مقالات

متغيرات جوهرية فى مسارات السياسة الدولية

محمد علي الباز

كاتب وباحث في العلوم السياسية
عرض مقالات الكاتب

يُعد الغزو الروسي لأوكرانيا حدث أولي مهم، من سلسلة أحداث بدأت ومستمرة فى تشكيل مسارات جديدة للسياسة الدولية. فى النهاية، سوف تشكل هذه المسارات نمطًا جديدًا من السياسات العامة وقواعد العلاقات الدولية.
سباق التسلح
بعد ثلاثة أيام فقط من الغزو، وفى خطوة أُولى لتداعيات الغزو الروسي، قال المستشار الالمانى شولتز يوم الأحد 27 فبراير الماضي، في كلمة ألقاها أمام جلسة خاصة لمجلس النواب “إن ألمانيا ستخصص 100 مليار يورو (113 مليار دولار) هذا العام لتحديث الجيش. وأضاف أنه بحلول عام 2024 ، ستنفق الحكومة ما لا يقل عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي كل عام على الدفاع”، بما يتماشى مع هدف الناتو الذي فشلت برلين في تحقيقه باستمرار.(1)
وفى مقال لجيمس جاي كارافانو، نائب رئيس مؤسسة التراث للسياسة الخارجية والأمنية. ” The Heritage Foundation”، يقول: “أعطى بوتين سببًا لحلف شمال الأطلسي ليكون ناتو مرة أخرى. ستعمل الدول الأوروبية على تكثيف المزيد من الإنفاق على الدفاع. ومن المرجح أن يضغط الكونجرس على إدارة بايدن لتقوية الموقف التقليدي والاستراتيجي للجيش الأمريكي”.(2)
تكمن خطورة سباق التسلح الذي سيغزو العالم من نواحي عدة، أهمها، اتساع نطاق هذا المسار من الشرق إلى الغرب ومن الشمال الى الجنوب، والأهم هو تنوع أدوات التسلح بين أدوات الحرب التقليدية وحروب الجيل الخامس.
الأحلاف الجديدة “صلبة وقاتلة”
تتابع دول العالم الطريقة التى يحاول العالم الغربي عزل روسيا بها، والتى مثلت ضربة قاصمة للقيم والمؤسسات التي طالما تغني الغرب بتمجيدها.
سوف يؤدي عزل روسيا الى تكوين أحلاف جديدة صلبة وجامدة، كما ستعيد بناء الجزر المنعزلة بعيدًا عن مشروع العولمة وتسوية العالم الذي روج له الغرب، كما عبر توماس فريدمان فى كتابه “العالم مستو”(3). بشكل لا لبس فيه ستشكل الأحلاف الجديدة أهم المسارات وأخطرها.
خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي سقوط الإتحاد السوفيتي، اتخذ بنيان السياسة الدولية نمط “الثنائية القطبية الجامدة”، خلال الحرب الباردة، حيث كان الشرق بزعامة الإتحاد السوفيتي فى مواجهة الغرب بزعامة أمريكا، كان هذا النمط السبب الرئيس فى تبلور فكرة “حركة عدم الإنحياز”، فى محاولة لتجنب تبعات الاصطفاف الخاطئ أو خسارة بعض المصالح.
وبغض النظر عن المدة اللازمة للفترة الانتقالية ما بين النظام الحالى القائم ووضوح معالم النظام الجديد قيد التشكل، فإن العالم سيشهد تحالفات جديدة وصلبة وقاتلة، وخصوصًا، مع وجود متنافسين متنوعين من حيث الحجم والقدرات، ما يعزز استقطابات أيديولوجية أو تاريخية.
سوف يعود سؤال الهوية مُحفزًا رئيسًا نحو هذه الاستقطابات، والتى ستتطور الى تحالفات صلبة، وسيعزز السلوك العنصري الغربي المتزايد من هذا التحفيز، حتى أن العديد من الساسة والمحللين والإعلاميين الغربين أرّقهم هذا السلوك البغيض.
في تصريحات صحفية نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شابيا مانتو “إن التصريحات العنصرية العلنية لبعض السياسيين والصحفيين من الدول الغربية تثير التمييز بين اللاجئين”، مشيرة إلى أن استخدام عبارات مثل “البيض، الأوروبيين” عن اللاجئين الأوكرانيين، وتعبيرات مسيئة عن اللاجئين السوريين والأفغان، “أثارت انتباه كثيرين وتسببت في موجة انتقادات واسعة”.(4)
الإكتفاء الذاتي “حلمٌ يُطل من جديد”
الإكتفاء الذاتي الكلى أو النسبي محرّم فى السوق العالمي(5)، فالسياسة الإقتصادية الرأسمالية تعمل على تعقيد التبادل التجارى وربط سلاسل الإمداد وخطوط الإنتاج، ضمن نظرية “الاعتماد الاقتصادي المتبادل يزيد تكلفة الحرب”، وكانت هذه الخطة تضمن نوعًا من تقييد السلوكيات الطبيعية التاريخية.
حجم الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الصين وأمريكا خير مثال، ما خلق مفهوما جديدًا يسمى “التدمير الاقتصادى المتبادل المؤكد”.
محاولة عزل أحد مكونات النظام العالمى، لاسيما إحدى دول مجلس الأمن التي تملك حق (الفيتو)، عن سلاسل الإمداد العالمية، سوف يحفز باقى الدول على العمل لإيجاد بدائل أكثر أمنًا كإجراء إحترازى وقت النزاعات والحروب.
لا نعنى هنا بالإكتفاء الذاتي البدائى فقط من توفير المواد الأساسية وغيرها، ولكن نعنى الإكتفاء الذاتي الوازن لميزان القوى الشامل، ويشمل ذلك مستلزمات التكنولوجيا ومعامل الإنتاج والتطوير ومراكز الأبحاث والفكر وخطوط الشبكات ومخازن البيانات، وكفاءة توظيف كل هذه العلوم فى خدمة الجيوش.
المصادر

  1. https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-02-27/-putin-s-war-prompts-radical-rethink-for-scholz-and-germany?sref=Yg3sQEZ2&utm_source=twitter&utm_content=business&utm_campaign=socialflow-organic&utm_medium=social&cmpid=socialflow-twitter-business
  2. https://www.heritage.org/asia/commentary/what-china-learning-putins-ukraine-invasion
  3. العالم مستو، توماس فريدمان، المعرب حسام خضور، 2003.
  4. https://tinyurl.com/9tp5we
  5. https://tube.marefa.org/v/2179

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى