم في اكتشاف كنوز هذا القرآن, في يوم القيامة, عندما يأتي تأويله واضحاً جلياً, يقول الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53 أي يوم القيامة..

ب- (والحكمة ):

      الحكمة: من حَكم تحْكيمُ, القاضي الذي يحكم بين الناس حَكم: يحكمُ – من الحكمِة, أي صار حكيماً.

الحكمة: هي السياسة الصحيحة لكل حركة في الحياة, مع نفسك, ومع أهلك, ومع ربك, ومع رعيتك, مع المشتري, ومع البائع, مع الجار, ومع الضيف, مع التلاميذ, ومع الجند, مع الناس, ومع الحيوان, ومع الشجر..

         كل حركة فيها نظام وحكمة , جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم , من يقرأ السنة النبوية يعجب لما فيها , فما من حركة في الكون , إلا وجاء بها المصطفى , قال الله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113.

        كل ما يحدث اليوم يقع كما أخبر عنه المصطفى بدقة متناهية , وهذه الحكمة لم تعط لنبي قبله , ولن تعطى لأحد من البشر بعده , لقد غطى حركة الكون كله, وحياة الإنسان كلها, ساعة بساعة, من ساعة ما يستيقظ إلى ساعة ما ينام , وتجد الحكمة في كل حركة تقوم بها من حركاتك, على وفق ما جاء في سنته وسيرته عليه الصلاة والسلام, فلم يدع صغيرة ولا كبيرة إلا علمنا كيف نعملها, وكيف نقوم بها, وكيف نؤديها, ولا يمكن لبشر في الكون أن يفعل ذلك إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..

         هذه هي دعوة إبراهيم التي استجابها الله سبحانه وتعالى له , فأناط مهمة الحكمة , والحكم بهذه الأمة, قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ}الرعد37 , هذه الحكمة التي ظلت تصبغ هذا الدين , وحملة هذا الدين , بعد أن هداهم الله للإيمان , وزكاهم , وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون , وزادهم من فضله ..

ج- (ويزكيهم):

         زكا الشيء: نما وصلح وتنظف وتطهر, وعندما نقول: زكيت فلانا عند فلان: أي مدحته له, وذكرت له كل صفاته الحميدة , وأزلت عنه ما قد يلحق به من طعن أو مثلبة, والعرب بمحمد أصبحوا زاكين طاهرين مطهرين, سواء أتعلموا أم لم يتعلموا, وهذا هو قدم الصدق, قال الله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }يونس2 .

         ومن قدم الصدق: إجلال العالم الإسلامي كله للعرب, واحترامه لهم, وتقديسه لهم, وكل الأقوام المسلمة من غير العرب تعتز بالعرب وتقدرهم, وتقدمهم, وتتبرك بهم, وتتشرف بنسبهم, وتأنس قربهم, إلا الذين في نفوسهم شيء من الشعوبية والباطنية, فهؤلاء من أهل النفاق الذي تحدث عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى