حقوق وحريات

الإشكالية القانونية في ممارسة مجلس الأمن دوره تجاه الأزمة الأوكرانية!

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

منذ بدء الحرب الأوكرانية الروسية حاولت الولايات المتحدة والدول الأوربية أن تدين قرار الحرب مرتين ،ولكنها فشلت في ذلك بسبب الطبيعة القانونية لعمل مجلس الأمن المحددة بالمادة 27 من الميثاق التي خوّلت للدولة دائمة العضوية العضو استخدام حق الفيتو.
وإنه تم إحالة الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وكان التصويت يوم أمس ب141 موافقاً ، و 5 رفضين، و35 ممتنعاً، لمشروع وقف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ولكن هذا التصويت لا قيمة إلزامية له ،ولا تستطيع الجمعية العامة إدخال عقوبات تحت البند السادس أو السابع على روسيا.
فإشكالية الفيتو القانونية المكرسة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ساعد على إفلات كثير من الدول المعتدية وبخاصة العظمى من تنفيذ غاية إنشاء الأمم المتحدة المصممة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، فعلى سبيل المثال إذ فشل 12 قرارا لمجلس الأمن في أن تدين النظام السوري وحلفاءه الدوليين بارتكاب مجازر بحق الإنسانية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا بسبب الفيتو روسي رغم الخروقات الكثيرة للاتفاقيات الدولية كاتفاقيات لاهاي 1899,1907، واتفاقيات جنيف الأربع 1994 والملحقين 1977، واتفاقية حظر استخدام الأسلحة التقليدية1980، واتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيمياوية 1993.
بينما وضع العراق تحت البند السابع بموافقة مجلس الأمن في قراره 656 بعد الحرب على الكويت لأنه توافقت مصالح الدول العضمى الخمسة.
فهذه الممايزة في ممارسة أداور مجلس الأمن ينعكس أيضاً على الحرب الروسية الأوكرانية وأن الفيتو أصبح حقيقة عائقاً قانونياً كبير في تحقيق غاية الأمم المتحدة خاصةً فيما يتعلق بمصالح الدول العظمى وقد أشار كثير من المتخصصين على أن ميثاق الأمم المتحدة أصبح على ضرورة استحقاق للتغيير بموجب عدم صلاحيته الميثاق لتغطية الغايات التي أنشئت لأجلها بينما هذا الأمر مستحيل من الناحية الواقعية والقانونية حيث نصت المادة 109/ ف 2/ ((كل تغيير في هذا الميثاق أوصى به المؤتمر بأغلبية ثلثي أعضائه يسري إذا صدق عليه ثلثا أعضاء “الأمم المتحدة\” ومن بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وفقا لأوضاعهم الدستورية)).

إذ إن هذه المادة كرست إعاقة تعديل الميثاق نهائياً كونها اشترطت موافقة أعضاء مجلس الأمن الدائمون جميعاً حيث مكنت من الفيتو من جديد في تعديل آلية التصويت داخل مجلس الأمن لكي تستخدم بالإدانة فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية.
إن موقف الدولي داخل الأمم المتحدة قد يتجه نحو حل وحيد ونادراً ما لجأت إليه المنظمة وهو عبر جهاز (جمعية الاتحاد من أجل السلام) المنبثقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تتكون من جميع دول الأعضاء بمندوب واحد حيث وتنعقد جلساتها بصور استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك عند عدم انعقاد الجمعية العامة في دور انعقاد عادية للنظر في التدابير اللازمة بشأن الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين في حال عجز مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بشأن هذه الحالات وبالتالي يكون لهذا الاتحاد اختصاصات مقاربة لاختصاص مجلس الأمن بشرطين:
الأول: وجود نزاع أو موقف يهدد السلام والأمن الدوليين
الثاني: عجز مجلس الأمن من أن يتخذ قرارا بشأن هذه الحالة.
أنشأ هذا الاتحاد الذي يغفل عن نظامه الكثير عام 1950 أثناء المسألة الكورية، حيث كان الاتحاد السوفياتي قد قاطع جلسات مجلس الأمن في الفترة من 13 يناير (كانون الثاني) 1950 وحتى أوائل شهر أغسطس (آب) من العام نفسه، بسبب اعتراضه على رفض قبول عضوية الصين الشعبية بالأمم المتحدة، وممارستها لدورها عضوا دائما في مجلس الأمن بدلاً من الصين الوطنية التي احتلت المقعد الدائم المخصص للصين الشعبية، وأثناء فترة غيابه ومقاطعته جلسات المجلس استصدرت الولايات المتحدة الأميركية قرارا من مجلس الأمن بتاريخ 25 يونيو (حزيران) من العام نفسه، جاء فيه: «إن قوات كوريا الشمالية لم تنصع بأوامره الخاصة بوقف القتال والانسحاب إلى الشمال، وأنه لذلك يوصي أعضاء الأمم المتحدة بأن يقدموا لجمهورية كوريا كل مساعدة لازمة لدفع العدوان المسلح لإعادة السلم والأمن الدوليين في المنطقة إلى نصابه».
وفي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر مجلس الأمن قرارا خول نفسه استباقا لصدور فيتو روسي، صلاحية إصدار توصية إلى الجمعية العامة لتتخذ الإجراءات الكفيلة بإنقاذ السلم والأمن الدوليين، في حال تهديدهما، أو مساهما به عن طريق عدوان، أو بأي شكل كان، واقترح المجلس في توصيته بأنه إذا لم تكن الجمعية العامة في حالة اجتماع فإن عليها أن تجتمع في غضون 24 ساعة بدعوة من مجلس الأمن أو أغلبية أعضائها.
ومن أجل إنقاذ السلام، أصدرت الجمعية العامة قرار الاتحاد من أجل السلام، ويعتبر هذا القرار من صنع الدول التي كان لها النفوذ الكبير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك الوقت، أبرزها بالتأكيد الولايات المتحدة، وكانت المرة الأولى، التي استخدم فيها القرار بعد إصداره العدوان الثلاثي على مصر والدعوة إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل)، عندما أنشأت الجمعية العامة في عام 1956 قوة الطوارئ الأولى التابعة للأمم المتحدة. وإنه لم يتم إلغاء هذه الجمعية إلى اليوم.
فالاتحاد العالمي من أجل السلام هو الحل الوحيد للأمم المتحدة ومجلس الأمن للخروج من عباءة الفيتو الروسي إن أرادوا إدانة روسيا بحربها على أوكرانيا وفرض وقرار قانوني دولي ملزم لإيقاف الحرب أو تضييق الخناق على روسيا لفرض عقوبات ذات طابع دولي جديد، وفي الحقيقية بسبب طبيعة النزاع وبسبب الدولة المتضررة من المتوقع بشكل كبير تفعيل دور هذا الاتحاد حيث مصالح الدول العضمى السياسية ستشكل اتفاقاً للمضي بهذه الخطوة وستلتحف بالإنسانية والأمن الدولي كغطاء تبريري لهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى