مقالات

الإعلان عن الناتو العربي: ترحيب إسرائيلي وتحذير فلسطيني

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


تتحدَّث وسائل الإعلام الإسرائيليَّة عن أنَّ من بين الملفَّات السَّاخنة الَّتي تناولتها قمَّة النَّقب السُّداسيَّة، المنعقدة في مدينة النَّقب في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة يومي 27 و28 مارس 2022م، برعاية إسرائيليَّة ومشاركة وزراء خارجيَّة الولايات المتَّحدة ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، تشكيل التَّحالف الاستراتيجي للشَّرق الأوسط، والمعروف إعلاميًّا باسم الناتو العربي، الَّذي سيضمُّ دولة الخليج العربي ومصر والأردن وبعض دول شمال إفريقيا، إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، لمواجهة التَّهديدات الإيرانيَّة، لا سيِّما النَّوويَّة. وبحسب ما نشرته صحيفة العين الإخباريَّة الإماراتيَّة، ستُعقد تلك القمَّة العربيَّة-الإسرائيليَّة سنويًّا، وسيتنقَّل مكان عقْدها، دون اشتراط أن تكون إسرائيل هي المضيف الدَّائم لها. وتنقل العين الإخباريَّة عن الدُّكتور طارق فهمي، وهو أكاديمي وخبير سياسي مصري، رأيه فيما تناقلته وسائل الإعلام العربيَّة والإسرائيليَّة عن إعلان وشيك للناتو العربي، وهو أنَّ من المبكر الحديث عن ذلك التَّحالف، حتَّى وإن عُقدت القمَّة العربيَّة-الإسرائيليَّة بشكل دوري ومتكرِّر، معلِّقًا عن مشاركة أمريكا في تلك القمَّة بقوله “الولايات المتَّحدة تبعث برسالة بأنَّها تسعى لبناء تحالفات أمريكيَّة عربيَّة متماسكة في المنطقة، وسط مخاوفها من تمدُّد عربي نحو المعسكر الرُّوسي الأخر، لاسيِّما بعد الاتِّصالات الَّتي أجراها قادة عرب مع موسكو مؤخَّرًا”. وكان أنتوني بلينكن، وزير الخارجيَّة الأمريكي، قد صرَّح في مؤتمر صحافي جمَعه بنظيره الإسرائيلي، يائير لابيد، بأنَّ الإدارة الأمريكيَّة لم تقرِّر بعد رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، وهو من شروط الجانب الإيراني لإتمام صفقة إحياء الاتِّفاق النَّووي، في محالة للتَّأكيد على الالتزام الأمريكي برعاية مصالح حلفائها في الشَّرق الأوسط، في مواجهة العدوِّ الإيراني المشترك.
الإعلام الإسرائيلي يتوعَّد رعاة الإرهاب والتَّطرُّف بتحالف عربي-صهيوني رادع
تحت عنوان ” A ‘mini-NATO’ for the Middle East won’t be stopped by terror”، أو الإرهاب لن يمنع تشكيل ‘‘ناتو مصغَّر’’ للشَّرق الأوسط، نشرت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيليَّة في 28 مارس 2022م مقالًا تحليليًّا، يتناول انعقاد قمَّة النَّقب في تلك الفترة شديدة الحساسيَّة، لتكون بمثابة تحدٍّ في مواجهة الإرهاب والتَّطرُّف، في محاولة لتعزيز الاستقرار والازدهار في منطقة الشَّرق الأوسط. وبرغم اتِّفاق كافَّة المشاركين في القمَّة على أنَّ إيران هي الخصم الواجب التَّصدِّي لتهديداته، يشير المقال إلى أنَّ عبد اللطيف الزَّياني، وزير الخارجيَّة البحريني، كان الوحيد من بين المشاركين الَّذي حدَّد إيران بالاسم بوصفها مكن الخطر ومصدر التَّهديد الأمني، كما كان الوحيد الَّذي تحدَّث عن ‘‘ناتو مصغَّر’’ لمواجهة التَّهديدات الإيرانيَّة المتزايدة، سواءً من خلال هجمات تشنُّها قوَّات الحرس الثَّوري الإيراني، أو تنظِّمها أذرع نظام ملالي الرَّافضة، على رأسها جماعة الحوثي الشِّيعيَّة المسلَّحة في اليمن. أيَّد وزراء الخارجيَّة العرب المشاركون في قمَّة النَّقب مطالبة نظيرهم الإسرائيلي، يائير لابيد، وزير الخارجيَّة الأمريكي بعدم إزالة الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة بعد إبرام الاتِّفاق النَّووي، ليؤكِّد بلينكن ما سبق قوله عن عدم اتِّخاذ الإدارة الأمريكيَّة قرارًا نهائيًّا في هذا الصَّدد.
ومن الملفت أنَّ ممثِّلين للسُّلطة الفلسطينيَّة شاركوا في القمَّة؛ ومع ذلك، فقد نشَر محمَّد اشتيه، رئيس وزراء السُّلطة، تغريدة على حسابه على شبكة تويتر انتقد فيها عقْد القَّمة دون تناوُل القضيَّة الفلسطينيَّة، حيث قال “إسرائيل تتجاهل قضايا شعبنا، نصفهم تحت الاحتلال، والنِّصف الآخر في مخيَّمات اللاجئين، وفي المنفى والشَّتات. اجتماعات التَّطبيع العربي دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هي مجرَّد وهم وسراب ومكافأة مجانيَّة لإسرائيل”. في حين أشادت صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة بنجاح قمَّة النَّقب، معتبرةً أنَّ “الصُّور التَّاريخيَّة لوزراء الخارجيَّة العرب الَّذين زاروا، غير بعيد عن قبر دافيد بن غوريون، كانت شهادة أخرى ملموسة على التَّغيُّر الَّذي حدث في الشَّرق الأوسط منذ التَّوقيع على اتِّفاقات إبراهيم”. وتنقل هآرتس عن الدُّكتور غيل مورسياني، مدير عام معهد “متفيم” للسِّياسة الخارجيَّة الإقليميَّة، تأكيده على الدَّور الأمريكي المحوري في تشكيل التَّحالف العربي-الإسرائيلي، حيث اعتبر أنَّ فرص تشكيل التَّحالف بدون رعاية أمريكيَّة ضئيلة. ودلَّلت الصَّحيفة الإسرائيليَّة في مقالها على “تدهور مكانة السُّلطة الفلسطينيَّة في العالم العربي”، بالإشارة إلى أنَّ أحدًا من المشاركين من وزراء الخارجيَّة العرب لم يتطرَّق إلى عمليَّة السَّلام الفلسطينيَّة-الإسرائيليَّة.
جهود أردنيَّة حثيثة لإحياء حلِّ الدَّولتين
علَّق مقال جيروساليم بوست آنف الذِّكر على عدم مشاركة الأردن في قمَّة النَّقب، بأنَّ وزير خارجيَّتها، أيمن الصَّفدي، توجَّه لحضور مؤتمر آخر في دولة قطر، مع التَّأكيد على مشاركة المملكة الهاشميَّة في القمم المقبلة. هذا، وتزامنًا مع انعقاد قمَّة النَّقب في الأراضي المحتلَّة، توجَّه العاهل الأردني، عبد الله الثَّاني بن الحسين، إلى رام الله، لمقابلة محمود عبَّاس، رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة، في محاولة للدَّفع بحلِّ الدَّولتين، ومنْح المطالب الفلسطينيَّة الاهتمام الواجب، حيث صرَّح عبد الله الثَّاني بقوله “علينا أن نعي وندرك أهميَّة أن تحظى القضيَّة الفلسطينيَّة بالزَّخم المطلوب دوليًّا، وألَّا تقلل أية أزمات مستجدَّة من حضورها على السَّاحة العالميَّة”، نقلًا عن وكالة الأنباء الأردنيَّة، بترا. وقد تردَّد أنَّ من أسباب زيارة العاهل الأردني لرام الله في هذا التَّوقيت محاولة احتواء أيِّ انفلات أمني يحدث خلال شهر رمضان، نتيجة العمليَّات الفدائيَّة الفلسطينيَّة أو الاستفزازات الإسرائيليَّة باقتحام المسجد الأقصى المبارك، كما حدث في رمضان الماضي. هذا، وقد التقى عبد الله الثَّاني بن الحسين بيني غانتس، وزير الدِّفاع الإسرائيلي، في العاصمة الأردنيَّة، عمَّا، لنفس السَّبب، حيث نشر مكتب غانتس بيانًا جاء فيه أنَّ اللقاء تناوَل “الخطوات لتهدئة التَّوتُّر في القدس، بالتَّنسيق والتَّعاون الأمني والخطوات الإسرائيليَّة لتحسين الوضع”.
فصائل فلسطينيَّة تندِّد بقمَّة النَّقب وتحذِّر من الناتو العربي
تزامَن مع قمَّة النَّقب وقوع هجومي انتحاري أسفر عن مقتل شرطيين اثنين في مدينة الخضيرة شمالي إسرائيل، أعلن تنظيم داعش المسؤوليَّة عنه. وقد وقع هجوم آخر شنَّ مسلَّح على درَّاجة ناريَّة في منطقة بني براك في ضاحية تل أبيب وسط إسرائيل، أدَّى على مقتل 5 مستوطنين إسرائيليين وإصابة 6 آخرين ومقتل منفِّذ تلك العمليَّة. ويبدو أنَّ التَّحالف العربي-الإسرائيلي سيواجه رفْض الفصائل الفلسطينيَّة المسلَّحة، الأمر الَّذي قد يأخذ شكل المقاومة المسلَّحة، الَّتي قد تفضي بدورها إلى صراع مسلَّح واسع النِّطاق، كما أفضت اقتحامات المستوطنين اليهود المسجد الأقصى في رمضان الماضي إلى معركة سيف القُدس. فقد انتقدت حركة حماس قمَّة النَّقب ولقاء وزراء الخارجيَّة العرب بنظيرهم الإسرائيلي على الأراضي المحتلَّة، معتبرةً أنَّ تلك القمَّة لا تخدم سوى مصالح المحتلّ. ولم يختلف رأي حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشَّعبيَّة لتحرير فلسطين عن رأي حماس بشأن تلك القمَّة، الَّتي عُقدت وسط تجاهُل عربي تامّ لعمليَّات الاستيطان والتَّهويد والاضطهاد والتَّهجير والتَّعذيب الإسرائيليَّة ضدَّ الأراضي المحتلَّة وأهلها.
ونتساءل: هل سعي الأردن الدَّفع بحلِّ الدَّولتين وإحياء القضيَّة الفلسطينيَّة محاولة لإعفاء السَّعوديَّة من حرج إعلان التَّطبيع مع إسرائيل دون الالتزام بشرط المبادرة العربيَّة لعام 2022م للتَّطبيع، وهو تأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود5 يونيو 1967م؟ وإلى ما ستفضي العمليَّات المسلَّحة الَّتي تنظِّمها وتباركها الفصائل الفلسطينيَّة والجماعات المسلَّحة الموالية لإيران ضدَّ المستوطنين اليهود؟ وما سرُّ تزامنها مع الحديث عن تشكيل الناتو العربي-الإسرائيلي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى