دين ودنيا

هل معصية أورثت ذلا وانكساراً أفضل من طاعة أورثت عزّاً واستكباراً؟

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

سأل سائل كريم عن قول ابن عطاء الله السكندري: السلام عليكم د.هاني سؤال وصلنا لكم:”معصية أَوْرَثَتْ ذُلاًّ وافتقاراً خَيْرٌ مِنْ طَاعَةٍ أَوْرَثَتْ عِزاًّ واسْتِكْبَاراً”. هذا قول ابن عطاء الله السكندري، ألا يخالف قوله تعالى : ولاتستوي الحسنة ولاالسيئة؟

أقول مستعيناً بالله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.

هذه عبارة مسطورة في كتاب الحكم العطائية للعالم الصوفي ابن عطاء الله السكندري؛ أحد أعلام الطريقة الشاذلية المتوفى عام 709هـ. وسأختصر ردي على النحو التالي:

أولاً: من الناحية الشكلية هذه العبارة ليست حديثاً نبوياً؛ لنضطر أن نبذل وسعنا لتأويله، فالأحاديث النبوية الصحيحة من مشكاة النبوة (ما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى) النجم الآيتان: 3،4.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً؛ ورغم ذلك لم يقل مثل هذه العبارات المبهمة!.

ثانياً: كتب وأقوال ابن عطاء الله السكندري بها غموض وإشارات واختصارات أقرب إلى الألغاز!؛ على طريقة علماء الصوفية! لسنا بحاجة إلى التكلف لتفسير، وتوضيح غموض كلامه وإشاراته، وفك طلسماته وألغازه المبهمة!.

ثالثاً: ظاهر عبارة ابن عطاء الله السكندري؛ كأنه يفضل المعصية على الطاعة! رغم أنني شخصياً لا أعتقد أنه يقصد ذلك؛ لكن المشكلة في علماء الصوفية أنهم يستخدمون كلمات وعبارات غامضة تثير البلبلة! لذلك انبرى بعض العلماء لتبرير كلام ابن عطاء الله السكندري؛ كالعلامة المناوي في فيض القدير: “وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك”أهـ.

رابعاً: ظاهر كلام ابن عطاء الله السكندري يتناقض وقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وَلَا تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ) فصلت آية 34. يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير:”وقد علمتَ غير مرة أن نفي الاستواء ونحوه بين شيئين يراد به غالباً تفضيل أحدهما على مُقابله بحسب دلالة السياق كقوله تعالى : (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)السجدة 18: “أهـ.

أقول: قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) النساء آية 87. بالطبع لا أحد. فالذي يعصي الله ورسوله ويموت على ذلك فجزاؤه في قوله تعالى:  (وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدْخِلْهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء آية 14.

كما أن الذي يتوب عن المعصية؛ له خير عميم في الآخرة قال تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الفرقان آية 70. وقوله سبحانه وتعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) طه آية 82. وهناك آيات وأحاديث كثيرة تبين بشاعة المعصية، وحسن الطاعة وفضل التوبة. فشتان بين الطاعة والمعصية!.

خامساً: إذا كان العبد صادقاً في توبته عن المعصية فإن ثمرة هذه التوبة النصوح؛ التقوى والذل والانكسار والخشوع لرب العالمين. أما إذا كان العبد يعمل الطاعات ظاهراً، ولم يتأثر بها قلبه فهذه ليست الطاعة المقصودة شرعاً!..

سادساً: باب (هو الطهور ماؤه) أزيد شيئاً لم يرد في السؤال من باب تعميم الفائدة؛ ابن عطاء الله السكندري كان شديد الخصومة مع شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان من المحرضين عليه عندما كان في مصر، كما أنه لم يثبت أن ابن عطاء الله السكندري ناظر ابن تيمية كما يزعم شيوخ الصوفية في عصرنا؛ أن هناك مناظرة جرت بين ابن تيمية وابن عطاء الله السكندري! هذا محض كذب.

صفوة القول

إن ظاهر عبارة العالم الصوفي أحد أقطاب الطريقة الشاذلية؛ ابن عطاء الله السكندري؛ تناقض قول الله تعالى (وَلَا تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ). على أية حال نحن لسنا بحاجة إلى التكلف بغية تفسير المجمل والمبهم من كلام ابن عطاء الله السكندري وغيره. ولسنا بحاجة إلى حواشي وتأويلات لشرح عباراته الغامضة!. كما أنه  إذا كان لا بد من الاطلاع على حكم ومواعظ العلماء فهناك كوكبة من أقول الأئمة الأعلام من أهل السنة ما يغني بفضل الله تعالى؛ كأبي حينيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والليث بن سعد، والفضيل بن عياض،  وسفيان الثوري وابن عيينة، والأوزاعي، وابن الجوزي، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وغيرهم من علماء السلف والخلف؛ الذين سطروا صحائف من نور في جبين التاريخ.

د.هاني السباعي

26 شعبان 1443هـ ـ 29 مارس 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى