ثقافة وأدب

القول الصحيح في وسائل الإعلام سلسلة مقالات تهدف إلى تقويم اللسان وتصحيح الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام 59

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب


مفردات وتراكيب مُوَلّدة ودخيلة (18)

الكهل والشيخ
يتكرّر في أكثر من وسيلة إعلامية مختلفة قولهم مثلًا: شفاء “كهل” يبلغ 100 عام من الوباء.
أو قولهم مثلًا: تُعدّ السُّبْحَةُ(1) موروثًا يحرص على اقتنائه كثير من الرجال ولا سيما “الكهول”.
واستعمال مفردة “الكهولة” في هذا السياق غير صحيح
لأن مفردة “كهل” تطلق على من جاوز الثلاثين من عمره إلى الأربعين.
وقيل إنها تطلق على من جاوز الثلاثين إلى الخمسين من العمر.
وفي الصحاح: الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووَخَطَه الشيب.
قال ابن الأثير: الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين، وقيل: هو من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين؛ وقد اكتهل الرجل وكاهل إذا بلغ الكهولة فصار كهلًا.
قال الله تعالى في قصة عيسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام : “ويكلم الناس في المهد وكهلاً من الصالحين”، قال الفرّاء : أراد ومُكلّمًا الناس في المهد وكهلًا.
وروى المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: ذكر الله – عزّ وجلّ – لعيسى آيتين؛ تكليمه الناس في المهد فهذه معجزة، والأخرى نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلًا ابن ثلاثين سنة يكلم أمّة محمّد فهذه الآية الثانية.
وفي فضل أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما: هذان سيّدا كهول الجنة، وفي رواية: كهول الأولين والآخرين؛ وقيل: أراد بالكهل ها هنا الحليم العاقل أي أنّ الله يدخل أهل الجنة الجنة حلماء عقلاء.
قال ابن الأعرابي: يقال للغلام مراهق ثم محتلم، ثم يقال تخرج وجهه، ثم اتصلت لحيته، ثم مجتمع ثم كهل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة؛ قال الأزهريّ: وقيل له كهل حينئذ لانتهاء شبابه وكمال قوته، والجمع كهلون وكهول وكهال وكهلان؛ قال ابن ميادة:
وكيف ترجيها وقد حال دونها بنو أسد، كهلانها وشبابها؟

يتّضح ممّا تقدّم أن الكهل من الثلاثين إلى الأربعين أو ما يقارب ذلك وإقحام “الكهل” في المثالين المذكورين آنفًا خطأ، لأنّ المراد هنا ما جاوز مرحلة الكهولة إلى الشيخوخة. فالقول الصحيح أن نقول في هذا السياق: هو مُسِنّ أو شيخ، لأنّ الشيخ هو الذي استبانت فيه السنُّ أو من جاوز الخمسين أو أكثر فهو من أدرك الشيخوخة وهي غالبًا عند الخمسين وهو فوق الكهل ودون الهَرِم، ويطلق الشيخ على ذي المكانة الرفيعة أيضًا أو صاحب الهيبة والوقار.
والأفصح أنْ تطلق كلمة عجوز تطلق على النساء اللواتي كبرن في السن وليس على الرجال، ومنه قوله تعالى على لسان زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام : “قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ”.
وفي قوله تعالى: “فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ”.
ومنه قوله تعالى أيضًا: ” قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”.

الخلاصة:
قُلْ: شيخ أو مُسِنّ (عند وصف كبير السنّ).
ولا تقل: كَهْل.
وقد تطوَّرت بعض هذه الألفاظ دلاليًّا كالشيخ مثلاً فأصبح يطلق على ذي المكانة الرفيعة أو صاحب الهيبة والوقار، كالعالم في أمور الدين، أو زعيم العشيرة والقبيلة.

  1. السُّبْحَةُ: الخَرَزاتُ التي يَعُدُّ المُسَبَّحُ بها تسبيحه، وهي كلمة مُوَلَّدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى