مقالات

أوكرانيا وسوريا.. أبناء الستِّ وأبناء الجارية!

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

في مقارنة لايصح إجراؤها البتة البعض يحاول أن يجري مضاهاة ومقارنة بين ردة فعل المجتمع الدولي وعلى رأسها أمريكا والغرب عموما حول ما جرى ويجري في سوريا،وبين ما يجري في أوكرانيا الآن من غزو روسي لها،متناولا ردود الأفعال الفورية والسريعة اتجاه غزو روسيا لأوكرانيا الذي لم يمض عليه إلا سويعات والغزو الروسي لسوريا الذي مضى على إجرامها فيها ثماني سنوات وذلك منذ أن تدخلت عسكريا في سوريا بأيلول من عام 2015 والذي وخلال هذه السنوات لم تحرّك أمريكا والغرب لجرائم روسيا في سوريا لها ساكنا أو تسّكن لها متحركا بنقيض ما جرى من تسكين وتحريك وقطع وتجميد وإيقاف غير مسبوق من أجل أوكراني.

على العكس من ذلك تمامًا ما جرى من تسكين إن حصل فإنه جرى لمصلحة روسياولكل من أجرم بحق الشعب السوري، والتحريك إن حدث فإنه حدث أيضا لمصلحة من أجرم بحق السوريين، ولا تخطىء العين أن تدخل روسيا وغير روسيا في سوريا قد جرى بالاتفاق مع الغرب وعلى رأسه أمريكا، فالدعم اللامحدود والمتواصل لأوكرانيا منذ الساعات الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا لا بل قبل أن يبدأ الغزو الروسي بكثير فقد بدأ الدعم اللامحدود لأوكرانيا منذ التحشدات الأولى للقوات الروسية على حدود أوكرانيا وربما قبل ذلك أيضا ليمتد دعم الغرب وأمريكا إلى 2014 عندما ضمّت روسيا القرم إليها.

فمنذ الدقائق الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا شاهدنا حجم العقوبات الهائلة وغير المسبوقة التي لم نشاهدهامن قبل وقال فيه الناتو أنه ومنذ سنوات طوال لم يحدث أن تحشدث لدعم دولة ما ما تحشَّد لأجل أوكرانيا، عقوبات لاتعد ولا تحصى فُرضت على روسيا خلال سويعات فرضتها أمريكا والغرب عقوبات اقتصادية، ومالية وتجارية، وسياسية،ورياضية، وحتى فنية عقوبات في مختلف مجالات ومفاصل الحياة الأخرى فالعقوبات حتى اللحظة طالت 680 مسؤولا ابتداء من بوتين ووزير خارجيته، ودفاعه، ولمسؤولين كبار مقربين من بوتين وكذلك لكيانات روسية بلغت حتى اللحظة 53 كيانا.

المجتمع الدولي خلال خمسة أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا والقرارات التي اتخذت في هذه الخصوص لردع روسيا عن المضي في تحقيق أهدافها العدوانية جعلت من العقوبات التي فرضتها أمريكا والغرب على النظام السوري لإجرامه بحق السوريين وطيلة 11 سنة جعلتهامثار سخرية،وتندر، وتهكم وجعلتها تبدو عقوبات تافهة لاقيمة لها على أرض الواقع،وبدت ويكأنها عقوبات صورية مقارنة بما فرض على روسيامن عقوبات هائلة خلال 5 أيام فقط، فجرائم ومجازر روسيا في سوريا لم يراها أحد ولم يجر معاقبة روسيا عليها ولا حتى ذكرها، فالضحايا الأوكرانيين من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي لم يتجاوز حتى اللحظة المئات والذي تحرك العالم لأجلهم فهؤلاء فهو بنظر الغرب ما يقع عليهم من جرائم جعلتها لاتغتفر، أما قتل وإبادة الشعب السوري فمسألة فيها نظر ولا تستدعي إبادته ردود أفعال وعقوبات كالتي فرضت على غزوها لأوكرانيا، ولعل ذلك يوضح سبب تحرك الغرب الذي دفع المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية وتصريحه أنه سيفتح تحقيقا في الحرب الدائرة في أوكرانيا وذلك لتقديم المسؤولين الروس كمجرمي حرب في أوكرانيا، في حين أن المدعي العام في ذات المحكمة لم ير ما فعله النظام وروسيا، ولم يدعي عليهم بمسؤوليتهم عن هذه الجرائم، فربما أن المدعي العام في الشأن السوري سيحرك الدعوى على الشعب السوري بداعي أنهم إرهابيون تجرأوا على المطالبة بحقوقهم وحرياتهم!

فإلى اللحظة لم نرَ جزء ولو صغيرًا حدث في أوكرانيا مثل الذي حدث في سوريا من قتل، وتشريد، وإبادة، وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام وروسيا في سوريا، ومن معتقلات سرية وعلنية لا أحد يأتي على ذكرها ،وقتل بكل ما حرم وما لم يحرم من أسلحة على أيدي الروس وغيرهم واستهداف كذلك المدارس وللمساجد والمستشفيات وسواها، فحتى اللحظة لم نر في أوكرانيا ماوقع على السوريين وهم يُنتشَلُون من بين الأنقاض في كل غارة يشنها الطيران الروسي.

السوريون يبدو أنهم أبناء الجارية والأوكرانيون وغيرهم ممن يعاملون معاملتهم هم أبناء الست كما ظهر للعيان. فأبناء الجارية ذاقوا الموت بكل أشكاله، وأصنافه، وهم يركبون البحار،وهم يمشون على الأرض بالالغام التي أماتتهم وتميتهم ،ذاقوا الموت وهم يغتصبون، ويشرّدون ،ويعتقلون، فأبناء الجارية حتى اللحظةلم نشاهد صورهم في إصدارات مجازر قيصر كإصداراتنا فيه وكصور قتلانا التي تسربت وكيفية قتلهم وحرقهم ودفنهم في مقابر جماعية.

الأوكرانيون أبناء الست لم يفعل بهم كل هذا،ومع هذا كانت ردود الأفعال اتجاههم غير مسبوقة وبسرعة كلية، فأبناء الست فُتحت لهم القلوب قبل الحدود ،وكان في إستقبال اللآجئين عمدة كل بلد يصلون إليه ليشرف بنفسه على كل ما يحتاجه اللآجئون الأوكران، أما السوريون أبناء الجارية فلم تستقبلهم سوى الكلاب التي تنبح بوجوههم فأغلقت في وجوههم الحدود وباتوا في العراء هم وأطفالهم من البرد يتجمدون.

الجميع تخلى عن السوريين وتركوا لمصيرهم في وقت لم يترك الأوكرانيبن لمصيرهم فقد استنفرت أوربا والغرب وأمريكا لمساعدتهم طبيا،وسياسيا وعسكريا ،فقد قدمت للجيش الأوكراني أحدث الأسلحة من مدرعات،وطائرات ومضادات أرضية لدروع العدز ومضادات لطائراته “استنغر” في وقت وطيلة ١٠ سنوات ويزيد طالبت الفصائل الثورية أبناء الجارية بسلاح نوعي تصد به هجمات الموت عن الشعب السوري ولا أحد استجاب فتنادي لمن تنادي؟ فلا حياة فلمن تنادي؟ في وقت اشتدت المنافسة بين الدول الأوربية والغرب عموما وأمريكا على مد جسورا جوية لنقل كل ما تحتاجه أوكرانيا للدفاع عن نفسها من الهجمة الروسية التي لاتكاد تذكر أمام هجماتها على الشعب السوري الأعزل.

فأولاد الست يفتح بوجوههم كل شيىء فالشيىء الوحيد الذي يُغلق المضائق البحرية حتى لا تصل إمدادات قتلهم، وسفن أعدائهم إليهم ، أما أولاد الجارية فيُغلق في وجوههم كل شيىء إلا المضائق والقنوات التي تفتح لتعبر سفن أعدائهم تحمل إليهم عدة وعديد الموت التي تجعل من أيام السوريين معدودة، فالشيىء الوحيد المعدود عند السوريين أبناء الجارية هو أيام أعمارهم.

أولاد الست وعلى الفور يعلنون أنهم يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ويقابل طلبهم بالترحاب، بينما أولاد الجارية لايقبل من طلباتهم سوى طلب الموت الذي يتمنونه في وقت باتوا يرون أن المنايا أضحت أغلى أمنياتهم.

أولاد الست لايضربون على بطونهم لأن لهم ظهيرا يحميهم أما أولاد الجارية فيضربون ويضربون ليس فقط على بطونهم بل على كل جزء ومفصل من أجسادهم ذنبهم الوحيد أن ليس لهم ظهورا تحميهم كما أولاد الست.

أولاد الست لا يعرفون ظهورهم التي تحميهم فهم غرباء عنهم ولكنهم اتحدوا في وقت مايفرقهم أكثر بكثير مما يجمعهم ومع هذا اتحدوا، أما أولاد الجارية فظهورهم التي تنكرت لهم دمهم ولحمهم وعِرقهم فعلى الرغم من أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم ولكنهم مع هذا تفرقوا، فقاعدة إن لم أكن أخاك في الدين والعرق فأنا أخوك في الإنسانية عرفها أبناء الست أما أبناء الجارية…

أولاد الست يقولون أن الوقت قد حان لفرض منطقة حظر طيران على الطائرات والمروحيات الروسية والصواريخ وسيجاب طلبهم لأنهم بالطبع أولاد ست،أما أولاد الجارية الضعفاء فسمائهم حرام عليهم حلال على غيرهم فهي ساحة رحبة للروسي ولكل من هب ولم يهب ولكل من دب ويدب بشرط أن تكون السماء قاعدة ومنصة لمن أراد أن يقتل أبناء الجارية.

أولاد الست يقولون أن دولة ارتكبت جرائم حرب يجب ألا تظل عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وهذا فيه نظر، أما أولاد الجارية وطيلة 11 سنة من جرائم ومجازر لاتنتهي فلا يحق لهم أن يقولوا ما قاله أولاد الست فعليهم أن يصبروا لمزيد من”الفيتوات” التي تجعل من موتهم يطول.

أولاد الست مندوبهم في مجلس الأمن يقول”٣٥٠ ألف طفل لايمكنهم الوصول إلى المدارس، أما مندوب أولاد الجارية فيقول ٣٥٠ ألف طفل لا يمكنهم الوصول إلى مقابرهم!!

أولاد الست لأجل عيونهم دولً تحظر استيراد الغاز والنفط من روسيا المجرمةوتقطع شريان موسكو الغازي إلى ألمانيا ويقررون إرسال المزيد من المضادات للدروع لقتالها، بينما أولاد الجارية فلأجل عيون روسيا حتى هواء روسيا يعلَّب في زجاجات دعما لاقتصادها، أما الدروع ومضاداتها التي يطالب بها أبناء الجارية فلا حاجةَ لها فهم عراة الصدور وأجسادهم أقوى من كل درع.

أبناء الست لأجلهم فقط وردا على الاستعداد الروسي النووي لأجلهم فقط بريطانيا تعلن أنها وضعت القوى النووية وضع الجاهزية القصوى، ولأجلهم ولأجلهم فقط هيئات البث الفضائية بعض الدول البدء بمراجعة حظر بث قناة روسيا اليوم عبر أثير دولها. أما أبناء الجارية فالفضاء والأثير مسموح لأعدائهم أن يستخدموه طالما أن سموم بثهم ستصل أبناء الجارية.

الأمثال الشعبية لا تأتي من فراغ فهو من واقع معاش ولهذا قيل أن من له ظهرًا لا يمكن لأحد أن يضربه على بطنه،أفهمتم الآن يا أبناء الجارية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى