بحوث ودراسات

قواعد الاشتباك (الحرب) في الإسلام

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب


الإسلام هو دين الفضيلة والعدْل، دين التَّسامُح والرَّحمة والمساواة، ورفع الظلم وعدم الاعتداء، وأن هذه الخصال كانت هدف ومنطلق الحروب في الإسلام، وبالتالي كل من يحاربون هذه الخصال أو الصفات، فلا بد من محاربة محاربيها، حيث قال الله عز وجل ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) (البقرة: 190.)

وقال جلَّ شأنه أيضاً: ﴿ وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كله لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ )البقرة: 193). ويجدر الانتباه إلى أن الإسلام يحارب كل من يحارب تلك الخصال أو الصفات حتى ولو كانوا مسلمين، فقال عزَّ من قائل (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات الآية 9).
وبالتالي يمكن إيجاز آدابُ الحرب في الإسلام بعدة نقاط، والمُتبصر بها يُلاحظ أنها متداخلة مع بعضها البعض، بحيث لا تكون إلا كاملة متكاملة، ولهذا ما سيذكر في نقطة ما من دليل، هو أيضاً دليل لنقطة أخرى، ولكن لن نعيد ذكرهُ منعاً للتكرار، وهذه النقاط كما يلي:
1- لا يُقتل إلاَّ المقاتل:
قال صلَّى الله عليْه وسلَّم : (مَن ألْقى السِّلاح فهو آمِن، ومَن أغلق بابَه فهو آمن)؛ رواه مسلم.
وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم : (ألاَ لا تقتُلوا ذرّيَّة؛ كلُّ نسمة تُولد على الفطرة)؛ رواه النَّسائي وهو في صحيح الجامع.
وذهب الإمام مالكٌ والإمام أبو حنيفة وجمهور العلماء، إلى عدَم مقاتلة الأعْمى، والمعتوه، والمقعد، وأصحاب الصَّوامع الَّذين طيَّنوا الباب عليهم ولا يُخالطون النَّاس.
وقال الإمام الأوْزاعي: “لا يقتل الحُرَّاث والزُّراع، ولا الشَّيخ الكبير، ولا المجنون، ولا راهب، ولا امرأة”.
وقد ورد عن النبي في وصاياه في الحروب أنه قال: (ولا تقتلوا وليدا، ولا متبتلاً في شاهق).
2- عدم قتل الأطفال والنساء حتى ولو كانوا مقاتلين:
من ملامح الحروب الإسلامية أيضاً عدم جواز قتل النساء والأطفال حتى لو كانوا محاربين، وإذا ما كان من المحاربين أطفال ونساء، فكان يتم تجنبهم وعدم مقاتلتهم، وفي حال الاضطرار إلى ذلك يجب الاكتفاء بالدفاع عن النفس، وعدم قصد قتل النساء والأطفال مهما أمكن، وفي حال الظفر بطفل مسلح أو امرأة مسلحة يكفي أخذ السلاح منهم، وعدم قتلهم. حيث أن نهي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء مطلقاً والمطلق فقهاً لا يقيد، وهذا ما كان يفعله المسلمون.
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه، وقد وقف عليها الناس، فقال: ما كانت هذه لتقاتل. وقال صلى الله عليه وسلم لأحدهم: (الحق خالدا فقل له: لا تقتل ذرية ولا عسيفا). رواه أحمد وابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة). رواه أبو داود.
3- النهي عن الغدر والتمثيل:
قال – صلَّى الله عليْه وسلَّم: (اغزوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا)؛ رواه مسلم. حتى أن النبي الكريم حرَّم التمثيل بالحيوان، فقد روي عن رسول الله أنه قال: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور). (نهج البلاغة: 445).
4- النهي عن التدمير والتخريب والحفاظ على الممتلكات
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصاياه في الحروب أنه قال: (ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً)، وفي بعض الروايات قال: (ولا تهدموا داراً). وقد كانت هذه الوصايا وصية الخلفاء من بعدهم أجمعين، ففي وصيَّة أبي بكر الصديق رضي الله عنه – ليزيدَ بن أبي سفيان لمَّا بعثه إلى الشَّام، ومنها: (وإنَّكم ستجِدون أقوامًا قد حبسوا أنفُسَهم في هذه الصَّوامع، فاتْركوهم وما حَبسوا له أنفُسَهم، ولا تقْتلوا كبيرًا هرمًا ولا امرأة، ولا وليدًا، ولا تخربوا عمرانًا، ولا تقْطعوا شجرة إلاَّ لنفع، ولا تَعقِرُنَّ بهيمة إلاَّ لنفع، ولا تَحرِقُنَّ نخلاً ولا تُغرِقُنَّه، ولا تغدرْ، ولا تمثِّل، ولا تجبنْ، ولا تغلُل). (سنن البيهقي). وفي رواية أخرى عن مالك في موطئه (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان -وكان أمير ربع من تلك الأرباع- ثم قال له: وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن).
5- إكرام الأسير:
قال البيضاوي: كان – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يُؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعْض المسلمين فيقول: (أَحسنْ إليه)
فإذا أسروا من الكفار فإنهم لا يمثلون بهم، وقال مالك في الموطأ: (وأما بعد أسرهم والتمكن منهم فلا ينبغي أن يمثل بهم ولا يعبث في قتلهم، ولكن تضرب أعناقهم…..)
وقد تمثَّل هذا المبدأَ العظيم القائدُ المسلم صلاح الدين الأيوبي، الَّذي حرَّر القدس عام 1187م، فأمر بتوْزيع الصَّدقات على الفُقراء والمرْضى والأرامل من الصَّليبيِّين، وكذلك اليتامى والمقعدين، وأن يزوَّدوا بالدَّوابّ، كما أمر بردِّ الأسرى إلى أقاربِهم، وعفا عن كثيرين منهم بِخصوص الفدية، بحيث وجدْناه يفتدي وحْدَه عشرة آلاف شخصٍ، وأطْلق أخوه – الملقَّب بالملك العادل – سراح سبعة آلاف شخص.
أمَّا نصارى بيت المقدس، فقد سمح لهم بأن يَسكنوا فيها ولا يَخرجوا، وأن يؤمَّنوا ولا يُزعجوا، فأقام منهم فيها وفي ضواحيها آلاف.
6- السلم وعقد الصلح مع العدو وعدم الخيانة:
إذا طلب الأعداء السلم والتزموا بموجباته وهم في بلادِهم، فعلى المسلمين أن يستجيبوا لهم، فيُوقفوا الحرْب تلبيةً لرغْبتهم السِّلْمية؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ الأنفال: 61
ومن عجيبٍ قولِ رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يوْم الحديبية: (والله، لا تدْعوني قريشٌ إلى خُطَّة توصَل بها الأرحام، وتَعْظُم فيها الحُرُمات إلاَّ أعطيتُهم إيَّاها)؛ البخاري.
وكذلك فإن من أخلاق المسلمين أنه إذا كان بينهم وبين الكفار عهد وهدنة وميثاق على ترك القتال فإنهم يلتزمون الوفاء بموجب العهد حتى تنتهي مدته المتفق عليها. ولكن إذا خاف المسلمون من الكفار الخيانة ونقض العهد بأن ظهرَ من القرائن ما تدل أحوالهم خيانتهم للمسلمين من غير تصريح، فإن المسلمين لا يعاملونهم بالمثل، فلا يحق لهم أن يغدرون بهم، ولا ينقضون العهد معهم، بل على المسلمين أن يخبرونهم بعدم استمرار العهد بينما حتى يستوي علمهما بذلك. قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال: 58)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى