بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 14 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

ثانياً: الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من بين الأنبياء الذي لم يستجب لطلب المعاندين المتحدين, الطالبين للمعجزة, ويطلب من ربه المعجزة, وهو يعلم أنه قادر على تلبيتها.

وإنما تصدى لهم هو بنفسه, وبمعجزته هو, التي أعطاه الله إياها, وتحمل أذاهم وتحديهم وصلفهم وإكبارهم وعنتهم, وصبر عليهم, حتى وصل إلى ما يريد, دون أن يطلب من ربه شيئاً من هذا, إلا هدايتهم, والمغفرة لهم, ويلتمس لهم الأعذار, ليرفع سخط الله عليهم, وغضبه عنهم.

بل إن الله سبحانه وتعالى يشعر بمعاناته, ويغضب لما أصابه فيرسل عليه جبريل, يعرض عليه أن ينتقم منهم لحبيبه, ويقول له:

يقول لك ربك هل تريد أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فيرد الرؤوف الرحيم (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون), ولذلك قال فيه الله سبحانه وتعالى, ما لم يقله في غيره من الأنبياء والرسل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4, فخلقه هو أول معجزة من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم العظيمة..

فما معنى ذلك؟ وما تفسيره؟: الذي يفهم من هذا الكلام أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول للرسول أنت خلوق, وخلقك عال, وعندك خلقك.. ولكنه لم يقل هكذا, وإنما قالها بأسلوب قرآني معجز, وبلغة العرب الفصحى, وببيانها وبلاغتها السامية الراقية, ليفهم العرب الفصحاء من هو محمد صلى لله عليه وسلم؟ وما هو خلق محمد؟..

   عندما يسألني  أحد طلبتي عن وضعه في المادة, ووضعه كما أراه مناسباً للنجاح أقول له بالجملة الفعلية: (ستنجح) إن شاء الله.. فإذا ألح بالسؤال أجيبه بالاسمية وبإخبار أولى, (أنت ناجح). فإذا ألح بالسؤال أقول له: (إنك ناجح) بالتوكيد بـ إنّ.. فإذا ألح أكثر وطلب زيادة التأكيد, أقوله له: (إنك لناجح) بزيادة لام التوكيد.. فإذا توسط غيره وأراد الاطمئنان التام, وإزالة كل قلق, قلت: (وإنك لناجح), بزيادة واو القسم, أي: والله إنك لناجح..

  فانظر رعاك الله أيها العربي, الذي يفهم العربية, ويعرف أسرارها, ماذا في هذه الآية من أسرار: (وإنك لعلى خلق عظيم) واو القسم, وإنّ التوكيدية التي  تجري مجرى القسم, ولام التوكيد, والجملة الاسمية التي تدل على الثبات والدوام والاستقرار والاستمرار, والجملة الفعلية, التي تدل على الحدث المقترن بالزمن, كل هذا البيان المعجز جاء بأربع كلمات, والسؤال هو: هل يحتاج كلام الله إلى قسم أو توكيد ؟ كلام الله لا يحتاج إلى ذلك, ولكنه المدح والحمد والثناء والإشادة, والشهادة العظيمة, بهذا الخُلق العظيم, وقالها بكاف الخطاب, ومباشرة الخطاب إلى الرسول محمد نفسه, وهذا من الشرف والرفعة, ما لا يدانيه شرف ولا رفعة..

لعلى: قال: (لعلى خلق), ولم يقل بخلق, أو في خلق, وتفسير ذلك  لو كنت مريضاً تعاني من الزكام, وسألك صاحبك وقد تعافيت, كيف أصبحت؟ تجيبه: أصبحت بخير, (بـ) الباء حرف واحد, لحالة واحدة.

ولو كانت عندك مجموعة  مشاكل مادية, وهيأ الله لك مبلغاً من المال, سددت به دينك, ورتبت به وضعك, وحللت به مشاكلك التي كنت تعاني منها, وسألك صاحبك كيف أصبحت؟ تجيبه: أصبحت في خير, باستخدام حرف الجر: (في) حرفان, الدالة على أكثر من شيء واحد.. أما إذا تيسرت أمورك كلها, وانحلت مشاكلك كلها, وأصبحت على أحسن حال, وعندك كل ما تتمنى وتطلب, وسألك صاحبك كيف أصبحت؟ فتجيب: أصبحت على خير, باستخدام (على), ثلاثة أحرف, الدالية على العلو على كل شيء, فانظر إلى قوله تعالى: (وإنك لعلى خُلق).

الخًلْق: الشكل الخارجي, والهيأة العامة, والبنية الجسمية, القوام والجسد أما الخُلُق:  فهو الطبع والسجايا والخصال الحميدة, التي  تولد مع الإنسان, والقيم النبيلة والشكل الداخلي ـ إن صح التعبير ـ والمعاني السامية التي يتوارثها الإنسان, عن طريق المورثات والجينات ـ بلغة العصر والعلم ـ

  هذه الجينات والموروثات إذا رعيت بعنياة, وتربت تربية خاصة, ونشّأت تنشئة صالحة, وهذبت تهذيباً جميلا, وأدبت بأدب متميز, تعطي عطاءً عظيما, وتصنع الأشياء العظيمة, وتتفرد عن الخلق, وتتميز على الخلق جميعاً, وهذا معنى العظيم, فهو: المتفرد, المتميز, الذي لا نظير له من  جنسه.  

   وهكذا كان خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, عظيماً, متفرداً, متميزاً, معجزا, وهذا ما قاله هو عن نفسه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي), وهذا ما قالته عنه سيدتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن), وقالت: (كان قرآناً يمشي على الأرض).

 هاتان المعجزتان جمعهما بمعجزة واحدة, وهي خُلقه صلى الله عليه وسلم, والقرآن الكريم, الذي استطاع أن يصنع بهما كل المعجزات الأخرى, ويتفوق على كل المعجزات الأخرى, وعلى كل الأنبياء الآخرين بهما..

لماذا ؟ وكيف؟:الرسول محمد صلى الله وسلم هو الوحيد من بين الأنبياء والرسل الذي أرسل إلى أمة وصلت إلى كمالها في كل شيء, إلى أمة أنعم عليها الله نعماً كثيرة لم ينعمها على غيرها, وميزها بصفات لم يميز بها غيرها, وأكرمها بصفات وشمائل, لم يكرم بها غيرها, وكان الله سبحانه وتعالى يهيئ هذه الأمة لحمل هذه الرسالة العظيمة..

لقد أنعم الله عليهم من المال ما جعل مكة أكبر مركز اقتصادي وتجاري في الشرق آنذاك, وجعل أهلها أغنى الناس مالاً, وأكثرهم عيالا, وأغزرهم معرفة وعلما وخبرة بالتجارة وطرق القوافل وحمايتها. كانت مكة أكثر البلدان أمناً وأماناً في ذلك التاريخ, وكل الناس تقصدها للحج والعبادة وللبيع والشراء, وللشعر والأدب, والفكر والثقافة, والعلم والعمل, والفن والجمال.. وهذا ما قاله القرآن الكريم فيهم:

        (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4} قريش1- 4.

    فأثرى أهل مكة ثراءً كبيراً, وملكوا من المال والأنعام والعبيد والجواري الشيء الكثير, فهذا عنده خمسمئة من العبيد, وثلاثمائة جارية, وذاك عنده قافلة كاملة, وآخر عنده اثنتان, ومصعب ابن عمير كانت عنده ثلاثة قوافل, واحدة إلى اليمن, وأخرى إلى الشام, وثالثة إلى الهند, وكلها تلتقي في آن في واحد مكة, وله القوافل وما فيها, وما عليها, وكان عندما يمشي في مكة, يعرفه الناس من عطره, وهكذا كانوا..

  في مجال الأدب والثقافة, والشعر واللغة, بلغوا مبلغاً لم تبلغه أمة من الأمم, لا قبلهم, ولا بعدهم, والأمة كلها اليوم, بعصر الحضارة والتقدم ـ كما يسمونه ـ لم تبلغ ما بلغوا في هذا المجال, ولا معشار ما بلغوا, فكان مطلوباً من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون بهذا المستوى الثقافي والفكري والأدبي والعلمي واللغوي.

 فكان الرسول محمد, صاحب الخلق العظيم, وكانت معجزته القرآنية العظيمة, بهذا المستوى وزيادة, فجمعت ثقافة العصر, وثقافة كل العصور, وبهرهم القرآن الكريم بلغته وفصاحته وبيانه وإعجازه البلاغي, وبهرهم القرآن بما فيه من علم وثقافة وفكر.

  هكذا كانوا, وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم, وهكذا كانت معجزته الأولى في خُلقية, ومعجزته الثانية: في قرآنه الذي أنزله الله على قلبه, وتحدى به بلغاء عصره, وفصحاءهم وعلماءهم ومثقفيهم, فأعجزهم, وبهرهم بجميل بيانه, وعظيم إتقانه, حتى قال قائلهم: (إن له لحلاوة, وإن عليه لطلاوة, وإن أعلاه لمثمر, وإن أسفله لمغدق, وإنه ليعلو ولا يعلى عليه, وإنه ليحطم ما دونه). قالوا: صبأ الوليد, ولكنه لم يصبأ الوليد, وإنما حلم الوليد, بعدما عاد مبهورا بمحمد, ومعجبا به وبقرآنه, وبما جاء فيه, وأوشك على أن يسلم, لولا قومه والشيطان, والدنيا, حيث الجاه والسلطان والمال.

  قالوا له: قل فيه شيئا في القرآن, فقال: ساحر يؤثر, وقال: قول بشر, فأنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيام (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً{11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً{12} وَبَنِينَ شُهُوداً{13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً{14} ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ{15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26} المدثر.

  وقال تعالى فيه: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ{10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ{11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ{13} أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{15} سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ{16} القلم.

  إن ما قاله الوليد في القرآن الكريم, وفي الرسول محمد, يدلل على عقلية علمية كبيرة, ورأي علمي حصيف, وثقافة عالية, وشخصية فذة, ولو أنه أسلم لكان خيرا له, ولنفع الأمة, ولكن الشيطان والهوى والدنيا, وعزاؤنا بولده خالد, كما عزاؤنا بعكرمة ابن أبي جهل, وهذا مصداق قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4.

  قد يظن بعضهم أن الجاهلية والأمية, هي من الجهل والتخلف والانحطاط والضعف والهوان والوضاعة وغير ذلك, إن الجاهلية والأمية هي أولاً فطرتهم على التوحيد, وفطرتهم الإسلامية الإيمانية, وأنهم لم يعرفوا شيئاً آخر غيرها, ولم يؤمنوا بنبي آخر غير محمد, وأنهم كانوا ينتظرون هذا النبي بفارغ من الصبر, وعندما جاءهم, هم الذين سعوا إليه, وآمنوا به جماعات ووحداناً, ونصروه بكل ما يملكون, وفدوه بأموالهم وأنفسهم..

  الجاهلية هي الجهل بالشريعة, وبأمور الدين, وعدم معرفتهم بها, وتخبطهم في معالجة مشاكل عصرهم, وإن كان هناك عندهم من إرهاصات الدين والخلق والاستقامة, ما يدلك على أنهم لم يكونوا يعيشون في غابة.  صحيح أن هناك بعضاً من ذلك, ولكن الصحيح أيضاً أن هناك دار الندوة, وحلف الفضول, وهناك من يفض النزاعات, ويتحمل الديات, ويعتق العبيد, ويفدي الموؤودة ويحميها, ويكرم الضيف, ويفك العاني, ويحمل الكَلَّ, ويقضي حوائج الناس.

 وكان هناك من يسبح الله, ويوحده ويؤمن به, ويدعو الناس إلى مخافته, والتزام أوامره, واجتناب نواهيه, كورقة بن نوفل, وقس بن ساعدة, وعبد المطلب بن هاشم, وحاتم الطائي, غيرهم كثير..

أما من حيث الجانب العسكري, فإنهم كانوا قبائل شتى متفرقة, وكل قبيلة دولة مصغرة, وبينهم من الصراعات الشيء الكثير, والحروب والغزو والإغارة وقطع الطريق وغير ذالك.

 ولكنهم أيضاً كانوا فرساناً من الطراز الأول, وكانوا شجعاناً وأبطالاً, ومقاتلين أشداء, وكانوا يتمثلون كل قيم الفروسية والبطولة والشجاعة, ويلتزمون بكل أصولها وقوانينها وقواعدها, سلماً أو حرباً, وكانت عندهم أشهر حرم, تأمن بها الناس, وعندهم غيرة وشرف وكرامة وكبرياء.

 عندما خدش كرامتهم كسرى الفرس, ثارت ثائرتهم عليه, وانتقموا منه شر انتقام, وهزموه شر هزيمة, في معركة ذي قار الخالدة, التي قال فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (اليوم انتصف العجم من العرب وبين نصروا), وكان شعارهم ( يا محمد يا منصور وكان ما يعاب عليهم, فرقتهم وتمزقهم وصراعاتهم الداخلية, وفتنة الفرس والروم لهم, لتسهل السيطرة عليهم, وإضعافهم, وهذا ما نعانيه اليوم, وكأن التاريخ يعيد نفسه, وهذا ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب للهرمزان: والآن يا هرمزان ما ذا ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين: عندما كان الله بيننا وبينكم غلبناكم, وعندما صار الله معكم غلبتمونا. فقال له الخليفة العربي المسلم عمر رضي الله عنه: لا والله يا هرمزان, إنما غلبتمونا بفرقتنا, وغلبناكم بوحدتنا.. وهذا ما فعله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, توحيد السيوف, وتوجيهها الوجهة الصحيحة وهذب النفوس, وشذبها وزكاها, وأعطاها قوة روحية إضافة, إلى قوتها المادية, فأطاحت بأعظم إمبراطورتين في ذلك التاريخ, الفرس والروم, في غضون أعوام قليلة, وهذه إحدى معجزات محمد صلى الله عليه وسلم. لم يرسل إلى أمة مسحوقة مظلومة, مقهورة مضطهده, ذليلة مهانة  فيصطدم مع ذلك الملك الظالم الجائر, فيقضي عليه, فيسلم الناس به, مع بعض المعجزات المادية المشاهدة المنظورة, وتنتهي القصة, كما حصل مع نبي الله إبراهيم عليه السلام والنمرود مثلاً, ومع نبي الله موسى والفرعون, وغيرهم، من الأنبياء، محمد جاء إلى أمة كل واحد فيها كان أميراً وزعيماً وقائداً وملكاً وفرعوناً, واستطاع بخلقه العظيم أن يجمع بين بلال الحبشي, ومصعب بن عمير, الذي كان يجُلب له الحرير من الشام, والعطور من الهند, والأحذية من اليمن, ويساوي بينهما في كل شيء, كان العربي لا ينام تحت سقف عزة وأنفة وكبرياءً, فإذا به ينحني لله, ويسجد له, ويمرغ أنفه في التراب, ذلة لله وعبودية لله, وتقربا إلى الله, وهذه معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.

استطاع محمد أن يحول القلوب القاسية, والنفوس المتعجرفة الشحيحة, والأيادي المتصارعة, إلى قولب رقيقة, ونفوس أليفة, وأيادي متشابكة متحدة, ومجتمع منظم بأعلى درجات الدقة والانضباط, وهذه معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.

ولم يستخدم عصاً سحرية, ولا معجزة كونية, وإنما بخلقه العظيم, استطاع أن يروض هذه الأمة المتمردة المستنكرة, النافرة المدبرة, ويحولها إلى أمة مقبلة على بناء الدنيا وأعمارها, وبناء الجنة وإعمارها.

من أمة متمردة ترفض أي حكم, وأي نظام, وأي قانون, وأي سلطان, وأي التزام. إلى أمة مطيعة أليفة منظمة, تنضوي تحت راية الإسلام, وقانون الإسلام, وسلطان الإسلام, وشريعة الإسلام, ونظام الإسلام, وتبني المؤسسات, وتسن القوانين, وتضع أسس الحضارة الإنسانية كلها, وتبني فوقها صرحا شامخا مازال يعلو إلى اليوم, على الرغم من كل عوامل الهدم.

إنها معجزة محمد صلى الله عليه وسلم الخُلقية (وإنك لعلى خلق عظيم) والعظيم كما قلنا المتفرد الذي لا نظير له من جنسه, وقد تفرد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, في أمور كثيرة لم يستطع أن يناظره بها أحد أبداً, بل إننا نجزم أنه تفرد على البشر كلهم في كل شيء, ولم يكن هناك من هو أعظم منه, إلا الله الذي خلقه, وقدمه آية للناس, ومعجزة للبشر. يروي أحد أستاذتنا الأجلاء حادثة جرت في بريطانيا وكان يتابع دراسته هناك قال (أجرت أحدى الجامعات البريطانية دراسة حول أعظم رجل في التاريخ, فأدخلت المعلومات بالحاسوب عن كل المشاهير في العالم, ومن بينهم عدد من الأنبياء, والرسول محمد صلى الله عليه وسلم, ووضعوا سقفاً مقداره 100% درجة.

 خرجت النتيجة بمجموعة من العظماء والمشاهير, فرفعوا السقف إلى 120% بالمائة, فظهر مجموعة من الأنبياء, آدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم, ثم رفعوا السقف إلى 140% بالمائة.

 فلم يظهر إلا شخص واحد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم, فاعترضت الكنيسة على هذه النتيجة, وطلبت منها الجامعة أن تدخل كل المعلومات التي عندها عن النبي عيسى عليه السلام, مقابل محمد صلى الله عليه وسلم, وبعدها ظهرت النتيجة نفسها محمد صلى الله عليه وسلم, ومحمد فقط, هو أعظم رجل في التاريخ.

  وهذه شهادة غير المسلمين في رسول المسلمين ونبيهم, فماذا عسانا أن نقول نحن عن رسولنا ونبينا الكريم, إننا مهما قلنا وكتبنا وتحدثنا فلن نستطيع أن نفي هذا الرجل العظيم حقه, ولن نستطيع أن نلم إلا بالنزر اليسير من شخصيته وحياته, وما هي إلا ومضات ولمحات نقف عليها, لنقتدي بها ونتأسى, ونذكرها ونذكّر بها, علها تنفع في وقت نحن أحوج ما نكون إلى القدوة الحسنة, والمثل الأعلى, والنموذج المحتذى, وفي وقت ضاع فيه الرجال, وصار أراذل القوم سادتهم وقادتهم, وتحكم في أمر المسلمين, من لا يمت إلى المسلمين بصلة, ومن يعمل ليل نهار على ذبح الإسلام والمسلمين, ويتآمر عليهم, ويخونهم ويغدر بهم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى