منوعات

وهم النأي بالرياضة عن السياسة .. رسالة إلى الشباب!

خالد الفلاح

إعلامي ليبي
عرض مقالات الكاتب

استغرب الكثيرون وبخاصة من الجيل الأخير الذي ولد في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وبالتحديد الجمهور الرياضي من متابعي المسابقات الرياضية العالمية ما تعرضت له روسيا من حصار رياضي عالمي تمثل في قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم يويفا واللجنة الأولمبية الدولية حظر مشاركة الرياضيين والمنتخبات الروسية في جميع النشاطات والمسابقات الرياضية العالمية بعد قيام روسيا بغزو جارتها أوكرانيا. وسبب استغراب ودهشة هذا الجيل هو عدم حدوث نزاعات كبرى وتخاذل بعض الحكام عن القيام بمسؤولياتهم بحجج رومانسية واهية أشهرها أن الرياضة يجب أن تنأنى عن التجاذبات السياسية وأن الرياضة قد تصلح ما تفسده السياسة وواقع التاريخ يثبت العكس حيث كانت الرياضة دائما خاضعة للتوجهات السياسية وفي حال توفر رغبة سياسية في طرد وحصار دولة ما رياضيا فإن ذلك ممكن وقد تحقق أكثر من مرة.

سبق لدول المعسكر الغربي مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي جرى تنظيمها في موسكو 1980 احتجاجا على غزو أفغانستان وقد كان الدافع للمقاطعة هو الرئيس الأمريكي جمي كارتر – أي أن المقاطعة كانت نتيجة قرار سياسي وليس رياضي – , لترد دول المعسكر الشرقي لاحقا بمقاطعة أولمبيات لوس آنجلوس 1984. أما على الصعيد الأوروبي فقد جرى استبعاد منتخب يوغسلافيا بالرغم من نجاحه في التأهل عبر التصفيات وذلك بسبب اندلاع الحرب ليتم استبداله بمنتخب الدنمارك الذي نجح في الفوز بالبطولة في حدث يعد من أغرب وأطرف أحداث كرة القدم في التاريخ!. جنوب أفريقيا هي الأخرى تعرضت لحصار رياضي أثناء حكم نظام الفصل العنصري حيث حرم الرياضيون الجنوب أفريقيون من المشاركة في رياضات كرة القدم والرغبي والكريكت والأخيرتان تعتبران الأكثر شعبية في جنوب أفريقيا بحكم النفوذ الثقافي البريطاني في تلك البقعة من العالم. على صعيد الصراع مع إسرائيل وأثناء ذروة العداء الشعبي للكيان الصهيوني في الخمسينات والستينات ولو على مستوى إعلامي كان اتحاد كرة القدم لتلك الدولة مسجل ضمن الاتحاد الآسيوي بحكم أنه يقع ضمن النطاق الجغرافي لقارة آسيا وكان يشارك بانتظام في النشاطات الكروية مثل تصفيات كاس آسيا وتصفيات كأس العالم حتى أنه استضاف بطولة كاس آسيا سنة 1964 وخلال تلك البطولة ظهر استحالة استمراره في اتحاد آسيا حيث قاطع 11 منتخباً من 16 مشاركاً في البطولة وفازت الدولة المستضيفة بالكاس بعد فوزها على الهند وسرلنكا وهونغ كونغ في حدث نادر الوقوع لدرجة أن موقع الاتحاد الآسيوي الرسمي حذف تلك البطولة من ارشيفه! . . لم يكن ذلك أول حدث ففي تصفيات كاس العالم 1958 قاطعت 3 فرق التصفيات بسبب اضطرارها لمواجهة تلك الدولة ووقع الاتحاد الدولي لكرة القدم في مأزق لأن تلك الدولة ستترشح لكأس العالم دون لعب أي مباراة! . . وكحل تلفيقي جرى تنظيم مباراة إقصائية بين تلك الدولة ومنتخب ويلز وفازت ويلز وترشحت لكاس العالم!

بسبب اتخاذ دول عرب آسيا قرار حازم بعدم المشاركة في أي نشاط رياضي يشارك فيه الكيان الصهيوني وقد كان ذلك لامتصاص غضب الجماهير حيث أثبت الواقع وما كشف عنه في مذكرات الساسة الغربيين والصهاينة عن العلاقة الحميمة بين حكام الدول العربية والصهاينة منذ تأسيس تلك الدولة ولكن كانوا مضطرين لمسايرة شعوبهم حيث طالبت الكويت رسميا سنة 1974 بإبعاد تلك الدولة عن النشاط الآسيوي اضطرت تلك الدولة للخروج من الاتحادات الآسيوية والانضمام لاتحاد أوقيانوسيا الذي يضم أوستراليا ونيوزيلندا وجزر المحيط الهادي لمدة 18 سنة . . ونظراً لبعد المسافة قررت تلك الدولة الانسحاب من اتحاد أقيانوسيا والانضمام للاتحاد الأوروبي حيث لا تزال تنشط حتى الآن في المسابقات الأوروبية.

في سنة 2015 طالب اتحاد الكرة الفلسطيني الاتحاد الدولي لكرة القدم باستبعاد دولة الصهاينة لممارساتها العنصرية ولكن فشل بسبب عدم توفر عدد كافي من المؤيدين! , قد نفهم سبب التخاذل العربي والإسلامي الرسمي في دعم الطلب الفلسطيني ولكن الخيبة الحقيقية كانت في تفاعل الشباب العربي والمسلم مع الطلب حيث تربى ذلك الجيل الذي ولد ونشأ في عالم مستقر نسبيا تحت هيمنة القطب الواحد الأمر الذي انعكس على الصعيد الرياضي حيث الجميع يسمع ويطيع للسيد الأمريكي ولم يعد هناك معسكر موازي يتبادل مع المعسكر المقابل المقاطعة للمسابقات الرياضية كما أن مشاركة إسرئيل في البطولات الأوروبية أصبح أمراً روتينياً ولم يكلف إلا القليل أنفسهم عناء السؤال عن سبب ذلك ؟!

وعندما تعالت أصوات مطالبة بمقاطعة وعزل الكيان الصهيوني وحصاره رياضيا كانوا يواجهون بخطاب رومنسي براق مخادع مثل لا تجعلوا الرياضة عرضة للتجاذبات السياسية! وهي حجة لاقت آذان صاغية للأسف الحقيقة وبالنظر للوقائع التاريخية فإن ما تعرضت له روسيا من حصار رياضي لأسباب سياسية هو أمر طبيعي جدا وقد حدث مرارا وتكرارا أما شعارات النأي بالرياضة عن التجاذبات السياسية وأن الرياضة قد تصلح ما تفسده السياسة وغير ذلك من الرومانسيات فهي للتضليل ومحاولة للتطبيع مع أنظمة ودول عنصرية مجرمة ولعل ما حصل لروسيا قد يوقظ هذا الجيل من غفلته ويدفعه للضغط على حكامه لحصار الكيان الصهيوني ونظام بشار الأسد والملالي في إيران وعزلهم رياضيا كما فعل الجيل السابق الذي اضطر دولة الصهاينة للعب في قارة لا تنتمي لها جغرافياً وهو أمر لم يحدث إلا مع ذلك الكيان المسخ ولدى العرب والمسلمين ما يكفي من العدد فهم 57 دولة ولديهم ما يكفي من المال والنفوذ للتأثير على أكثر من دولة حول العالم كما أن هناك الكثيرين في الغرب والشرق من المثاليين الانسانويين الذين ينبذون العنصرية والإجرام قد يساهمون في حملة كبرى لحصار أنظمة عنصرية مجرمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى