منوعات

الشدة المستنصرية

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


بدايتها:
ابتدأت الشدة فِي حُدُود سِنِين نَيف وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، وَقَعَ القَحْطُ فِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر وكَانَ الغلاء الْعَظِيم بِمصْر(مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 280، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 195، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2)
وَقيل: كَانَ الغَلَاءٌ الشَدِيدٌ، وَالمَجَاعَةٌ العَظِيمَةٌ بِمِصْرَ سنة (462هـ) (الكامل في التاريخ 8/ 218، المختصر في أخبار البشر 2/ 186)
وَامْتنع النَّاس من الْحَرْث والعمارة وغلت الأسعار وفقد الطَّعَام بِمصْر فَمَاتَ أَكثر النَّاس جوعا وَلم ير بِمصْر جوع مثله من زمن يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام (أخبار بني عبيد ص105)
وأقام سبع سنين، (وفيات الأعيان 5/ 230، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2)
وَاشْتَدَّ الغلاء، ودام سِنِين حَتَّى كان الْكَلْب يدْخل بَيت الشَّخْص وَيَأْكُل وَلَده وَهُوَ قَاعد لَا يَسْتَطِيع النهوض لدفعه؛ مِمَّا بِهِ من شدَّة الْجُوع. (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 281)
وَذَلِكَ لذلَّة المِصْرِيين بِالقَحط الأَكْبر وَفنَائِهِم، وَأَكَلَ بَعْضُهم بَعْضاً، وَتمزَّقُوا فِي البِلاَد مِنَ الْجُوع، وَتمحَّقَتْ خزَائِنُ المُسْتَنْصِر، وَافتقرَ، وَتعثَّر (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 190)
ما ذكر في أسباب الشدة:
وكان سبب الشدة اَحترَاق النِّيل الَّذِي مَا عُهِدَ مِثْله بِمِصْرَ من زَمَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام – (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 280، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 195، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2)
وقيل: إنّ سبب ما حصل لمصر من الخلل في أوّل الأمر؛ الفتنة التى كانت بمصر في أيّام المستنصر بين الأتراك وَرَأْسُهُم ابْنُ حَمْدَانَ، والعبيد. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 18) ووافق ذلك انقطاع النيل؛ (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 20)
فقد كان من عادة المستنصر في كلّ سنة أن يركب على النّجب مع النساء والحشم إلى جبّ عميرة، وهو موضع نزهة، فيخرج إليه بهيئة أنّه خارج إلى الحجّ على سبيل الهزء والمجانة، ومعه الخمر فى الرّوايا عوضاً عن الماء ويسقيه الناس، كما يفعل بالماء فى طريق مكّة. فلمّا كان في جمادي الآخرة خرج على عادته المذكورة، فاتّفق أنّ بعض الأتراك جرّد سيفا في سكرته على بعض عبيد الشّراء، فاجتمع عليه طائفة من العبيد فقتلوه؛ فاجتمع الأتراك وَرَأْسُهُم ابْنُ حَمْدَانَ بالمستنصر وقالوا له: إن كان هذا عن رضاك فالسمع والطاعة، وإن كان عن غير رضاك فلا نرضى بذلك، فأنكر المستنصر ذلك؛ (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 18) فاجتمع جماعة من الأتراك وقتلوا جماعة من العبيد وَجَرت بَينهم وَبَين العبيد وقعات، وَحصر نَاصِر الدولة مصر وَقطع الْميرَة عَنْهَا براً وبحراً فغلت الأسعار، وقلت الأقوات، واضطربت الأحوال، واختلت الأعمال، وحُصِرَ المستنصر في قصره، وطمح في خلعه لضعف أمره، وظلَّت الْفِتْنَة بَينهم أَربع سِنِين (تاريخ ابن الوردي 1/ 364، أخبار بني عبيد ص105، النجوم الزاهرة 5/ 4، تاريخ دمشق لابن القلانسي 1/ 135)
ثم التَقَوا بكَوْم الرِّيش فِي سنة (464هـ)، فهَزَمهُم ابْنُ حَمْدان، فَمَاتَ فِيهَا فِي يَوْم وَاحِد بَين الْفَرِيقَيْنِ اثْنَا عشر ألفاً وَقيل: قُتِلَ وَغَرِقَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 191، تاريخ ابن الوردي 1/ 364، أخبار بني عبيد ص105)
وكانت أمّ المستنصر تعين العبيد بالأموال والسّلاح؛ فظفر بعض الأيام أحد الأتراك بذلك، فجمع طائفة الأتراك ودخلوا على المستنصر وقاموا عليه وأغلظوا له في القول، فحلف لهم أنّه لم يكن عنده خبر. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 18)
وصار السيف قائما بينهم. ثمّ دخل المستنصر على والدته وأنكر عليها. ودامت الفتنة بين الأتراك والعبيد إلى أن سعى وزير الجماعة أبو الفرج بن المغربىّ- وأبو الفرج هذا هو أوّل من ولي كتابة الإنشاء بمصر- بينهم حتى اصطلحوا صلحاً يسيراً، فآجتمع العبيد وخرجوا إلى شبرى دمنهور. فكانت هذه الواقعة أوّل الاختلاف بديار مصر. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 19)
وكان سبب كثرة السودان ميل أمّ المستنصر إليهم؛ فإنّها كانت جارية سوداء لأبى سعد التّسترىّ اليهودىّ. فلمّا ولى المستنصر الخلافة ومات الوزير صفىّ الدين الجرجرائيّ فى سنة ستّ وثلاثين (436هـ) حكمت والدة المستنصر على الدولة، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 19)
واستوزرت سيّدها أبا سعد التّسترىّ اليهودىّ المذكور، ووزر لابنها المستنصر أبو منصور الفلّاحىّ، فلم يمشِ له مع أبى سعد حال؛ فاستمال أبو منصور الفلّاحىّ الأتراك وزاد في واجباتهم حتّى قتلوا أبا سعد اليهودىّ المذكور؛ فغضبت لذلك أمّ المستنصر وقتلت أبا منصور الفلّاحىّ، وشرعت في شراء العبيد السّود، وجعلتهم طائفة واستكثرت منهم. فلمّا وقع بينهم وبين الأتراك قامت في نصرهم. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 19)
غلاء الأسعار:
وغلت الأسعار حتّى بلغت الرّاوية الماء ثلاثة عشر قيراطاً، وكلّ ثلاثة عشر رطلاً من الخبز ديناراً، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 15)
وحَتَّى بيع الإِردبّ من الْقَمْح (والاردب كيل كبير يستعمل لتقدير الحبوب، ويزن مئة وخمسين كيلو غرام) بِمائَة دِيْنَار، وبيع نصف الْقدح بِدِينَار (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 192، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 281، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17) ثمّ عدم وجود القمح أصلاً. (النجوم الزاهرة 5/ 17)
وبيعت البيضة بدينار، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17)
وحتّى بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2)
وباع رجل داراً بالقاهرة كان اشتراها قبل ذلك بتسعمائة دينار؛ بعشرين رطل دقيق. ،(النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17)
واشْتَدَّ الغلاءُ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَكَلتْ رغيفاً بِأَلفِ دِيْنَارٍ؛ بَاعت عروضاً تسَاوِي أَلفَ دِيْنَار بِثَلاَث مائَة دِيْنَارٍ، فَاشترتْ بِهَا جُوَالِق قَمح، فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ، فَنَهَبَتْ، فَحَصَلَ لَهَا مِنْهُ مَا خُبزَ رَغِيفاً (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 191)
وَقيل: إِنَّه كَانَ بِمصْر حارة تعرف بحارة الطَّبَق – وَهِي مَعْرُوفَة كَانَ فِيهَا عشرُون دَاراً، كل دَار تَسَاوِي ألف دِينَار؛ فأبيعت كلهَا بطبق خبز، كل دَار برغيف. وَأقَام الغلاء يعاود النَّاس سِنِين. (مورد اللطافة في من ولي الخلافة 1/ 281)
حتى قيل أنه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً، (وفيات الأعيان 5/ 230)
و خَرَجَتْ امْرَأَة وَمَعَهَا فى هذا الغلاء ومعها مدّ جَوْهَر؛ فَقَالَت: من يَأْخُذ مني هَذَا الْجَوْهَر ويعطيني عوضه براً. فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا أَحَدٌ وَلم تَجِد من يَأْخُذهُ مِنْهَا؛ فَقَالَت: إِذا لم تنفعني وَقت الضائقة فَلَا حَاجَة لي بك. وألقته على الأَرْض وانصرفت. فلم يلتفت إليه أحد وهو مبدّد فى الطريق فهذا أعجب من الأوّل (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 281، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 190، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17)
انعدام الأقوات:
وعدمت الأقوات، وأكلوا الْميتَة وَالْكلاب (مورد اللطافة في من ولي الخلافة 1/ 281)
وأُكلت الدوابّ بأسرها، فلم يبق للمستنصر سوىّ ثلاثة أفراس بعد أن كانت عشرة آلاف ما بين فرس وجمل ودابّة. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 16) وآلَ الأَمرُ إِلَى أن عدمت كُلِّ الدَّوَابّ ببلاَد مِصْر(سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 195)
فَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَسْتَولِي عَلَى سَائِر الأَقَالِيْم، حَتَّى بيع الكَلْبُ بستةِ دَنَانِيْر، وَالقط بِثَلاثَةِ دَنَانِيْر (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 192، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 281، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 16)
وحَتَّى أَكَلَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بعضاً، (وفيات الأعيان 5/ 230، مورد اللطافة في من ولي الخلافة 1/ 281، النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2، الكامل في التاريخ 8/ 218، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 190، المختصر في أخبار البشر 2/ 186)
وظهروا على بعض الطبّاخين أنّه ذبح عدّة من الصّبيان والنساء وأكل لحومهم وباعها بعد أن طبخها. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 15)
وآلَ أَمرُ المستنصر إِلَى عدم كُلِّ الدَّوَابّ ببلاَد مِصْر، بِحَيْثُ لم يبَقِ لَهُ فَرَس يَرْكَبُهَا، وَاحتَاجَ إِلَى دَابَّة يركَبُهَا حَامِلُ الجِتْر (بكسر الجيم. المظلة) يَوْم العِيْد وَرَاءهُ، فَمَا وَجَدُوا سِوَى بغلَة كَاتِب السِّر فوقفتْ عَلَى بَاب القَصْر، فَازْدَحَمَ عَلَيْهَا الحرَافشَة (الحرافيش كالشطار والعيارين في بغداد) وَذبحوهَا وَأَكلوهَا فِي الحَال، فَأَخذهُم الأَعوَان وَشُنِقُوا، فَأَصبحت عظَامُهُم عَلَى الْجُذُوع قَدْ أُكلُوا تَحْتَ اللَّيْل (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 195)
ونزل الوزير أبو المكارم وزير المستنصر على باب القصر عن بغلته وليس معه إلّا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة منه، ولم يقدر الغلام على منعهم لضعفه من الجوع فذبحوها وأكلوها، فأخذوا وصلبوا، فأصبح الناس فلم يروا إلّا عظامهم، أكل الناس فى تلك الليلة لحومهم. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 16)
وكان السّودان يقفون فى الأزقّة يخطفون النساء بالكلاليب ويشرّحون لحومهنّ ويأكلونها، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17)
واجتازت امرأة بزقاق القناديل بمصر وكانت سمينة، فعلّقها السّودان بالكلاليب وقطعوا من عجزها قطعة، وقعدوا يأكلونها وغفلوا عنها، فخرجت من الدار واستغاثت، فجاء الوالي وكبس الدار فأخرج منها ألوفاً من القتلى، وقتل السّودان. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 17)
الموت جوعاً:
وكانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع (وفيات الأعيان 5/ 230)
فإنّه مات أكثر أهل مصر، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 15)
وَمَات فِي هَذَا الغلاء مُعظم النَّاس جوعا. (مورد اللطافة في من ولي والخلافة 1/ 282)
وحتّى إنّ المستنصر هذا بقى يركب وحده، وخواصّه ليس لهم دوابّ يركبونها؛ وإذا مشوا سقطوا من الجوع؛ (النجوم الزاهرة 5/ 2)
هروب الناس من مصر:
وَتفرَّق عَنِ الْمُسْتَنْصر أَولادُه، وَأَهلُه مِنَ الْجُوع، وَتقرَّفُوا فِي البِلاَدِ (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 192)
وتوجهت وَالِدَة المُسْتَنْصِر وَبنَاته إلى بغداد من فرط الجُوع، خوفا من أن يمتن جوعاً، وكان ذلك فى سنة ستّين وأربعمائة (460هـ) . (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2، تاريخ الإسلام ت تدمري 33/ 228) وقيل: سنة اثنتين وستين وأربعمائة (462هـ)، (وفيات الأعيان 5/ 230، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 195)
وأخذ الغلاء يتزايد، حتّى إنّه هرب من مصر خلق كثير، لما حصل بها من الغلاء الزائد عن الحدّ، والجوع الذي لم يعهد مثله فى الدنيا، (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 15) وانتزح منها من قدر على الانتزاح، (المختصر في أخبار البشر 2/ 186)
وَفَارَقُوا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، فَوَرَدَ بَغْدَادَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ هَرَبًا مِنَ الْجُوعِ (الكامل في التاريخ 8/ 219)
وهرب غالب من كان مع المستنصر إلى الشام، ووفدوا على صاحبها بدر الجماليّ. (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 15)
وتفرق أهل مصر في البلاد وتشتتوا (وفيات الأعيان 5/ 230)
نهاية الشدة:
وَدَام الجَهْد ثُمَّ انحطَّ السِّعْر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ (465هـ) (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 15/ 192) وقيل: سنة ستّ وستين (466هـ) سار بدر الجمالىّ أمير الجيوش من عكّا إلى مصر، ومعه عبد الله بن المستنصر باستدعاء المستنصر (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 20)
ولم يزل هذا الغلاء حتّى تحرّك الأمير بدر الجمالىّ والد الأفضل أمير الجيوش من عكّا وركب في البحر وجاء إلى مصر وتولّى تدبير الأمور وشرع فى إصلاح الأمر (النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 5/ 2، تاريخ الإسلام ت تدمري 33/ 228، وفيات الأعيان 5/ 230)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى