مقالات

سويفت.. حسابات روسيا في الحقل، وحسابات الغرب عند البيدر..

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

من الوسائل التي تلجأ إليها الدول عند الحاجة إليها وكنوع من العقوبات لردع دولة ما ذات نزعات عدوانية اتجاه دولة أخرى لجعلها ترضخ وتتراجع عن مشاريعها العدوانية العقوبات الاقتصادية والمالية،وهذا ما يحدث بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.

فالحشود العسكرية الضخمة للقوات الروسية، إن على حدودها أو حدود حليفتها بيلاروسيا، والذي أدى للغزو الروسي لأوكرانيا جعل الدول ولا سيما دول حلف الناتو وأمريكا وعموم الغرب، وجدوا أنفسهم أمام هذا النوع من العقوبات.

فبالإضافة إلى العقوبات العسكرية غير المرئية والتي لاتلحظها الأعين جعلتهم يلجؤون إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية هائلة ليس آخرها عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته لافاروف، ومن قبلهما وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، ونواب في مجلس الدوما الروسي” مجلس النواب” وعلى شخصيات روسية مقربة جدا من الرئيس الروسي بوتين يضاف إليها عقوبات على قطاعات صناعية وتكنولوجيا تحتاجها روسيا وبشكل ملح في مجالات مهمة كالاتصالات والفضاء الخارجي، وكذلك من العقوبات ذات الأهمية القصوى قيام ألمانيا بتعليق العمل بخط نقل الغاز” نورد ستريم تو” الذي يمثل لروسيا شرياناً لا غنى عنه لنقل الغاز من ألمانيا إلى عموم أوربا مع الإشارة هنا إلى أن قطاعي الغاز والنفط يعتبران من المداخيل الرئيسة لروسيا التي لايمكن بحالٍ التفكير مجرد تفكير أن يتم قطعه أو تعليق العمل بإتمامه.

فاليوم سجّل مبيعات النفط الروسي معدلًا متدنيا جدا في أسواق النفط العالمية، وهذا وبلا ريب جاء على خلفية ونتيجة من نتائج السبب وهو الغزو الروسي لأوكرانيا.

اليوم الاتحاد الأوربي وساسة وزعماء أوروبيون كُثر رددوا أنهم سوف يقومون وكنوع آخرمن العقوبات المالية والاقتصادية الإضافية على روسيا سيقومون بفصلها من منظومة “سويفت” الماليةالدولية للمدفوعات.

السؤال الذي يطرح هنا مَن “سويفت” التي تكرر تهديد أوربا بطرد روسيا منها؟

سويفت هو اختصارًا ومسمّى لتسمية نظام الاتصالات المالية العالمية بين البنوك في جميع أنحاء العالم، وقد أسِّسَ هذا النظام في مقر جمعية تعاونية في بلجيكا بالقرب من العاصمة بروكسل.

يعتمدُ نظام سويفت على مبدأ كتابة وإرسال أوامر الدفع بين البنوك المختلفة في جميع أنحاء العالم عن طريق شيفرات غاية في الدقة؛ ومن مزايا سويفت أنها لا تحتفظ بالأموال، ولا تقوم بتحويلها، ولكنها تسمح للبنوك بإبلاغها بالتبادلات التي تهمها. ويضم النظام أكثر من 11000 مؤسسة في أكثر من 200 دولة وفي العام 2021 نقل ما معدله 42 مليون رسالة لتبادلات مالية في اليوم وهذا مؤشرعلى الثقة الكبيرة التي تتمتع بها سويفت عالمياً وعلى كافة الصعد المالية والتجارية وقطاع الأعمال.

فالشركات والبنوك الروسية التي تتعامل بهذا النظام أكثر من300 بنك وهذا رقم كبير ولا شك إن دل، فإنما يدل ويبين حجم الأضرار الهائلة التي ستلحق بهذه البنوك فيما لو قررت الدول الأوروبية وواشنطن استبعاد روسيا من هذا التعامل المالي، ما سيجعل هذه البنوك تضطر لأن تتعامل مع شركائها الأجانب من بنوك وخلافها بالطريقة التقليدية القديمة “الفاكس” وهذه الطريقة تستغرق من الجهد والوقت ما تستغرقه، في وقت تبحث فيه الدول والشركات السرعة في إنجاز أعمالها، ومن الوسائل التقليدية كذلك خارج نظام سويفت أن يتم ذلك عبر تبادل الرسائل إلكترونية أو حتى رسائل التلغرام الأمر الذي لا بد أن يجعل من تدخل العنصر البشري ضرورة لا بد منها مع هذه الوسائل التي تعتبر بمنظور سويفت وسائل أكل الدهر عليها وشرب، يضاف إلى هذا النوع من التقليدي من الوسائل أنه لا يقدم نفس ضمانات الأمان التي عليها النظام المالي سويفت، وتنطوي على مخاطرقانونية، وماسيجعل ذلك له تأثير على الاقتصاد الروسي، في وقت تعتمد روسيا وبشكل كبير في صادراتها التي تبلغ مليارات الدولارات بحسب موقع “بيزنس إنسايدر”.

التوصيلات والمطالبات الأوربية بفصل روسيا من نظام سويفت سوف يقلل ويقلص إلى حد كبير من حجم المعاملات الدولية الأمر الذي يجعل العملات في تقلب وهروب لرؤوس أموال من روسيا إلى الخارج.

نظام سويفت الذي تطالب بعض الدول الأوروبية بفصل روسيا عنه وتتردد دول أخرى بفرضه عليها كالولايات المتحدة التي بدأت تدرسه وبشكل جدي، كما أكدت بلومبيرغ اليوم أنها بصدد دراسة إمكانية فصل روسيا من نظام المدفوعات المشفرة”سويفت”، قرار الفصل محل شد وجذب بشأن اتخاذ قرار فصل روسيا فيه فالبعض أن فصل روسيا لا شك أنه سيمثل ضرية قوية للاقتصاد الروسي وسيشل إلى حد كبير من تجارتها ولا سيما في مجال الطاقة والغاز اللذَين يشكلان ركنين للاقتصاد الروسي، ولكن في المقابل سوف يتأثر النظام المالي للمدفوعات على جميع الدول والشركات والبنوك التي تتعامل هي الأخرى بنظام مدفوعات سويفت وهذا ربما أحد الأسباب التي جعلت كثير من الدول تتريث بشأن اتخاذ قرار كهذا.

روسيا تحسب حسابا كبيرا أن تتخذ أوروبا والغرب مثل هذا القرار لفصلها، وهي تعمل منذ مدة على أن تجد بدائل لمنظومات مالية أخرى بديلة لنظام الدفع مع أطراف دوليو كالصين، ولكن العقبة الكبيرة في هذا الاتجاه تتمثل في صغر حجم أي نظام مالي آخر للمدفوعات يضاهي سويفت من حيث السرعة والدقة والآمان، وأن الاستيعاض عن نظام سويفت بآخر مثله كمثل من يستبدل طائرة حديثة آمنة لسفره بسيارة في طريق يعج بقراصنة وبلصوص.

كل المؤشرات التي ترد من مراكز اتخاذ القرار في أوربا تدعم خطوة فصل روسيا عن المنظومة العالمية للمدفوعات، فهذا وزير الخارجية الأوكراني يصرح اليوم بأن إجراءات إقصاء روسيا عن نظام سويفت قد بدأت.

أمريكا والنيتو لن يتدخلوا عسكريا بشكل مباشر في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا ولكنهم بالعقوبات المالية والاقتصادية، والتجارية التي فرضت وبشكل غير مسبوق على روسيا لغزوها أوكرانيا سيكون له الأثر الكبير والفاعل ما سيجعل روسيا تعيد حساباتها من جديد فحساب الحقل لم ينطبق على ما يجري من حسابات في البيدر.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. جاك الله خيرا على جهدك في هذا المقال ، و اسمح لي بهذا التعليق المتواضع:
    السياسة ، على الطريقة الميكافيلية الغربية ، ينبغي أن تكون مليئة بالدجل و أن لا تصل الحقائق للناس . تحرص الدول العميقة – لضمان بقاء سيطرتها – هناك على أن توصل لمناصب معينة أشخاصاً يكذبون كما يتنفسون كما تحرص على أن تكون أجهزة الإعلام موجهة و محتوية على قدر كبير من التضليل .
    بما أن آلة الإعلام الدولية الهائلة تكذب و بما أن الساسة يكذبون ، فالنتيجة أن عملية التحليل السياسي شاقة و تحتاج إلى جهود كبيرة لتمييز الحق من الباطل و الغث من السمين مع متابعة مستمرة و ربط للمعلومات اللاحقة بالسابقة وصولاً إلى ما يغلب على الظن بأنه صواب .
    لا يقيم المغرور بوتين وزناً لكل طراطير و نواطير العرب و الفرس ، و لذلك فالقول بأنه أدخل جيشه لسوريا عام 2015 بناءً على طلب أحدهم أو مجموعة منهم هو محض هراء . دخول جيشه إلى سوريا كان بناءً على طلب رسمي من الثنائي أوباما / كيري ، و لقد طلب بوتين منهما ضمانات و اشتكى من أن الاحتياطي الفيدرالي الروسي كان مليار دولار فقط في تلك السنة فتعهدا له بتمويل سخي يغطي كافة تكاليف جيشه و لم يقم بتحريك جيشه من روسيا نحو سوريا إلا بعد أن طار أحد سفهاء الأعراب إلى موسكو و ناوله شيك قيل أن قيمته 6 مليارات دولار (بعبارة أخرى ، صبت أمريكا عن طريق أداتها ما لا يقل عن 36 مليار دولار في خزينة روسيا منذ ذلك التاريخ و حتى هذا اليوم من دويلة أعرابية واحدة). اشترى أحد عملاء أمريكا في أعرابستان أسلحة خردة من روسيا لا تلزم بمبلغ 100 مليار دولار في غضون 7 سنوات. لا أعلم بالضبط مبالغ تمويل أتباع أمريكا الأعراب لمليشيا فاغنر الروسية في سوريا و شرق ليبيا و مالي و إفريقيا الوسطى ، ولكن يقال بأنها بالمليارات.
    صحيح أن روسيا تنتج البترول و الغاز بكميات كبيرة لكن أمريكا هي من تتحكم بأسعار كلا السلعتين و ارتفاع سعر برميل البترول 3 دولارات فقط من شأنه أن يمنح روسيا دخلاً إضافياً يومياً مقداره حوالي ثلاثين مليون دولار (أي ما يقارب المليار دولار في الشهر) .
    قبل قليل رأيت في موقع محطة أمريكية مشهورة معلومة غريبة و هي أن “صندوق حرب بوتين يبلغ 630 مليار دولار من الاحتياطيات في هذا اليوم نهاية شباط/فبراير2022 ” . من الذي ساعد على تسمين هذا الاحتياطي الروسي ؟؟؟ علماً بأن القوة الاقتصادية من أساسيات قرار القيام بالإعمال العسكرية .
    حتى لو جرى تعطيل “سويفت” فمن الممكن تجاوزه . لقد شاهدنا أن العقوبات الاقتصادية لم تكن سلاحاً فعالاً ضد تحركات الطغاة الهوجاء في كثير من الأمثلة حديثاً .

  2. جزاك الله خيراً ، و معذرة على سقوط حرف الزين في أول كلمة في التعليق بسبب سرعة الطباعة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى