ثقافة وأدب

القول الصحيح في وسائل الإعلام سلسلة مقالات تهدف إلى تقويم اللسان وتصحيح الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام 56

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب


مفردات وتراكيب مُوَلّدة ودخيلة (15)
مادام و طالما
يقول بعضهم في وسائل الإعلام المختلفة، مثلًا: “طالما الخلافات السياسية قائمة فلا أمل في البلد”.
والقول الصحيح: “لا أمل في البلد مادامت الخلافات السياسية قائمة”.
فاستعمال (طالما) بمعنى (ما دام) هنا غير صحيح ولا فصيح.
لأنّ (طالما) كلمة مركَّبة من (طَالَ) الذي هو فعل ماضٍ بمعنى: امْتَدَّ، أو كثُر، و(ما) كافّة تكفّ (طال) عن استيفاء الفاعل، وما بعدها مبتدأ، وهذا المركّب يفيد وقوع الفعل بكثرة.
وقد تسرّب إلى كثير من أقلام المعاصرين وألسنتهم استعمال كلمة (طالما) استعمال الأفعال الناقصة بمعنى (ما دام) فأدخلوها على الجملة الاسمية، وضمّنوها معنى الشرط!
ولا تدل (طالما) على معنى المصدرية الظرفية، والذي يدل على ذلك هو (مادام).

ومن شواهد الاستعمال الصحيح لـ (طالما) ما قاله ابن رواحة رضي الله عنه في أرجوزته:
أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه
طائِعَةً أَو لا لَتُكرَهِنَّه
إِن أَجلَبَ الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة
ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة
قَد طالَما قَد كُنتِ مُطمَئِنَّة
ونحو قول الشاعر:
تَقَبّلتَها من أُمَّةٍ لَكَ طالما تُنُوزِعَ في الأسواقِ عنها خِمارُها
وأنشد أحدهم:
يا ابنَ الزُّبَيْرِ طالَما عَصَيْكا
وطالَما عَنَّيْتَنا إِلَيْكا
لَنَضْرِبَنْ بسَيْفِنا قَفَيْكا

أمّا استعمالات (ما دام) عند العرب فهي متنوعة بحسب نوع (ما) عند دخولها على الفعل (دام)، فقد تأتي (ما) مصدرية، مثل قول حاتم الطائي:
وإنّي لعَبْدُ الضّيفِ ما دام ثاويًا *** وما فيّ، إلاّ تلكَ، من شيمةِ العَبْدِ

والفعل (دام) هنا ناقص لا يكتفي بمرفوعه؛ لأن المرفوع في أصله مبتدأ لا تتم الفائدة إلا بخبره.
قال ابن يعيش “أمّا (ما دام) من قولك: (ما دام زيدٌ جالسًا)، فليست (ما) في أوّلها حرف نفي على حدّها في (ما زال)، و(ما برح)، إنّما (ما) ها هنا مع الفعل بتأويل المصدر، والمراد به: الزمان. فإذا قلت: (لا أُكَلمُك ما دام زيد قاعدًا)، فالمراد: دوامَ قعوده، أي: زمنَ دوامه، كما يُقال: (خفوقَ النجم)، و(مقدمَ الحاجّ). والمراد: زمنَ خفوق النجم، وزمنَ مقدم الحاجّ. وممّا يدلّ على أن (ما) مع ما بعدها زمانٌ، أنها لا تقع أوّلًا، فلا يُقال: (ما دام زيد قائمًا)، ويكون كلامًا تامًّا، ولا بد أن يتقدّمه ما يكون مظروفًا”.
فلا يقال: ما دام زيد قائمًا أقومُ.

وقد تأتي (ما) شرطية – كما قال أ.د. إبراهيم الشمسان-
ومثال الشرطية مع (دام) قولك: ما دام الربيع فتمتع به. و(دام) هنا فعل تام مكتف بمرفوعه، ولا يعرف استعماله ناقصًا عند القدماء، أما عند المتأخرين فنجد قول أبي تمام(231هـ):

ما دامَ هارونُ الخليفةَ فالهدى *** في غِبْطَةٍ مَوْصَولةٍ بدَاومِ
وقول ابن شهاب(394هـ):
ما دام بينكم فنجم سعودكم *** باد ونجم نحوسكم لن يطلعا
وقول القيسراني(478هـ):
ما دام شمسك فينا غيرَ آفلة *** فالدين منتظم والملك متسق
وبيت ابن مالك(672هـ):
ما دام حافظَ سِري مَنْ وثِقْتُ بهِ *** فهو الذي لَسْتُ عنهُ راغبًا أبدًا

قال ابن هشام “و(ما) هذه شرطية منصوبة المحل بـ(دام)، وهي واقعة على الزمان، وهو قليل، أعني مجيء ما الشرطية ظرفًا. والناظم [ابن مالك] ممن أثبته، ولا تكون هنا مفعولًا مطلقًا بمعنى أي دوام، لأن شرط إعمال (دام) أن تقع بعد ما الظرفية، ولا أن تكون مصدرية ظرفية: مثلها في {مَا دُمْتُ حَيًّا} إذ ليس لها حينئذ ما ينصبها، لأن ما بعدها حينئذ صلة، أو معمول الصلة، وأما على تقديرها شرطية فلا صلة ولا موصول، فيصح لدام أن تعمل فيها”.

وقول صفي الدين الحلي(752هـ):
ما دامَ وعدُ الأماني غيرَ منتجزِ *** فطُولُ مَكثِكَ مَنسُوبٌ إلى العَجزِ

قال أ.د. إبراهيم الشمسان: “وعلى هذا أرجع عن تخطئة المعاصرين في استعمالهم هذا التركيب في قولي “نجد من ذلك ما جاء في (طوق الطهارة، ص 264) “وما دام الوقت بات لا يؤمن جانبه فعليّ أن أضيعه”، والصواب: عليّ أن أضيع الوقت ما دام لا يؤمن جانبه؛ لأن (ما دام) ظرف لما قبلها”.

الخلاصة:
فلا تقل إذًا: “طالما الخلافات السياسية قائمة، فلا أمل في البلد”.
لأنّ القول الصحيح هو: “لا أمل في البلد مادامت الخلافات السياسية قائمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى