مقالات

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

د. حسين محمد الكعود

دكتوراه في العقيدة الإسلامية
عرض مقالات الكاتب


لقد هاجر أهل الشام من كل أطرافها، أهل فلسطين بسبب يهود، وأهل العراق من قبل بعد دخول الأمريكان وتسليم العراق لمجوسية إيران، وآخرها هجرة أهل سورية بسبب الإجرام النصيري وأعوانه وحلفائه، ومازالت المعاناة تجر أيامها ولياليها، عذاباتها في كل نفس، تربي جيل التحرير ودعاؤها دعاء نبيها في طريق الرسالة: إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، وإنه لواقع مشهود وليس كلاماً يكتبه أهل التعبير والإنشاء.
إن مروءة المشركين التي أمرت عداساً أن يأخذ قطف العنب يشبهها مروءة أهل السلل الغذائية في مقرات الأمم المتحدة، التي تريد من الشعب الحر الأبي عبداً ذليلاً متسولاً ينتظر هذه المذلة بكل هوان، والمصيبة بموظفين مرتزقة من بني جلدتنا ممن خرج من وحل الألم ــــ إلا من رحم ربي ــــ سرقت البعير كله وليتها أعطت لمن تتفضل عليهم الأذن.
يريدون قتل هذا الكبرياء في صدرك، يريدون لك أن ترجع إلى حظيرة الطاعة، ويقولون ـــــ تريدون حرية ــــ لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
يريدون تدمير جيلٍ حرٍ وتدجين شباب يرضى بالفتات، وتجهيل أمة لتعيش على الأمية التي يريدون، وإنها العبودية المقيتة التي حارب الإسلام منذ أيامها الأولى.
وما دروا أن الأحرار يولدون ويموتون أحراراً، فالدنيا عندهم جناح بعوضة أمام كرامتهم والثبات على ما خرجوا عليه، وحالهم كيقين نبيهم عندما عاد من الطائف بعد الألم الشديد، عندما أقاما بنخلة أياماً، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ يعني قريشاً، فقال ﷺ يا زيد: إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه.

وكم نجد مثيل هذه الأشباح الخاوية، أجساداً لا قلوب لها، ضل سعيها في الحياة الدنيا وتحسب أنها تحسن صنعاً، تراكمت أيامها كداً وتعباً، ونَصَبَت الأنفس تجني شقاء حياتها هباءً، تسير في طريقها وأعمالها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.
إنها حضارة الغرب والشرق دون المسلمين، بين غرب في تفاهة، وشرق في خرافة، عباد صليب وسراج عقل منطفئ، ووثنية تدل لسفاهة العقول من عبادة غير الله عزَّ وجلَّ.
لقد فضح الواقع الأليم عورة النظام الذي يحكم العالم، وإن انتفاضة العالم الغربي ينوح على ما يشهده الشعب الأوكراني اليوم من حرب بوتين، خير شاهد على الإنسانية المشنوقة على اعواد الديمقراطية المزعومة.
انتهى العقد الأول من نضال الشعوب العربية ضد جلاديها، ومازال القرار يخرج من مواخير السياسة الغربية مدفوعاً بمصالح شركات السلاح والبنك الربوي العالمي، الذي ما انفك يطلق قراره: إن الدول ليست جمعيات خيرية، إنها لعبة المصالح، ومصلحة الغرب هو أن تسحق الشعوب العربية المسلمة، ليظهر العالم بدموع التماسيح، ليمرر الإجرام، ويتغاضى عن كل المحرمات، ليبقى سفاح دمشق عبى كرسي من أعواد الآيس كريم.
على العالم العربي والإسلامي الذي ينشد خلاصه بيد جلاده نذكركم:
إنها عيون عميت في وضح النهار عن درك حقيقة الوجود، ومازالت تجتر في ضلالتها سالفة كفر رهيب، أطنب في الوجود وشذَّ، وطمى خطبه في الخافقين وسدَّ، ونور الإسلام هو الحل، وعلى الأمة تبعة الدعوة وتبليغ الرسالة، والحجة قيد على الرقاب، تنذر العالم مزيد شؤم وعظيم عقاب، فلتسعف نفسك أيها الإنسان، فإن المصاب من حرم الثواب. ونحن أمة عاهدت ربها على المضي في طريقها حتى تحقيق النصر، وهذا الهدف صعب على من ضل طريقه، وأضاع مفتاحه.
ومن عجب أن تجد من يتفلقم بكلام الساسة، ويزعم العلم بالسياسة، يتوسل السيادة من باب هذا، ويتسول الرياسة من شباك ذاك، وليس لنا في طريقنا للخلاص إلا العزيمة التي لا تفتر، والهمة التي لا تضعف، وتوجيه الشباب نحو الطريق الصحيح، واستلام زمام البندقية الأسيرة بيد أهل الأهواء والذمم الرخيصة، فالبندقية المأجورة لا تحرر أرضاً، ولا تفك قيداً، ولا تصون عِرضاً. والأحرار على مر الزمان يرددون مقولة نجيب الريس رحمه الله عندما سجنته فرنسا في سجن أرواد:
يا ظلامَ السّـجنِ خَيِّمْ إنّنا نَهْـوَى الظـلامَا
ليسَ بعدَ الليل إلا فجـرُ مجـدٍ يتَسَامى
إيـهِ يا دارَ الفخـارِ يا مـقـرَّ المُخلِصينا
قد هَبَطْنَاكِ شَـبَاباً لا يهـابـونَ المنونا
وتَـعَاهدنا جَـميعاً يومَ أقسَـمْنا اليَـمِينا
لنْ نخونَ العهدَ يوماً واتخذنا الصدقَ دِيـنَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى