حقوق وحريات

أحكام المرتزق في القانون الدولي الإنساني

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

القتال مقابل المال هو نظام اتبعته كثير من الدول والدويلات المتحاربة منذ أمد بعيد، ولكن بعد تطور النزاعات المسلحة في العصر الحديث أخذت تشهد هذه الظاهرة حالة مكثفة تستعين بها الحكومات في مواجهة العدو المقابل سواء ضمن نزاع مسلح دولي أو غير دولي، ونرى أن النزاعات الأخيرة في سوريا وليبيا قد تمت الاستعانة بمرتزقة للقتال عن الأطراف المتنازعة وقت ظهر ذلك بشكل متجل ومنظم عندما استعانت الولايات المتحدة بشركة بلاكوتور في أعمال قتالية أثناء احتلال العراق، وان النزاع المسلح اليوم بين أوكرانيا وروسيا أضحى على هذا الطريق بشكل كبير تحت صيغة [المتطوعين].

أما في الإطار القانوني نجد أن أحكام القانون الدولي الإنساني قد وضع حماية كبيرة لشرائح كثيرة أثناء النزاعات المسلحة وقد تجسد ذلك في أحكام اتفاقيات جنيف 1949، وبروتكلاتها 1977، ولكن للمقاتلين المرتزقين لهم حالة خاصة تنتفي في بعض الأحيان صفة الحماية وبهذا يجب أن ندخل إلى النظرة الخاصة لقانون الدولي الإنساني للمرتزق:
إن اتفاقيات جنيف لم تعالج أي ملف يخص المرتزق ولكن تم التطرق له بصورة معمقة قي البروتوكول الإضافي الأول عام 1977، واتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة عام 1989 حيث عرّف المقاتل المرتزق في كلا الموضعين على سبيل التوصيف المقيد:
_ إذ عرفت المادة 47 الفقرة 2 المرتزق عل أنه أيّ شخص: ((يجرى تجنيده خصيصاً محلياً، أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح؛ يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية؛ يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم؛ وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع؛ ليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛ وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة لسين طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة)).

وهنا نجد أنه لكي يحمل المقاتل صفة المرتزق يجب أن يكون جامعاً للشروط المحددة بالقانون جميعها وهذه الشروط:
أ)_ أن يجند خصيصاً، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح.
ب)_ أن يكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُبذل له فعلاً من قبَل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كَثيراً على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
ج)_ وأن لا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع.
د)_ يجب أن يكون ليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع.
ه)_ أن لا توفده دولة ليست طرفاّفي النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد قواتها المسلحة.

فهذه الشروط عندما تتحقق أثناء النزاع المسلح بمجملها يرتسم فيه صفة المرتزق وأن لهذه الصفة أحكام قانونية عديدة وتكون هذه الأحكام موزعة بين الدولة التي تجند المرتزق، وبين الوضعية القانونية للمقاتل المرتزق أثناء النزاع.

الدولة التي تجنّد المرتزقة:

إن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة تجنيد المقاتلين المرتزقة 1989، عدت ذلك فعلاً جرمياً حيث نصت المادة 5 من هذه الاتفاقية:

1- لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية، بحظر هذه الأنشطة.

2­- لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، حسبما يعترف به القانون الدولي، وعليها أن تتخذ الإجراءات المناسبة، وفقاً للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.

وبذلك أن الدول التي تسعى لتجنيد مرتزقين تكون معرضة للعقوبة الدولية ويتم عدها من مستوى الجرائم الخطيرة لما أشارت إليه الفقرة 3 من المادة 5 من هذه اتفاقية مناهضة تجنيد المرتزقين حيث نصت ((تعاقب الدول الأطراف على الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم)).

أما الوضع القانوني للمرتزق في النزاع:
1_ يعد الارتزاق في عداد الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين في أية معاهدة لتسليم المجرمين بين الدول، وتعدي أفعاله مخالفة لمبادئ الدول المتمدنة وتستوجب المساءلة الجنائية.
2_ لا يستحق المرتزقة الوضع الممنوح للمقاتل أو أسير الحرب وفقاً للبروتوكول 1/ المادة 47، أو أي من الفئات التي تستحق الحماية التي توفرها اتفاقيات جنيف.

3_ لا يكونون ضمن الحماية القانونية المتوفرة في اتفاقيات جنيف التي تخص الجرحى أو المرضى رغم ضرورة أن يستفيدوا دائمًا من المعاملة الإنسانية.
4_ وطبقًا لاتفاقيات جنيف، يتحملون المسؤولية الجنائية إذا ما ارتكبوا جرائم حرب أو انتهاكات صارخة أخرى للقانون الإنساني.
5_ عناصر المرتزقة يفقدون الحماية القانونية بسبب قيامهم بأعمال قتالية مباشرة، وأنه تجوز محاكمتهم بمجرد مشاركتهم في القتال حتى لو لم يكونوا قد ارتكبوا انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
بالتالي فإن القانون الدولي الإنساني قد شخص المرتزق كشخص لا يستحق الحماية القانونية الكاملة التي وفرها لبقية الفئات، ويكون ذلك بسبب كون أن دور المرتزق لا يكمن في التوظيف العسكري الدفاعي عن وطنه أو فكره أو عقيدته بل إنه مقاتل مأجور، وتعتبر أعماله في طي النفع الشخصي.

حيث إن إعطاء الضمانات القانونية للمرتزق تزيد من وحشية القتال بين أطراف النزاع وتزيد من ضحاياها فيوجب القانون الدولي للحد من هذا الظاهر أثناء النزاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى