سياسة

انهيار محتمل لمفاوضات فيينا ينذر بأزمة نفطيَّة عالميَّة

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تواجه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة هذه الآونة صعوبات جمَّة في إقناع النَّظام الإيراني بإبرام صفقة تحيي الاتِّفاق النَّووي، الَّذي سبق وأن أبرمته إدارة باراك أوباما (يناير 2009-يناير 2017م) مع نظام ملالي الرَّافضة، ثمَّ انسحب منه الرَّئيس دونالد ترامب عام 2018م، بمباركة إسرائيليَّة، بزعم استغلال إيران برنامجها النَّووي في تطوير أسلحة دمار شامل، بما يخرق بنود الاتِّفاق المبرم عام 2015م. كما يُصرَّح به في وسائل الإعلام، لم تيأس الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة، برئاسة جو بايدن (يناير 2021م-إلى الآن)، من إمكانيَّة الوصول إلى اتِّفاق مُرضٍ مع إيران، برغم مماطلة نظام الملالي واختلاقه الأعذار لعدم التَّوقيع على المسوَّدة الأخيرة للاتِّفاق. في 28 فبراير 2022م، استؤنفت الجولة الثَّامنة من مفاوضات فيينا النَّوويَّة، بعد 4 أيَّام من الغزو الرُّوسي لأوكرانيا، مع عودة كبير المفاوضين الإيرانيين، عليّ باقري، إلى العاصمة النَّمساويَّة، فيينا، بعد مغادرته إلى بلاده لعرْض المسوَّدة على المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران. وبدلًا من المسارعة في إتمام الاتِّفاق قبل تفاقُم الأزمة الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، عاد باقري بـ 3 شروط تفرضها بلاده للتَّوقيع على الاتِّفاق في صيغته الجديدة، هي ضمان عدم انسحاب الإدارات الأمريكيَّة القادمة من الاتِّفاق؛ ومحو شخصيَّات بارزة في الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة؛ ورفْع كافَّة العقوبات عن إيران، وفي مقدِّمتها إلغاء حظْر بيع النَّفط الإيراني. وكانت إدارة ترامب (يناير 2017-يناير 2021م) قد فرضت على إيران عام 2018م عقوبة صارمة تنصُّ على عدم بيعها النَّفط، ليتراجع إنتاجها النَّفطي اليومي من حوالي 3.5 مليون برميل إلى ما يقل عن نصف المليون.

أزمة عالميَّة في سوق النَّفط تلوح في الأفق

ويُرجع البعض حرْص الإدارة الأمريكيَّة الحالية على إتمام تلك الصَّفقة إلى رغبة الرَّئيس الأمريكي في تعويض نقْص إمدادات النَّفط ومشتقَّاته بسبب الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. فقد أعلن بايدن في 8 مارس 2022م حظْر إدارته استيراد النَّفط من روسيا، عقابًا لها على غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022م، حيث يسعى بايدن بذلك إلى “توجيه ضربة قويَّة أخرى لبوتين”، بعد فرْضه سلسلة من العقوبات على روسيا، نقلًا عن وكالة الأنباء الفرنسيَّة (أ ف ب). ولن يقتصر حظْر النَّفط الرُّوسي على أمريكا، بل سيمتدُّ إلى الشُّركاء الأوروبيين، على حدِّ قول بايدن، وإن كان قد منَحَهم مهلة لإيجاد بديل عن النَّفط الرُّوسي. وعلى كلِّ حال، لم يكن النَّفط الرُّوسي يشكِّل أكثر من 8 بالمائة من واردات النَّفط الأمريكيَّة؛ أي أنَّ الولايات المتَّحدة لم تكن بحاجة ماسَّة إليه، على عكس الدُّول الأوروبيَّة، الَّتي تعتمد على النَّفط الرُّوسي بشكل كبير، ومن المتوقَّع أن تعاني تلك الدُّول من أزمات اقتصاديَّة من جرَّاء نقْص الوقود، تُضاف إلى الأزمات النَّاجمة عن حالة الرُّكود الَّتي أحدثتها جائحة كوفيد-19 على مدار عامين.

وقد اضطرَّ جو بايدن إلى إعادة العلاقات الدِّبلوماسيَّة مع دولة فنزويلا اللاتينيَّة؛ لتكون مصدرًا للنَّفط بديلًا عن روسيا، ويبدو أنَّ فنزويلا استجابت لمحاولة أمريكا التَّودُّد إليها بإطلاق سراح أمريكيين كانا محتجزين في أراضيها، كما نشرت وكالة الأنباء الألمانيَّة. وقد تردَّد في وسائل الإعلام أنَّ بايدن كان ينوي زيارة المملكة العربيَّة السَّعوديَّة لإقناع النَّظام الحاكم بزيادة إنتاج النَّفط؛ لتخفيض سعر البرميل، بعد أن تجاوز 130 دولارًا، وهناك توقُّعات بوصول السِّعر في مايو المقبل إلى 200 دولار للبرميل، كما نشرت وكالة بلومبرج الأمريكيَّة في 7 مارس 2022م، نقلًا عن بيانات بورصة انتركونتيننتال للعقود الآجلة في أوروبا، الٍّتي أشارت إلى أنَّ العقود الآجلة لخام برنت في مايو صارت على سعر تنفيذ 200 دولار للبرميل!

قد يتراجع أنَّ بايدن عن زيارة السَّعوديَّة، في حال وافقت فنزويلا، الموالية لروسيا، على إمداد أمريكا بالنَّفط، خاصَّةً بعد ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة عن فشَل إدارة بايدن في تنظيم اتِّصالات مع ولي العهد السَّعودي، الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي، الشَّيخ محمد بن زايد؛ بهدف إيجاد أليَّة لاحتواء الارتفاع المتزايد في أسعار النَّفط. ونقلًا عن موقع CNN بالعربيَّة، فقد غرَّد الدِّبلوماسي الأمريكي السَّابق، ألبيرتو كيغيل فيرنانديز، عبر حسابه على شبكة تويتر عن ذلك، اربطًا الموقف السَّعودي-الإماراتي بموقف الإدارة الأمريكيَّة من اعتداءات جماعة الحوثي على السَّعوديَّة والإمارات، حيث يقول: “أمضت إدارة بايدن عامها الأول في تمكين الحوثيين وإيران وهاتين الدَّولتين العربيتين الغنيَّتين بالنَّفط لا تظهرا تقديرهما؟ يا لها من مفاجأة صادمة”. ومن المتوقَّع أن يزداد تأزُّم علاقة إدارة بايدن بالسَّعوديَّة والإمارات، إذا ما استجابت الإدارة إلى شرط إيران بمحو عدد من أعضاء الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب. غير أنَّ من الوضاح أنَّ إدارة بايدن ترمي إلى الاستفادة من رفْع العقوبات الأمريكيَّة عن القطاع النَّفطي الإيراني، في إنعاش سوق النَّفط، بما يغني عن النَّفط الخليجي.

موقف روسيا يهدِّد بانهيار المفاوضات النَّوويَّة

كما يرى محلِّلون، تخطِّط روسيا لإفشال مفاوضات فيينا النَّوويَّة، وما يثبت سوء نيَّتها في هذا الصَّدد تعمُّدها شنَّ هجومها على أوكرانيا في فترة غياب كبير المفاوضين الإيرانيين، عليّ باقري، وقبل عودته لاستئناف المفاوضات مطلع مارس 2022م. وكان الرَّئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسِّياسة الخارجيَّة في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، قد صرَّح لموقع الجزيرة نت، عشيَّة استئناف الجولة الثَّامنة من المفاوضات، بأنَّ روسيا تعمَّدت خداع الجانب الإيراني، وأنَّها تسعى إلى عرقلة الاتِّفاق بشتَّى الطُّرق. وقد دعت وكيلة وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، فيكتوريا نولاند، في 8 مارس 2022م إلى عدم “تخريب” محاولات إحياء الاتِّفاق النَّووي. نقلًا عن موقع الجزيرة نت، قالت نولاند في جلسة أمام لجنة العلاقات الخارجيَّة بمجلس الشُّيوخ الأمريكي “تحاول روسيا رفع سقف مطالبها وتوسيع نطاق مطالبها فيما يتعلق بخطة العمل المشتركة الشَّاملة (الاتِّفاق النَّووي)، فنحن لا نلعب، دعونا نعقد صفقة”. من ناحية أخرى، أصدرت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانًا مشتركًا، دعت فيه روسيا إلى عدم التَّأثير على الجانب الإيراني بإدخال شروط جديدة من شأنها عرقلة إبرام الاتِّفاق. هذا، وقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين غربيين أنَّ طرفي النِّزاع تجاوزا بعض نقاط الخلاف، منها رفْع العقوبات عن إيران وضمان التزام الإدارات الأمريكيَّة المقبلة بالاتِّفاق. وفي النِّهاية نتساءل: كيف سيؤثِّر انهيار مفاوضات فيينا على سوق النَّفط؟ هل ستنفِّذ إيران تهديدها السَّابق بإغلاق مضيق هرمز ومنْع النَّفط الخليجي من التَّداول؟ هل سيكون اعتراف الإدارة الأمريكيَّة بمحمَّد بن سلمان ملكًا، عند إعلان وفاة أبيه مقابل زيادة السَّعوديَّة إنتاج النَّفط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى