مقالات

قمَّة شرم الشَّيخ: هل تمهِّد لتدشين تحالُف عربي وتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


دون إعلان مُسبق عن موعد الانعقاد ومكانه، اجتمع الرَّئيس المصري، عبد الفتَّاح السِّيسي، برئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وولي عهد أبو ظبي، الشَّيخ محمد بن زايد آل نهيان، الثُّلاثاء 22 مارس 2022م، في قمَّة ثلاثيَّة في مدينة شرم الشَّيخ المصريَّة، المُطلَّة على البحر الأحمر، تناول فيها الزُّعماء الثَّلاثة “عددًا من القضايا والمستجدَّات الإقليميَّة والدُّوليَّة محل الاهتمام المشترك”، كما نشرت وكالة أنباء الإمارات (وام). وقد صرَّح السَّفير بسَّام راضي، المتحدِّث باسم رئاسة الجمهوريَّة المصريَّة، بأنَّ القمَّة تطرَّقت إلى أهمِّ الملفَّات الملحَّة المتعلِّقة بالأمن العالمي، ومهدِّدات الاستقرار في منطقة الشَّرق الأوسط، وأزمة الغذاء العالميَّة. وغرَّد الشَّيخ محمَّد بن زايد عبر حسابه على شبكة تويتر عن اجتماعه بالسِّيسي وبينيت قائلًا “التقيتُ اليوم أخي الرئيس عبد الفتَّاح السِّيسي في مدينة شرم الشَّيخ.. بحثنا علاقاتنا الأخويَّة الرَّاسخة وأهم المستجدَّات الإقليميَّة والدُّوليَّة.. نحرص على مواصلة التَّنسيق والتَّشاور في ظل التَّحدِّيات العالميَّة الجديدة والعمل معًا بما يحقِّق مصالح بلدينا والمنطقة”. نقلًا عن موقع إرم نيوز، أكَّد الرَّئيس المصري على “حرص مصر على تعزيز علاقاتها مع الإمارات وتنميتها في مختلف المجالات، بجانب أهميَّة تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثُّنائيَّة بين كبار المسؤولين من البلدين بصورة دورية للتَّنسيق الحثيث والمتبادل تجاه التطوُّرات المتلاحقة الَّتي تشهدها المنطقة والعالم”.
قمَّة شرم الشَّيخ والحديث عن تحالُف عسكري عربي مع إسرائيل
بدأ الإعداد لتدشين تحالُف عربي موسَّع مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة لمواجهة إيران في عهد الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب (يناير 2017-يناير 2021م)، حيث استغلَّ ترامب اجتماعه بعدد من زعماء منطقة الشَّرق الأوسط في مايو 2017م في العاصمة السَّعوديَّة، الرِّياض، في أولى زياراته الخارجيَّة حينها، في الإعلان عن ذلك التَّحالف، الَّذي أُطلق عليه حينها Arab NATO، أو النَّاتو العربي. أشار الرَّئيس الأمريكي السَّابق إلى أنَّ ذلك التَّحالف من المفترض أن يضمَّ دول الخليج السِّت ومصر والأردن، ثمَّ أضاف إليها دولة الاحتلال الإسرائيلي لاحقًا؛ ليتحوَّل اسم ذلك التَّحالف إلى Middle East Strategic Alliance (MESA)، أو التَّحالف الاستراتيجي للشَّرق الأوسط. غير أنَّ تشكيل ذلك التَّحالف لم يكن بالأمر الهيِّن، حيث واجهته العديد من المعوِّقات، من بينها الخلاف السَّعودي الإماراتي البحريني مع دولة قطر في الفترة ما بين يونيو 2017م ويناير 2021م، إلى جانب صعوبة التَّنسيق بين شتَّى الدُّول المزمع انضمامها إلى التَّحالف اقتصاديًّا وسياسيًّا. ووفقًا لما نشره موقع The Carnegie Endowment for International Peace (CEIP)، أو مؤسسة كارنيغي للسَّلام الدُّولي، في 8 فبراير 2019م، كان أمام تشكيل التَّحالف العربي-الإسرائيلي تحدِّيات كبيرة، من بينها عدم اقتصاره على الجانب الأمني، وإنَّما اشتماله على ركائز أخرى، تتعلَّق بالسِّياسة والاقتصاد والطَّاقة. ويتركَّز الجانب الأمني في التَّحالف على توفير الحماية المتبادلة في مواجهة الهجمات البحريَّة والجوِّيَّة والصَّاروخيَّة والإلكترونيَّة. أمَّا عن الجانب السِّياسي، فهو معنيٌّ باتِّباع سياسة موحَّدة في التَّعامل مع الأطراف الخارجيَّة المناوئة للولايات المتَّحدة، لا سيِّما الصِّين وروسيا وإيران. في يتعلَّق الجانب الخاص بالاقتصاد والطَّاقة بتعزيز التَّعاون التُّجاري والاستثماري بين الدُّول الأعضاء، وتبادُل المنافع في مجال تسويق النَّفط ومنتجاته. وقد حدَّد مقال مؤسسة كارنيغي عدَّة تحدِّيات تعرقل تشكيل التَّحالف الأمريكي-العربي-الإسرائيلي، وعلى رأسها عدم اتِّفاق الدُّول الأعضاء على أنَّ إيران عدوٌّ مشترك تنبغي مواجهته؛ واعتقاد البعض أنَّ ذلك التَّحالف يخدم المصالح الأمريكيَّة والسَّعوديَّة وفقط؛ وعدم أخْذ الأسباب الدَّاخليَّة لعدم الاستقرار بعين الاعتبار؛ وعدم تناغُم تطلُّعات الدُّول الأعضاء وغياب الثِّقة بين بعض الأنظمة الحاكمة في تلك الدُّول. وقد أوصى المقال آنف الذِّكر، من أجل النَّجاح في تشكيل التَّحالف، بمعالجة المصادر المباشرة لانعدام الأمن في منطقة الشَّرق الأوسط، وفي مقدِّمتها التَّهديد النَّووي الإيراني.
هل تمهِّد قمَّة شرم الشَّيخ للتَّطبيع بين السَّعوديَّة وإسرائيل
كسرت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة حاجز الصَّمت في العلاقات الخليجيَّة-الإسرائيليَّة في أغسطس 2022م، بإعلان إبرام اتِّفاقيَّات أبراهام (Abraham Accords) مع دولة الاحتلال الصُّهيوني، والَّتي سرعان ما انضمَّت إليها مملكة البحرين، إلى جانب دولتي المغرب والسُّودان الإفريقيَّتين. وقد توقَّع المراقبون أنَّ التَّطبيع الإماراتي-الإسرائيلي كان بمثابة خطوة تمهيديَّة لإعلان تطبيع بلاد الحرمين مع دولة الاحتلال، وكثيرًا ما أكَّد وزير الخارجيَّة السَّعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، على استعداد بلاده للتَّطبيع، مشيرًا إلى العديد من المزايا والمنافع المرتِّبة على ذلك، ولكن مع اشتراط الوصول إلى اتِّفاق ينهي النِّزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بإعلان دولة فلسطينيَّة على حدود 5 يونيو 1967م، كما تنصُّ مبادرة السَّلام العربيَّة لعام 2002م، الَّتي تقدَّم بها الملِك السَّعودي عبد الله بن عبد العزيز، وقتئذ كان لم يزل وليًّا للعهد. ومن أحدث تصريحات الأمير فيصل بن فرحان في هذا الصَّدد ما أدلى به في حوار مع وكالة الأنباء الألمانيَّة، حيث قال “كنَّا نأمل حتَّى قبل توقيع اتِّفاقيَّات أبراهام في حدوث زخم جديد في المنطقة نحو السَّلام ونحو وضع أفضل، لكن يظلُّ من المهم دائمًا ألَّا ننسى أنَّ المشكلة الرَّئيسيَّة هي مشكلة الفلسطينيين”؛ ويُلاحظ أنَّ الوزير السَّعودي لم يذكر شرط تأسيس دولة فلسطينيَّة. من جانبه، لم يستبعد الأمير محمَّد بن سلمان، وليُّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة، في حوار مع مجلَّة “ذي أتلانتيك” (The Atlantic) الأمريكيَّة إعلان تطبيع العلاقات السَّعوديَّة-الإسرائيليَّة، نافيًا عن إسرائيل صفة العدو، ومعتبرًا أنَّها “حليف محتمل”، ومن جديد دون إشارة إلى اشتراط مبادرة السَّلام العربيَّة تأسيس دولة فلسطينيَّة لإنهاء العداء مع دولة الاحتلال الصُّهيوني.
وقد اتُّخذت العديد من الخطوات الفعليَّة الممهِّدة لإعلان التَّطبيع بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال، فكما نشَر موقع روسيا اليوم في 4 نوفمبر 2021م، زار وفد من رجال الأعمال اليهود “للدَّفع باتِّجاه تطبيع العلاقات”. وقد عُيّن حاخام يهودي، يُدعى يسرائيل هرتسوغ، في السَّعوديَّة مؤخَّرًا بحجَّة رعاية الشُّؤون الدِّينيَّة للوافدين اليهود. وقد ظهر الحاخام الإسرائيلي وهو يتجوَّل في العاصمة السَّعوديَّة بمنتهى الأريحيَّة!

حاخام اليهود في بلاد الحرمين يتجوَّل في عاصمتها، الرّياض
تصاعُد الخلاف الأمريكي-السَّعودي ومآله
تحت عنوان ” قمة شرم الشَّيخ: ‘‘هل كانت ولادة لتحاُلف عربي إسرائيلي’’”، نشرت شبكة BBC عربي في 23 مارس 2022م مقالًا، تناولت فيه التَّغطية الإعلاميَّة العربيَّة للقمَّة الثُّلاثيَّة، في تأكيد على اشتراك العديد من الصُّحف العربيَّة في الاعتقاد بأنَّها جاءت لتشكيل تحالُف عربي-إسرائيلي في مواجهة الموقف السَّلبي لإدارة الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن (يناير 2021م-إلى الآن)، في التَّعامل مع التَّهديد الإيراني للمنطقة. فعلى سبيل المثال، كتبت العرب اللندنيَّة عن القمَّة أنَّها “ولادة لتحالف عربي إسرائيلي يقوم على المصالح، ويلبِّي طموحات التَّنمية والاستقرار في المنطقة ويترك وراءه مخلفات العقود الماضية من حروب ومشاحنات وشعارات”. يُذكر أنَّ هناك إجماع على تجاهُل القمَّة القضيَّة الفلسطينيَّة، وعدم التَّطرُّق على شرط مبادرة السَّلام العربيَّة لعام 2002م للتَّطبيع العربي مع إسرائيل.
ويتزامن الحديث عن تطبيع سعودي-إسرائيلي وشيك مع تصاعُد الخلاف بين الإدارة الأمريكيَّة والنِّظام الحاكم في المملكة الخليجيَّة؛ بسبب رفْض السَّعودية الاستجابة لطلب إدارة بايدن رفْع الإنتاج اليومي للنَّفط، لتغطية العجز النَّاتج عن حظْر بيع النَّفط الرُّوسي في الغرب، على خلفيَّة العدوان الرُّوسي على أوكرانيا في 24 فبراير 2022م. وقد أُلغيت زيارة لوزير الخارجيَّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، هي الأولى من نوعها للسَّعوديَّة، للتَّباحث مع الأمير محمَّد بن سلمان بشأن أزمة النَّفط العالميَّة، غالبًا من قِبل المملكة، ردًّا على الإصرار الأمريكي على إبرام الاتِّفاق النَّووي مع إيران برغم هشاشته. ومع ذلك، تسعى إدارة بايدن إلى تنسيق اتِّصال جديد بين الرَّئيس الأمريكي ووليِّ العهد الشَّاب، أملًا في إيجاد حلٍّ للأزمة. يُذكر في السِّياق ذاته أنَّ المعارض السَّعودي، خالد الجبري، نجل سعد الجبري، المستشار الأمني السعودي السَّابق المنشقِّ عن النِّظام الحاكم في بلاده واللاجئ إلى الولايات المتَّحدة، قد نُشر له على موقع مجلَّة السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة (Foreign Policy) تحت عنوان “بايدن ينبغي عليه معاقبة المملكة العربيَّة السَّعودية لدعمها روسيا”، يطالب فيه الرَّئيس الأمريكي بمعاقبة ابن سلمان على موقفه المناوئ لأمريكا والمساند لروسيا في غزوها لأوكرانيا. ونتساءل: هل تسرِّع الاعتداءات الحوثيَّة المتكرِّرة على المملكة من وتيرة التَّطبيع بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال، على أساس أنَّ الضَّرورة الملحِّة تبرِّر عدم التَّقيُّد شرط التَّطبيع للمبادرة العربيَّة لعام 2002م؟ وهل تكون حقوق الفلسطينيين كبش الفداء للتَّحالف العربي-الإسرائيلي الموسَّع؟ وهل يكون نقْل المسجد الأقصى المبارك من الوصاية الأردنيَّة إلى الوصاية السَّعوديَّة من بنود اتِّفاق التَّطبيع؟ وما مصير مخطَّط بناء الهيكل اليهودي الثَّالث محلَّ مُصلى قبَّة الصَّخرة بالمسجد الأقصى حينها؟ وهل تصاعُد الخلاف الأمريكي-السَّعودي يصبُّ في مصلحة مخطَّط التَّطبيع بزعم مواجهة الخطر الإيراني؟ وما هو موقف إدارة بايدن من إصرار السَّعوديَّة على عدم الاستجابة للمطالبات المتكرِّرة برفع إنتاج النَّفط؟ وما مآل الأزمة النَّفطيَّة العالميَّة في حال عجَز التَّحالف العربي-الإسرائيلي عن حماية المنشآت النَّفطيَّة السَّعوديَّة من الهجمات الإيرانيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى